رد إيراني «أولي» يشترط تسليما «تدريجيا» لليورانيوم يضع الغرب في «وضع صعب»

نجاد ردا على انتقادات موسوي لمسودة الاتفاق: البعض في الداخل متطرفون في ثوريتهم

مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز خلال مباحثات مع كبار المسؤولين الروس ومن بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف في موسكو حول الملف الإيراني أمس (أ.ب)
TT

وضعت إيران الدول الغربية، وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بالذات، في وضع صعب بعدما قالت مصادر إيرانية مطلعة إن رد طهران على مسودة الاتفاق التي وضعها مدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي تتضمن شرطين لموافقة طهران، هما أن تقوم إيران بتسليم «تدريجي» لمخزون اليورانيوم الذي لديها بدلا من تسليمه دفعة واحدة. أما الشرط الثاني فهو «تسليم متزامن»، أي أن تقوم طهران بتسليم جزء من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها لموسكو، فيما تقوم موسكو في ذات الوقت بتسليم إيران الوقود النووي الذي تحتاجه طهران لتشغيل مفاعل الأبحاث لديها. وفيما رفض مسؤولون غربيون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، الجزم بأن «الشروط الإيرانية» تعني فشل المفاوضات، فإنهم أعربوا عن انزعاجهم من الشرطين، موضحين أن الشرطين «يصعبان الموقف الغربي» ويعززان علامات الاستفهام حول جدوى الاتفاق الغربي مع طهران في تقليل القلق من الأنشطة النووية الإيرانية.

وقال مسؤول أميركي قريب من الملف الإيراني في فيينا لـ«الشرق الأوسط»: «ما وصلنا حتى الآن، وهو ليس رسميا أو نهائيا، أن إيران تقترح تسليم مخزونها من اليورانيوم على دفعات، يتزامن مع تسليم دفعات اليورانيوم، وتسليم روسيا وقودا نوويا لإيران لاستخدامه في مفاعل الأبحاث. وهذا تغيير جوهري عن عرض وكالة الطاقة. عرض الوكالة الذي وافقنا عليه يتضمن تسليم إيران نحو ثلثي مخزونها، والمنطق وراء العرض هو ضمان أن لا يكون لدى الإيرانيين ما يكفي من اليورانيوم لتخصيبه بدرجة عالية والتقدم في إمكانية استخدامه عسكريا. العرض الإيراني المعدل لا يضمن ذلك وبالتالي لا يستجيب للمخاوف الدولية». ووفقا لمسودة الاتفاق التي وضعتها وكالة الطاقة فإن تسليم طهران لنحو 70% من مخزونها من اليورانيوم من شأنها أن تضمن لمدة عام على الأقل عدم قدرة طهران على أخذ برنامجها النووي لمنحى عسكري. وفيما تحفظت العواصم الغربية المعنية على الرد فورا على التغييرات الإيرانية على مسودة الاتفاق، فإنه من المؤكد أن يتحفظ عليه مسؤولون في الإدارة الأميركية والفرنسيون وإسرائيل. وكانت أصوات كثيرة داخل أميركا، خصوصا وسط الجمهوريين والكثير من الديمقراطيين في الكونغرس، قد حذرت من أن أي صفقة مع إيران يجب أن تعالج جذور المشكلة مع طهران وتضمن عدم إقدام إيران على خطوة لعسكرة برنامجها النووي. وفي هذا الإطار انتقد مسؤولون بالكونغرس الأميركي خصوصا عدم احتواء مشروع الاتفاق مع إيران على مبدأ وقف التخصيب.

وقال السيناتور الجمهوري في الكونغرس الأميركي دان بورتون إن على الإدارة الأميركية أن تتخذ خطوات للتصدي للمخاوف من برنامج إيران النووي، وإلا خاطرت واشنطن بأن تتخذ إسرائيل منفردة خطوات للرد على التهديد الإيراني. وأوضح بورتون ليل أول من أمس في جلسة للجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس أن إسرائيل قد تتجه لقصف المنشآت الإيرانية إذا فشلت أميركا في اتخاذ الخطوات اللازمة، موضحا أن طهران ما زالت تخصب اليورانيوم وأن إسرائيل لن تسمح لتلك العملية أن تتواصل. وكان وزير الخارجية الفرنسي برنادر كوشنير قد تحدث أيضا خلال الأيام الماضية عن الحاجة لاتخاذ خطوات عاجلة لحلحلة الملف النووي الإيراني، تحسبا لاتخاذ إسرائيل خطوات منفردة.

ومن شأن الرد الإيراني المشروط على مسودة الاتفاق والتوقعات أن تبدأ مفاوضات طازجة حوله لمعرفة رأي فرنسا وأميركا وروسيا ووكالة الطاقة فيه، أن تزيد من قلق المسؤولين في واشنطن وتل أبيب. وقال مسؤول غربي رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن إدارة أوباما بالذات في وضع حرج، موضحا: «رد طهران يضعه في موقف حساس، فمن جانب عليه أن يضمن طبيعة الأنشطة الإيرانية، إلا أن رد طهران لا يساعده. والآن إذا فشلت المفاوضات سيكون عليه فرض عقوبات مشددة على إيران، إلا أن هذا أيضا لن يكون سهلا، فهو يريد تحقيق أي تقدم في الملف الإيراني، والفشل سيضاف إلى قائمة المتاعب التي يواجهها، خصوصا في أفغانستان وباكستان. لكن في الوقت نفسه يجب تأكيد أن المشكلات في هذين البلدين لن تكون المحدد في سياساته حيال طهران. هذه ملفات مختلفة. إذا شعر أنه لا مفر من فرض عقوبات أو اتخاذ أي خطوات أخرى مناسبة فإنه لن يتردد في هذا. السؤال هو: كم سيكون صبورا؟ وهل سيعطيه الإيرانيون سببا للامساك بذيل التفاوض؟».

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعلنت أمس أنها تسلمت «ردا أوليا» من إيران على مشروع الاتفاق الذي اقترحته بشأن تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج تمهيدا لإمداد مفاعل البحث في طهران به. وقالت الوكالة الذرية في بيان صدر في فيينا إن «المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي تسلم ردا أوليا من السلطات الإيرانية على اقتراحه استخدام اليورانيوم الضعيف التخصيب من جانب إيران لإنتاج وقود من أجل مواصلة أنشطة مفاعل البحث في طهران، والهادف أساسا إلى تصنيع نظائر نووية لأغراض طبية».

وبحسب صحيفة «جوان» الإيرانية المحافظة فإن طهران اقترحت في ردها على الوكالة الدولية للطاقة الذرية شرطين لتسليم اليورانيوم المخصب، وذلك في إطار تعديلات ستطلب إدخالها على مشروع الاتفاق حول تخصيب وقودها النووي في الخارج. وأفادت الصحيفة استنادا إلى «مصدر مطلع» لم تعرفه أن طهران ستقترح في التعديل الأول «تسليم اليورانيوم المخصب بنسبة 5.3% تدريجيا» لتحصل في المقابل على وقود مخصب بنسبة 20% الضرورية لمفاعل أبحاث طهران. وفي التعديل الثاني المحتمل ستقترح طهران أن تتبادل «في نفس الوقت» كمية محددة من اليورانيوم المنخفض التخصيب مقابل الوقود النووي الضروري لمفاعل طهران، مما يعني أن إيران ستسلم مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب تدريجيا على دفعات ولن ترسل الـ70% كاملة دفعة واحدة، كما يعني أن إيران تريد تبادلا متزامنا بما يعني أن تتسلم وقود اليورانيوم عالي التخصيب في نفس الوقت الذي تسلم فيه اليورانيوم منخفض التخصيب الخاص بها في إطار صيغة تحسبها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أساس احتياجات مفاعل طهران.

وخلال الأيام الأخيرة أكد عدد من المسؤولين والصحف في إيران أن مفاعل طهران في حاجة فقط إلى ثلاثين كلغ من الوقود لتشغيله خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة. لكن المصادر ذاتها اعتبرت أن إنتاج هذا الكم من الوقود يستلزم فقط بضع مئات من الكيلوغرامات من اليورانيوم المنخفض التخصيب، مما يعني ضمنا أن إيران مستعدة لتسليم كمية ضئيلة من مخزونها من اليورانيوم.

ومن المعروف أن مسودة الاتفاق التي أعدتها الوكالة تتضمن إرسال طهران 70% من مخزونها المعروف من اليورانيوم منخفض التخصيب البالغ 1.5 طن إلى روسيا لزيادة تخصيبه بحلول نهاية العام الحالي، ثم إلى فرنسا لتحويله إلى ألواح وقود تعاد إلى طهران لتشغيل مفاعل أبحاث لإنتاج نظائر مشعة لعلاج السرطان. أما دور الولايات المتحدة فهو تطوير مستويات السلامة والمعدات في المفاعل.

إلى ذلك أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن العلاقات بين بلاده والغرب حول الملف النووي الإيراني انتقلت «من المواجهة إلى التعاون»، مؤكدا استعداده لتبادل الوقود النووي، دون توضيح.

وقال أحمدي نجاد في خطاب ألقاه في مشهد شمال غربي إيران ونقله التلفزيون مباشرة على الهواء إنه «في السابق كانوا يطالبون بوقف (البرنامج النووي الإيراني)، اليوم وافقوا على تبادل الوقود النووي والمشاركة في بناء مفاعلات ومحطات نووية. لقد انتقلوا من سياسة المواجهة إلى التعاون». وأضاف: «نحن نرحب بتبادل الوقود النووي وبالتعاون النووي وببناء مفاعلات ومحطات نووية. نحن مستعدون للتعاون». وأكد أحمدي نجاد أن «الظروف المواتية توافرت لحصول تعاون نووي» مع الدول الغربية.

وأضاف: «نحن سنصافح كل يد تمد إلينا بنزاهة، ولكن إذا كانت هذه اليد مصحوبة بمؤامرة وكذب فسيكون ردنا عليها مماثلا للرد الذي أعطيناه (للرئيس الأميركي السابق جورج) بوش وعملائه». وشدد أحمدي نجاد على أن إيران «لن تتراجع قيد أنملة عن حقها المطلق» في برنامجها النووي السلمي. وقال أحمدي نجاد إن صفقة تبادل اليورانيوم ستكون بمثابة اختبار للوكالة الدولية للطاقة الذرية لتؤدي «دورها الحقيقي» في مساعدة الدول على السعي للتكنولوجيا النووية المدنية. كما ستكون تلك الصفقة فرصة لاختبار نزاهة القوى العالمية لإثبات التزامهم بتعهداتهم «على عكس موقفهم خلال الثلاثين عاما الماضية (بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979)».

وفي رد ضمني على زعيم المعارضة الإصلاحية الإيرانية مير حسين موسوي، قال نجاد دون أن يذكر موسوي بالاسم: «الآن أصبح البعض في الداخل في إيران متطرفون في ثوريتهم.. نرحب بهذا ويسعدنا أنهم أدركوا أن المقاومة هي أفضل وسيلة في مواجهة الأعداء. لكننا لا نتوقع منهم أن يشككوا في انتصارات الأمة الإيرانية وإنجازاتها». وكان مير حسين موسوي قد انتقد الاتفاق النووي مع الغرب، موضحا في تصريح وضع على موقعه على الإنترنت: «هذه نتائج للنزعة المغامرة وتنتهك... المصالح الوطنية». وقال موسوي: «هؤلاء السادة /المسؤولون الإيرانيون/ إما أن لديهم مهمة تدمير البلاد والمؤسسة، وإما أنهم يفعلون أشياء من أجل اليوم فقط دون تفكير في العواقب».