كندي يحترف الخط العربي ويعشق الحضارة الإسلامية والتراث الشرقي

لقمان رونالدو ألف 22 كتابا باللغة الإنجليزية عن تاريخ العرب والمسلمين

ناجي يعرض بعض أعماله الفنية
TT

في منزله الصغير بمدينة الظهران ستحظى بلحظات نادرة مع التاريخ وحضارات الشعوب العربية حيث حول مجلسه إلى متحف جمع فيه حصاد خمسة وثلاثين عاما هي عمر رحلته في اكتشاف حضارة الشرق وتاريخه زار خلالها ستا وثلاثين دولة، وألف اثنين وعشرين كتابا باللغة الإنجليزية يتحدث فيها عن تاريخ المسلمين. إنه لقمان رونالدو ناجي الذي يعمل أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والذي يجمع بين اهتمامه بالتراث العربي والشرقي وعشقه للغة العربية إلى حد دفعه إلى قضاء سنوات في تعلمها واحتراف فنون الخط العربي في وقت كان فيه أبناؤها يتنافسون في تعلم لغته الأم «الإنجليزية».

وفي مجلسه الذي حوله على مدى عشر سنوات إلى متحف ينقلك ناجي، وهو في العقد السادس من عمره، في رحلة تاريخية إلى بغداد متحدثا عن قصة استقدام العرب للوراقين من الصين وكيف ازدهرت حركة التأليف بعدها ثم ينقلك في حديث آخر عن الخطوط العربية المشهورة في المغرب العربي مقارنا بينها وبين الخطوط التي عرفت في العراق، وممثلا لكل قصة بقطع من التراث تعود إلى فترتها التاريخية وهكذا يمضي الحديث معه لتكتشف أن التاريخ الإسلامي يسير في دمه قبل أن يتحدث به لسانه. عمله في السعودية كمعلم للغة الإنجليزية وتنقلاته المستمرة بين البلدان العربية مكنته من إتقان اللغة العربية تحدثا وكتابة حيث يحاول دائما الاستفادة من طلابه في اكتساب كلمات جديدة إضافة إلى متابعته للإذاعات المحلية والصحف، وفي ذات الوقت التحق بدورات في مكة المكرمة والمغرب تعلم من خلالها الخط العربي مستغلا حسه الفني في إتقان لغة يصفها بأنها الأجمل على الإطلاق من بين اللغات التي يتحدثها والتي تشمل الإنجليزية والتركية. بدأ اهتمام ناجي، المولود في العاصمة الكندية أوتاوا، بالشرق وتراثه بعد أن تحول إلى الإسلام في سبعينات القرن الماضي حيث يقول «أعشق التاريخ والفنون التشكيلية وكان علي أن أكتشف تاريخ وحضارة المجتمع الجديد الذي انضممت إليه، ولقد وجدت في حضارة العرب والمسلمين مصادر غنية ألهمتني كثيرا».

وفي متحفه الصغير يجمع ناجي مقتنيات من مراحل تاريخية تعود إلى أربعة عشر قرنا حيث تجد دراهم ودنانير من عهد الدولة الأموية والعباسية، وقطعا من الخزف والسجاد الشرقي إضافة إلى مقتنيات حرفية يقول عنها إنها تظهر نمط الحياة في ذلك العصر. حيث تجد أدوات الطبخ وأواني حفظ الطعام وأدوات الكتابة ومخطوطات قديمة تحملك في رحلة عبر الزمان إلى حياة أناس عبروا وبقيت آثارهم. ويؤكد ناجي أنه في هذا المكان يحاول أن يصور التراث ويخرجه من الكتب، حيث يجد أن الناس تهتم كثيرا بمشاهدة هذه المقتنيات بدلا من الحديث عنها في الكتب. ويشير ناجي إلى أن متحفه في الظهران ليس سوى جزء صغير من متحف أكبر يحتفظ به في منزله في تركيا. وحين لا يجد ناجي مقتنيات تكمل حلقة التاريخ في متحفه فإنه يلجأ إلى ريشته حيث يصنف نفسه فنانا أكثر من كونه باحثا تاريخيا لتأتي لوحاته كصور التقطت قبل مئات السنين. يقول «كثير من الأحداث لا أجد مقتنيات تنتمي إلى فترتها التاريخية وما أفعله هو تصور تلك الأحداث على أرض الواقع وإعادة محاكاتها عبر الرسوم التشكيلية».

ولا يكتفي ناجي بمجرد عرض هذه الرسومات في متحفه حيث تزين جدران بيته بل دفعه اهتمامه بالتاريخ إلى تأليف اثنين وعشرين كتابا مصورا عن حياة العرب والمسلمين وتاريخهم. ويتحدث ناجي عن رحلته مع التأليف قائلا «لقد وجدت الناس في الغرب يجهلون تاريخ العرب وحضارتهم ولذا قمت بتأليف هذه الكتب باللغة الإنجليزية».

ويعتبر ناجي كتابه «أخبرني عن تاريخ المسلمين» أشهر تلك الكتب على الإطلاق حيث وزعت منه آلاف النسخ في بريطانيا وكندا والهند والدول الأوروبية. مبينا أن بداية تأليفه لهذه القصص المصورة من التاريخ الإسلامي لم يكن بدافع النشر والتوزيع ولكن بدافع تعليم أطفاله ودفعهم إلى القراءة حيث لا يجد مؤلفات تناسبهم باللغة الإنجليزية. مضيفا «وجدت هذه القصص اهتماما لدى دور النشر فطبعت أولها في الهند وفوجئت بهذا النجاح».. موضحا أن آخر مؤلفاته عرض في معرض الكتاب الدولي بالرياض.

وإلى جانب ريشته ورسوماته يعشق ناجي لقمان الخط العربي ويزين منزله بلوحات لأنواع مختلفة من الخطوط العربية. يقول ناجي «بدأت تعلم الخط عن طريق دروس أسبوعية في مكة حيث كان معلمنا المصري يكتب على السبورة آيات من القرآن بأسلوب بديع وكنا نحاكيها» مضيفا أن الدروس الأسبوعية تلك لم ترض نهمه ما دفع به إلى مواصلة احتراف هذا الفن في المغرب حيث يعتبر أن الخط الفارسي هو أجمل الخطوط على الإطلاق. واصفا أن علاقته باللغة العربية تكون أقوى حين يسطرها على لوحاته من علاقته بها حين يتحدثها ويرجع ناجي السبب في ذلك إلى أنه يجيد العربية الفصحى وما يتحدثه الناس في الشارع هو أمر يختلف عن ذلك كليا.

يتحدث ناجي بأسف عن عدم اهتمام العرب بهذه الحضارة التي تمثل همه اليومي. موضحا أن كثيرا من الذين يستقبلهم في متحفه يتحدثون عن القيمة المادية لهذه المقتنيات ولا يعرفون إلا القليل عن قيمتها التاريخية والحضارية، مبينا أن أسباب عدم الاكتراث بالتراث العربي هو الجهل به أو فساد الذائقة بسبب قلة الاتصال بهذه الحضارة في الحياة اليومية.