أوروبيون يدفعون المال لتعلم الحرف اليدوية في السعودية

«السياحة والآثار» دربت 974 مستفيدا على الحرف اليدوية والصناعات التقليدية

إحدى الحرفيات السعوديات اللاتي شاركن في معرض الأسر المنتجة المنعقد في جدة هذا الأسبوع («الشرق الأوسط»)
TT

دربت الهيئة العامة للسياحة والآثار، ممثلة في المشروع الوطني لتنمية الموارد البشرية السياحية، نحو 974 مستفيدا على الحرف اليدوية والصناعات التقليدية، منهم 429 حرفيا و545 حرفية، من خلال 62 برنامجا تدريبيا وتأهيليا، من بينهم 286 حرفيا وحرفية تم تدريبهم وتأهيلهم خلال الربع الثالث من العام الحالي 2009م من خلال 17 برنامجا تأهيليا.

ونفذت الهيئة أيضا 9 حاضنات أعمال مدتها ثلاثة أشهر، تهدف إلى انتقاء أفضل المشاركين والمشاركات في البرامج التأهيلية، لتعزيز عملية التدريب لديهم، وصقل مهاراتهم، وتمكينهم من إخراج المنتج بشكل احترافي يكون مقبولا من المستهلك.

وأكدت هيئة السياحة والآثار في بيان لها أنها تعمل على تقديم الدعم في مجال مكافحة الفقر ودعم الأسر المنتجة من خلال عدد من البرامج، من أبرزها مبادرة إعداد الاستراتيجية الوطنية للحرف والصناعات اليدوية، ومشروع «بارع» للعمل على تنظيم قطاع الحرف والصناعات اليدوية وتنميته، ليصبح رافدا من روافد الاقتصاد الوطني، ومبادرة التعاون مع منظمة اليونسكو في توفير مساهمة مالية لتنمية مهارة العاملين في الحرف والصناعات اليدوية بالمملكة، ومبادرة انضمام المملكة إلى عضوية الاتحاد العربي للصناعات التقليدية والحرف بتونس، ومبادرة إنشاء مقرات دائمة للحرفيين، بالإضافة إلى تنظيم وتشجيع مشاركة الحرفيين في المهرجانات والملتقيات. وتحركت الهيئة لتوفير التمويل اللازم لهذه البرامج، ووقعت عددا من الاتفاقيات في مجالات تمويل المشاريع الصغيرة وتدريب الحرفيين مع مجموعة من الجهات التمويلية والاجتماعية، منها بنك التسليف، لتقديم قروض لأصحاب المنازل التراثية الراغبين في ترميم منازلهم واستثمارها، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم الحاضنات السياحية والمشاريع الحرفية.

وفي سياق متصل، شددت الهيئة العامة للسياحة والآثار على أن مشروع تطوير القرى التراثية يعد من أهم مشاريع الهيئة لجهة احتضان الأسر المنتجة، حيث تعتمد معظم الأنشطة الاقتصادية التي ستدعمها تلك المشاريع على الأسر المنتجة من مواطني تلك القرى، لتوفير المنتجات والخدمات السياحية، إلى جانب جهودها لإيجاد فنادق تراثية وريفية تكون ملكيتها وإدارتها غالبا من خلال الأسر المحلية، وتدعم الفعاليات السياحية، التي يتم من خلالها تسويق المنتجات الحرفية وغيرها من إنتاج الأسر المنتجة.

وأكدت الهيئة أيضا دعمها لجهود تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، من خلال اتفاقيات التعاون الموقعة بين الهيئة والجهات الممولة، وإمكانية استفادة الأسر المنتجة من بعض هذه الاتفاقيات، خصوصا المشاريع ذات المردود الاقتصادي الواضح، وكذلك الترخيص للكثير من الأنشطة السياحية، مثل الفنادق، والوحدات السكنية المفروشة، ومنظمي الرحلات السياحية والإرشاد السياحي، وتحرص من خلال الضوابط لتلك الأنشطة على أن توفر تلك الأنشطة مجالات استثمار وعمل للمواطنين.

من ناحية أخرى، كشفت الآراء التي تم تداولها في مؤتمر عن الأسر المنتجة اختتم أعماله في مدينة جدة السعودية الأحد الماضي، بأن المشكلات الأسرية تقل في الأسر المنتجة مقارنة بالعائلات الأخرى. وأوضح الدكتور علي الحناكي مدير الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة لـ«الشرق الأوسط» أن الفراغ هو أساس المشكلات عامة وليست الأسرية فقط، مبينا أن المقصود بمفهوم الأسر المنتجة هو إيجاد مصادر دخل متنوعة لمن لا يستطيع العمل داخل أسرته.

ومن جانبهما اتهمت سيدتان سعوديتان شاركتا في معرض الأسر المنتجة جهات محلية بتهميش تراث الحرف اليدوية، مؤكدتان في الوقت ذاته على وجود اهتمام كبير من الغربيين بهذا التراث ودعمه، من خلال دفع مبالغ طائلة لشرائه وتعلم صناعته وعرضه في متاحف عالمية.

أم عبد العزيز، وهي مواطنة سعودية تعمل في التطريز اليدوي منذ 30 عاما، قالت إنها تلقت في مناسبات عدة طلبات من غربيين مهتمين بالتراث السعودي، مشيرة إلى أنهم اشتروا منها جهازا للنسيج اليدوي، وطلبوا منها تعليمهم كيفية التعامل معه، وأدق تفاصيل الصنعة، وصوروا كل ذلك تلفزيونيا.

الأمر نفسه أكدته أيضا المواطنة أم مبارك، مشيرة إلى أن مجموعة من الأوروبيين دفعوا لها نحو 2000 ريال فقط مقابل تعليمهم الصنعة وتصويرها تلفزيونيا، مشيرة إلي اهتمامهم الكبير بأدق تفاصيل صنعة التطريز اليدوي، وأكدت في الوقت ذاته أن الاهتمام الغربي بالتراث يفوق كثيرا الاهتمام المحلي به، وقيمة شرائهم للقطع توازي أضعاف ما يدفعه السعوديون الذين يكيلون للعاملين في هذه الحرف أنواعا من أساليب التحطيم النفسي.

أم عبد العزيز وأم مبارك، كانتا ضمن المشاركين في معرض الأسر المنتجة إلى جانب 50 أسرة اختيرت للمشاركة فيه من بين 300 أسرة تقدمت بطلبات للاشتراك، وفق ما كشفته المسؤولة عن المعرض.

فيما اتفقت أم عبد العزيز وأم مبارك، اللتان شاركتا في المعرض بركنين أحدهما للتطريز والآخر لصناعة السدو خلال حديثهما لـ«الشرق الأوسط» على أن تلك الحرف تعلمهما الصبر، الأمر الذي يدفعهما إلى ممارستها بمجرد تعرضهما لأي ضغط أو مشكلة عائلية.

وعلّت ليلى عابد عجيمي، الخبيرة الاجتماعية ومسؤولة التدريب والتأهيل المهني للمعاقات جسديا في مركز مهن على ذلك بقولها، إن الأسر العاملة والمنتجة أقل العوائل السعودية مشكلات وضغوطا نفسية، كون العمل اليدوي يسهم في تفريغ الشحنات الموجودة بداخل أفرادها.

من جهته، أوضح قصي فلالي، مدير عام مكتب العمل والعمال بمحافظة جدة، أن وزارة العمل تسعى لتحقيق أهداف هامة من ضمنها توفير فرص عمل للشباب والنساء.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن دعم وتطوير مفهوم الأسر المنتجة سيخلق فرص عمل كثيرة خاصة للمرأة باعتبارها تعاني من ضآلة تلك الفرص واستمراريتها في ظل النظرة الخاطئة لدى بعض فئات المجتمع تجاه عملها، لافتا إلى أن ذلك المجال يعد حلا يرضي الجميع ويحقق المزيد سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي.

وأضاف نأمل من خلال هذا المفهوم غرس ثقافة وسلوكيات العمل لدى أفراد الأسرة المنتجة بحيث تكون النتيجة تجربة ناجحة بمجرد خروجهم لسوق العمل، التي تزيد من إنتاجيتهم.

وبين أن جميع الجهات المشاركة تعمل على أداء دورها من حيث دعم الإنتاج وتمويله وتحسين نوعيته، الأمر الذي يجعل تقديم الخدمات التسويقية والمبيعات لمنتجات فائقة الجودة توازي المنتج الاقتصادي أمرا متوقعا، إضافة إلى إمكانية وصول تلك المنتجات للمنافسة على المستويات الدولية.

بينما ذكرت الدكتورة منار المنيف، رئيس قطاع الصحة وعلوم الحياة بالهيئة العامة للاستثمار أن عدد الممولين من قبل صندوق المئوية التابع للهيئة الآن يزيد على 300 ألف شاب وشابة، معظمهم توسعوا في أعمالهم، والبعض الآخر دخل من ضمن تصنيف كبار أصحاب وصاحبات الأعمال.