المغرب: استعمال اللغة العربية يتحول إلى مادة للتراشق السياسي بعد تراجعه لحساب الفرنسية

نقيب سابق للمحامين يطالب بمحاسبة وزير التعليم لتحدثه بلغة أجنبية في مؤتمر صحافي

TT

تحولت مسألة استعمال اللغة العربية في الدوائر الرسمية بالمغرب إلى مادة للتراشق السياسي، خاصة بعد أن طغى استعمال اللغة الفرنسية في معظم المرافق العمومية، على الرغم من أن حزب الاستقلال، الذي يقود الائتلاف الحكومي كان من أكثر المتشددين بشأن ضرورة استعمال اللغة العربية في الوثائق الرسمية.

وكان محمد بوستة، الأمين العام السابق للحزب، ووزير الخارجية الأسبق، أعلن في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، عندما كلف بتشكيل حكومة إنه «سيعرب الإدارة بالكامل» لكن تعقيدات سياسية أدت آنذاك إلى عدم تمكن بوستة من تشكيل الحكومة.

بيد أن مصدرا في مكتب عباس الفاسي، الوزير الأول المغربي (رئيس الوزراء) دحض ما يقوله معارضون من أن الحكومة متراخية في فرض استعمال اللغة العربية في الإدارات، وقال مصطفى حنين، مدير مكتب الفاسي إن رئيس الوزراء أرسل مرسوما وزاريا إلى جميع الوزراء والوزارات، يؤكد فيها أن لغة التواصل مع المواطنين ولغة كتابة الرسائل والوثائق مهما كان موضوعها هي اللغة العربية.

وذكر حنين في تصريح لـ «الشرق الأوسط» أن هذا القرار مطبق بحذافيره في الوزارة الأولى (رئاسة الحكومة)، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء المغربي لا يوقع على أية رسالة إلا إذا كتبت باللغة العربية، بالإضافة إلى أن جميع الوزارات تراسله باللغة العربية.

وزاد حنين قائلا «إلى جانب تأكيد أن العربية هي لغة التواصل والمراسلات، فإن الاجتماعات الرسمية التي يترأسها الوزير الأول تكون أيضا بالعربية، وجميع الوزارات خلال هذه الاجتماعات ملزمة بإعداد تقاريرها وعروضها باللغة العربية فقط».

وكان عباس الفاسي اقترح في وقت سابق تعريب جميع مراسلات الإدارة المغربية خاصة أن معظم مراسلات الوزارات ومواقعها الإلكترونية كانت باللغة الفرنسية، بيد أن هذا الأمر لا يعتد به كثيرا، وهناك بعض الوزارات التي يتولاها وزراء استقلاليون مثل وزارة النقل والتجهيز (الأشغال)، تستعمل الفرنسية في جميع مراسلاتها وبياناتها الصحافية، في حين تعتبر اللغة العربية في المغرب لغة ثانوية في القنوات التلفزيونية الرسمية التي تقدم معظم برامجها باللغة الفرنسية أو باللهجات المحلية، وتقدم عادة نشرات الأخبار الفرنسية في أوقات الذروة بينما النشرات الإخبارية والبرامج التي تقدم باللغة العربية تقدم في أوقات أخرى وتتم ترجمة الأفلام والبرامج أيضا إلى اللغة الفرنسية.

وسبق أن قدمت الحكومة التي تولاها عبد الرحمن اليوسفي عام 1998 قانونا يقول إنه «تماشيا مع بنود الدستور التي تنص على أن اللغة العربية لغة رسمية للدولة، فإن كل الإدارات والمؤسسات العامة والجماعات المحلية (البلديات) ملزمة باستعمال اللغة العربية في مراسلاتها، ونتيجة لذلك فإن جميع المراسلات المكتوبة بلغة أخرى ممنوعة منعا باتا».

بيد أن ذلك القانون لم يتم الاكتراث به، وبقيت الفرنسية هي اللغة المهيمنة في الحياة العامة بالمغرب، إلى حد أن اللوحات الإعلانية في الشوارع أصبحت هي الأخرى تغلب عليها الفرنسية.

ويقول موسى الشامي، رئيس «جمعية حماية اللغة العربية» إن اللغة العربية لا تحظى بالاهتمام في التعامل الإداري ولا في وسائل الإعلام وإن «اللوبي الفرانكفوني مهيمن في البلاد»، على حد اعتقاده. وأضاف الشامي أن الدولة مشغولة بمشاكل سياسية واجتماعية أكثر إلحاحا واللغة العربية هي آخر ما تفكر فيه. وزاد الشامي قائلا «نحن كجمعية كنا التقينا مع عباس الفاسي، الذي طالبنا ودعانا إلى مساعدته في تعريب الإدارة والحياة العامة والعمل جماعة على خلق وعي بضرورة الحفاظ على اللغة العربية والدفاع عنها».

ومن جهته، طالب عبد الرحمن بنعمر، وهو نقيب سابق للمحامين بمحاسبة أحمد اخشيشن، وزير التربية والتعليم على تنظيمه مؤتمرا صحافيا باللغة الفرنسية بالرباط، وعلى تصريحاته التي أدلى بها، ومساءلته مدنيا عليها، مضيفا أن قيام الوزارة بتنظيم مؤتمر صحافي باللغة الفرنسية فيه تجاوز للدوريات التي بادر رئيس الوزراء الأسبق عبد الرحمن اليوسفي بتعميمها على جميع الوزارات بشأن إلزام موظفيها ومسؤوليها باستعمال اللغة العربية، بالإضافة إلى مرسوم قام بتعميمه رئيس الوزراء الحالي، يحتم على جميع المؤسسات الرسمية استعمال اللغة العربية في الإدارة والحياة العامة. وقال بنعمر لـ «الشرق الأوسط» إن وزير التعليم مسؤول أدبيا وجنائيا ومدنيا لأن موظفي الحكومة ملزمون بعدم خرق القانون، وما قام به الوزير هو خرق للدستور وللمراسيم الحكومية، وخرق للأحكام والقضاء، وإهانة للمغاربة.

وأضاف «هؤلاء الناس تجاوزوا حدودهم»، على حد قوله، موضحا أن الشعب المغربي مطالب بالتنديد بمثل هذه التصرفات ورفض التعامل بأي لغة غير اللغة العربية.

وكان اخشيشن اعتبر أن اللغة العربية في المغرب لم تعد مشكلة مرتبطة بالهوية، وقال إنه لا فرق في الحديث باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية، مشيرا إلى أن جميع كوادر الوزارة لهم الحرية في اختيار اللغة التي يودون الحديث بها أثناء عملهم. لكن بنعمر الذي دعا إلى ضرورة استعمال اللغة العربية يستند إلى الأحكام القضائية التي صدرت حول الموضوع، خاصة الحكم الصادر عن محكمة بالرباط، التي حكمت بالتعويض المدني بعد استعمال وزارة الشبيبة والرياضة وثائق باللغة الفرنسية.

وأكد بنعمر أن الدولة يجب أن تساءل مدنيا حول مثل هذه التجاوزات، وعلى الانتهاكات التي ترتكبها المؤسسات الرسمية في حق اللغة العربية.

وفي السياق نفسه، قال الحبيب الشوباني، رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية المعارض لـ «الشرق الأوسط» إن مجلس النواب «تآمر على اللغة العربية حين تدخلت جهات للتأثير على كل الفئات التي تبنت مقترح تعريب الحياة العامة قبيل التصويت عليه السنة الماضية»، على حد اعتقاده، مشيرا إلى أن كل الأطراف تراجعوا عن التصويت بعد هذا التدخل، وتم سحب الاقتراح كليا. وأضاف أن «عشق الحكومات المتلاحقة للثقافة الفرنسية جعلها عاجزة عن بلورة سياسات داعمة لرد الاعتبار للغة العربية في الإدارة والحياة العامة»، على حد قوله. وأعرب الشوباني عن استغرابه لافتقار المغرب لأي قانون يحمى اللغة العربية، واصفا ذلك بـ«الوضع الشاذ» الذي يضر بالوحدة الوطنية. واعتبر أن اللغة العربية من ثوابت المغرب، وكل من تخلى عن ذلك يرتكب خطأ فادحا.

وفي معرض تعليقه على هيمنة اللغة الفرنسية، قال الشوباني «الوضع أصبح مشوها في غياب اللغة العربية التي لا وجود لها في العديد من الشوارع والإعلانات»، وطالب بتدارك الوضع وإصدار قوانين تعزز وتحمي اللغة العربية وترد لها اعتبارها كلغة رسمية للبلاد.