بث الحياة مجددا في شخصيات أدبية يتيمة

الإجراء يسلط الأضواء على السماح بإصدار أجزاء لأعمال أدبية بعد موت أصحابها الأصليين

في ظل السماح رسميا بإصدار تكملة لأعمال أدبية توفي كتابها الأصليون لم يعد الموت عائقا أمام تطوير الشخصيات الأدبية
TT

داخل المكتبات هذا الأسبوع، سيسافر آرثر دنت عبر أرجاء المجرة ثانية، أما دراكولا فيتسلل تحت غطاء ضباب لندن مرة أخرى، بحثا عن فتيات تنبض شرايين رقابهن بالحياة. وبالمثل، عاد «ويني ذي بوه» إلى السير بخطاه القصيرة المميزة حول «ذي هاندريد إيكر وود».

لم تكن هذه الأنباء لتثير الدهشة لولا حقيقة أن الكتّاب الذين تمخض خيالهم عن هذه الأيقونات الأدبية ـ وهم دوغلاس آدمز، وبرام ستوكر، وإيه إيه ميلن ـ ماتوا جميعا منذ فترة تتراوح بين قرن وثمانية أعوام. بيد أنه في ظل السماح رسميا بإصدار تكملة لأعمال أدبية توفي كتابها الأصليون، لم يعد الموت عائقا أمام تطوير الشخصيات الأدبية.

في ثلاثة كتب جديدة ـ «آند أناذر ثنغ...»، الذي يشكل الجزء السادس من سلسلة «هيتشهايكرز غايد تو ذي غالاكسي»، و«ريتيرن تو ذي هاندريد إيكر وود»، بجانب القصة الجديدة حول «ويني ذي بوه» بعنوان «دراكولا.. ذي أن ديد» ـ قام أصحاب التصرف في تراث الكتاب الراحلين (وأبنائهم) ببث حياة جديدة في تلك الشخصيات، بغض النظر عما إذا كان مبتكروها الأصليون سيرغبون في استمرار هذه الشخصيات الخيالية في عض رقاب الناس أم لا. في الواقع، لا يعد هذا بالأمر الجديد، لكن الإعلان عن هذا الإجراء بخصوص ثلاثة أعمال أدبية شهيرة في غضون 10 أيام فحسب يسلط مزيدا من الأضواء على السماح بإصدار أجزاء لأعمال أدبية بعد موت أصحابها الأصليين.

من ناحيتها، جاءت إجابة جين ويلسون، أرملة آدامز، فظة لدى سؤالها ما إذا كان زوجها الراحل سيقبل بأن يعبث أي شخص آخر في عمل أدبي من ابتكاره، مثل «مارفين ذي بارانويد أندرويد»، حيث قالت «ليست لدي أدنى فكرة، فهو غير موجود هنا».

وسكتت هنيهة، ثم ضحكت وأردفت قائلة «لقد كان يمقت تأليف الكتب، لكن كانت تروق له النتائج بعد أن يفرغ من العمل فيها... لست على ثقة من طبيعة رد فعله إزاء فكرة كتابة شخص آخر لعمل بالنيابة عنه. لكنها تبدو فكرة جيدة».

تجدر الإشارة إلى أن الهالة المقدسة المحيطة بالشخصيات الأدبية التي تتفتق عنها أذهان الأدباء تلاشت منذ نحو 20 عاما، عندما شرع الورثة ممن يحق لهم التصرف في التراث الأدبي للكتاب الراحلين في تأجير حقوق النشر والتأليف لأعمال قديمة. على سبيل المثال، عادت سكارليت أوهارا إلى الحياة مجددا بعد وفاة مارغريت ميتشل، في الوقت الذي خاض جيمس بوند مغامرات لا حصر لها منذ وفاة مبتكره، إيان فليمنغ. وعاود بيتر بان الطيران منذ عامين، أي بعد ثلاثة أرباع قرن على رحيل جيه إم باري.

من جهته، قال مايكل براون، رئيس «بوه بروبرتيز ترست» على مدار العقود الثلاثة الماضية، إنه لم يكن ليرحب بمثل هذه الفكرة حال عرضها عليه وقت بداية انضمامه إلى المؤسسة التي تتولى الإشراف على الإرث الأدبي لميلن. في ذلك الوقت، كان مجرد ذكر فكرة إصدار جزء جديد من القصص التي تتناول شخصية بوه سيثير رد فعل غاضب من قبل الناشرين والرأي العام، على حد سواء، حسبما أوضح براون.

وأردف قائلا «إلا أنه حدث تغيير في توجهات المجتمع. هناك شعور الآن بأن الحنين إلى الماضي لا بأس به، لكن بمقدورك إخراج تلك الشخصيات من المخزن... بطبيعة الحال، سيبقى هناك بعض المعترضين ممن سيقولون إنها فكرة رديئة قبل أن يفتحوا الصفحة الأولى من الكتاب».

الملاحظ أن أساليب تناول الكتّاب الجدد لمهامهم تنوعت بقدر تنوع القصص التي يعملون على إحيائها.

من جانبها، قررت المؤسسة القيمة على شخصية بوه الأدبية الاستعانة بشخص لخلق مغامرات جديدة من أجل الدب الصغير أصفر اللون. واستقر اختيارها في نهاية الأمر على ديفيد بينيديكتس (71 عاما)، الذي أنتج جميع الأفلام الصوتية المبنية على قصص بوه الأصلية، والذي اقترح أفكارا جديدة حول شخصيتي بوه وتريغر منذ عدة سنوات. من ناحيته، قال براون إنه لم يرغب في إدخال أي تعديلات على الطابع الرقيق للقصة الأصلية، التي وصفها بأنها لطيفة ورقيقة، و«مغايرة للغاية للمناخ العام المميز للقرن الـ21».

وبدوره، عمد بينيديكتس إلى الانغماس في عالم عشرينات القرن الماضي، حيث عاش ميلن، في محاولة لتخيل القصص التي كان من الممكن أن يؤلفها الكاتب الأصلي. بل وزار غابة أشداون، التي تعد المكان الحقيقي لأحداث لـ«هاندريد إيكر وود».

وقال بينيديكتس «بعد 20 قصة شعرت خلالها شخصية آيور بالأسى تجاه نفسها، ربما كان سيشعر أنه وصل إلى نهاية الطريق. وتتمثل مهمتي في كتابة القصص التي ربما كان سيؤلفها الكاتب الراحل. إنها مهمة تمثيل أكثر من كونها مهمة كتابة».

وأضاف أن الأمناء المعنيين بتراث ميلن الأدبي شاركوا بقوة في عملية تحرير الكتاب الجديد، لدرجة أنهم تدخلوا في اختيار الألفاظ. كما شاركوا في ابتكار سكان «هاندريد إيكر وود» الجدد، وود ولوتي وأوتر.

في هذا الصدد، نوه بينيديكتس بأنه «كانت هناك شخصية أنثوية واحدة في القصص الأصلية، كانغا، الأمر الذي بدا بمثابة انعدام خطير في التوازن. تخيلنا شخصية لوتي في الأصل كثعبان، وأطلقنا عليها أسماء مختلفة، مثل: سيلينا، وميرابيل، وأوترلاين، وأخيرا لوتي. كما جرت كثير من المناقشات حول نوع الحيوان الذي ينبغي أن تجسده».

ويتعارض هذا التوجه نحو إصدار جزء جديد من قصة بوه مع التوجه حيال المهمة ذاتها في ما يخص قصة هيتشهايكر. عند الحديث إليهما، ذكرت بيسلون، أرملة المؤلف، وإوين كولفر، المكلف بالكتابة، التفاصيل ذاتها عن فكرة إصدار جزء جديد، حيث التقى وكيلاهما على الغداء، وتفتق ذهناهما عن الفكرة، واقترح كل منهما الفكرة على موكله. وأجابت بيلسون بالموافقة، وكذلك كولفر.

جدير بالذكر أن كولفر يشتهر بكتابته سلسلة قصص «أرتيميس فاول» الخاصة بالأطفال، التي صدرت منها 18 مليون نسخة مطبوعة. واتفق كولفر وبيسلون على بقاء الأخيرة بعيدة تماما عن مسألة الكتابة والتحرير. وخلال مكالمة أجريت معه عبر الهاتف، قال كولفر، من منزله في ويكسفورد بأيرلندا «قبلت المهمة لعشقي هذه القصص. يا إلهي، عندما كنا مراهقين، كنا نأمل في حدوث أي موقف يمكن أن نقوله خلاله العبارة الأشهر بهذه القصص «لا ترتعب!».

بالطبع ليس من السهل محاكاة أسلوب آدمز المميز في خلق الشخصيات.

من جهته، ذكر آدمز أن فكرة قصصه الدائرة حول المجرة واتته بينما كان مستلقيا على ظهره، ومخمورا قليلا، وكانت عيناه تحدقان في السماء المطرزة بالنجوم. وبالفعل، بدأ مسلسلا إذاعيا حول القصة عام 1978، ثم تم تحويل إلى مسلسل تلفزيوني وسلسلة من الكتب. تناولت القصص مغامرات آرثر دنت، الذي نجح في الفرار من كوكب الأرض قبيل لحظات من تدميره، وانطلق في المجرة بلباس الاستحمام حاملا في يديه منشفة. وتتميز القصة بطابع فكاهي قوي.

واكتسبت عبارة «لا ترتعب!»، الموجودة على غلاف القصة، شهرة واسعة وباتت الألسنة ترددها. وكذلك الحال مع الرقم (42)، الذي اتضح أنه الإجابة وراء معنى الحياة والكون وكل شيء (للأسف، لم تشر القصة إلى السؤال). من بين الأحداث الطريفة في القصة أنه عندما اختفت الدلافين من على وجه الأرض قبيل دمار الأخيرة، تركت وراءها رسالة تقول فيها «وداعا، شكرا على السمك».

التساؤل الذي يفرض نفسه الآن كيف يمكن لكولفر محاكاة ذلك؟

في الواقع، لا يحاول كولفر القيام بهذا الأمر، فهو لا يحاول تقليد كاتبه المعشوق.

وعن ذلك، قال «هذا ليس جزءا من العمل الفني لدوغلاس آدمز. إنه عمل أدبي خيالي يحظى بالموافقة.. أدرك أنه ينبغي علي وضع معجبي هيتشهايكر في الاعتبار. إنهم مخلصين وصرحاء في التعبير عن آرائهم وعلى معرفة كبيرة بالتقنيات الحديثة».

من أجل الاضطلاع بمهمته الجديدة، حرص كولفر على قراءة الأجزاء الخمسة الماضية جميعا، وحدد القوى الخارقة التي تتمتع بها كل شخصية ونقاط القصور بها وكتبها على الجدار القائم أمامه كي تبقى في ذهنه أثناء كتابته الجزء الجديد. واعترف بأنه عمد إلى محاكاة الأسلوب الفكاهي المميز لكتابات آدامز في أحد أجزاء قصته الجديدة، وذلك عندما جرت مقابلة مع أحد آلهة العالم الجديدة لتحديد المجال الذي سيترأسه، وسئل خلال المقابلة «إذن، كيف ترى نفسك في غضون خمس سنوات من الآن؟».

الملاحظ أن الرفض الشديد الذي أبداه معجبو هيتشهايكر لفكرة تأليف جزء جديد من القصة لدى الإعلان عنها العام الماضي تراجع بدرجة كبيرة، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى التبجيل والتوقير الذي أظهره كولفر للمهمة.

في هذا الصدد، كتب ريتشارد غراي (44 عاما)، رئيس الرابطة الرسمية لمعجبي الكتاب، في رسالة بعث بها إلينا عبر البريد الإلكتروني من منزله في بريتون بإنجلترا، يقول «أسلوب تناوله المبدئي لـ«هيتشهايكرز غايد تو ذي غالاكسي»، يوحي بأن هذه السلسلة في أيدٍ أمينة. لذلك، أتطلع نحو قراءة الكتاب الجديد بمجرد صدوره رسميا».

وينقلنا ذلك إلى ترانسلفانيا. ترعرع ديكر ستوكر، أصغر أحفاد برام ستوكر، في كندا قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة. وكان على علم، وإن كان غير مبهور، بأن جده الأكبر الأيرلندي الذي كان يعمل مديرا لأحد المسارح، وروائيا، هو مؤلف سلسلة الرعب الشهيرة. إلا أنه بمرور الوقت، ازداد إعجابه بالعمل الأدبي الذي تركه جده الأكبر وراءه. لم تكن القصة جزءا رئيسيا من إرث العائلة، ربما لأنها فقدت حقوق التأليف والنشر جراء عقود قانونية لم تصغ على نحو ملائم في الثلاثينات من القرن الماضي.

وعندما اتصل به إيان هولت، كاتب السيناريو، فجأة عام 2003 ليعرض عليه فكرة إحياء القصة مجددا، أبدى ستوكر الحفيد كامل تأييده.

وعمد هولت وستوكر إلى تقسيم أعمال البحث بينهما، بل واستعانا بباحث للعمل لوقت كامل لمساعدتهما. وتمخضت هذه الجهود عن صياغتهما للفكرة الرئيسية للجزء الجديد الذي يدور حول أن أحداث رواية «دراكولا» الأولى حدثت في الواقع، وأن ستوكر الحقيقي عمد إلى إخفاء هذا الأمر في روايته. تبدأ أحداث القصة الجديدة عام 1912، عندما يحاول ستوكر تمثيل رواية «دراكولا» على خشبة المسرح، عندما يبدأ أبطال المغامرة الأصلية في التساقط قتلى بأسلوب بشع.

وتوصلت المراجعات المسبقة للرواية الجديدة إلى آراء جيدة. على سبيل المثال، خلص إصدار «ببليشرز ويكلي» إلى أن العمل الجديد «يسير بخطى سريعة ومفعمة بأحداث مسلية للغاية».

كما أن المبلغ الذي دفع مقابل الحقوق الداخلية والدولية لم يكن سيئا، حيث تجاوز مليون دولار.

إلا أن ستوكر الحفيد أعرب أيضا عن رغبته في إعادة تسليط الضوء على إرث جده الأدبي. رغم أن رواية «دراكولا» لم يتوقف طبعها منذ نشرها للمرة الأولى منذ عام 1897، وتولد عنها أحد أشهر أنماط أدب الرعب على امتداد القرن الماضي، لا يحظى برام ستوكر بالمكانة التي تليق به داخل دبلن، حيث نشأ، حسبما يرى ديكر ستوكر. وبسبب فقدان أسرته حقوق النشر والتأليف، بات إبداعه مباحا أمام الجميع يقتنصون منه بعض الأجزاء.

وأضاف ديكر «لا أزعم أنني أكتب مثل برام، ولا أدعي معرفتي بجميع الأمور المتعلقة بمصاصي الدماء. إننا لا نرغب سوى في العودة إلى الشخصية التي ابتكرها برام، إلى الرجل الذي تعرض إرثه للتهرؤ في صور متنوعة، وكذلك ما أبدعه. هذا هو هدف الكتاب».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»