شيراك أول رئيس فرنسي سابق يُدعى للمثول أمام القضاء بتهمة اختلاس أموال عامة

ساركوزي يرفض التعليق عملا بمبدأ فصل السلطات

TT

امتنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن التعليق على قرار قاضية التحقيق كزافيير سيموني بإرسال رئيس الجمهورية السابق جاك شيراك إلى المحاكمة بتهمة اختلاس أموال عامة خلال شغله منصب رئيس بلدية باريس في الفترة الممتدة من عام 1977 إلى عام 1995 تاريخ انتخابه رئيسا للجمهورية.

وقال ساركوزي ردا على سؤال، في المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في بروكسل، على هامش القمة الأوروبية » هناك مبدأ فصل السلطات (المعمول به في فرنسا) وأنا رئيس للجمهورية وخليفة الرئيس شيراك وإذا كان هناك شخص لا يستطيع أن يعلق بتاتا، فهذا الشخص هو أنا.« وأضاف: «مهما تكن عواطفي تجاه شيراك، فأنا لا أستطيع التعليق بتاتا.« وفي حين رفض ساركوزي التعليق على قرار الإحالة، صرحت المرشحة الاشتراكية السابقة للرئاسة، سيغولين روايال، بأن شيراك «يستحق أن يعيش بهدوء».

وكان نبأ إرسال شيراك أمام المحكمة التأديبية انتشر صباحا وتصدر كل النشرات الإخبارية في فرنسا. والسبب أنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الفرنسية التي سيجد فيها رئيس للجمهورية نفسه أمام القضاء. وتفاوتت ردود الفعل بين مرحب (اليسار المعارض واليمين المتطرف)، وبين متألم وغير متفهم (اليمين التقليدي الحاكم). لكن الشعور بالانزعاج لا بل بالخجل، دمغ أكثر من ردة فعل بسبب تاريخ الرجل ومساره السياسي الطويل وانقضاء سنوات طويلة على الأفعال الجرمية التي يرسل شيراك من أجلها أمام القضاء.

في عام 1965، دخل الشاب جاك شيراك المعترك السياسي عن طريق الحزب الديغولي بعد أن اقترب في شبابه من الحزب الشيوعي لا بل اعترف أنه كان يبيع صحيفة الحزب (لومانيتيه) على مدخل معهد العلوم السياسية في باريس. وفشل في تحقيق هدفه في عام 1981 وفي عام 1988. غير أنه نجح في اقتحام قلعة الأليزيه في عام 1995 التي بقي فيها حتى عام 2007، تاريخ وصول خلفه الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي إلى رئاسة الجمهورية.

وخلال 18 عاما، كانت بلدية باريس التي تحظى بميزانية ضخمة تعد بالمليارات، البقرة الحلوب للزعيم الديغولي الذي غرف من معينها لتمويل حملاته الانتخابية واستخدم إدارتها لإسداء الخدمات لأصدقائه السياسيين. وكل متاعب شيراك مع القضاء عائدة لتلك الفترة. غير أن الرئيس السابق استفاد طيلة 12 عاما من الحصانة الدستورية التي وفرها له منصبه كرئيس للجمهورية. فخلال رئاسته، عجز قضاة التحقيق عن ولوج عتبة الأليزيه. لكن مع خروجه منه، عادت المساءلة القضائية بخصوص العديد من القضايا والفضائح التي ارتبطت بعهد شيراك. وقد دفع مساعدوه المقربون الفاتورة طيلة السنوات الأخيرة، ومنهم لا بل أشهرهم ألان جوبيه الذي حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ في تهمة شبيهة بالتهمة التي يلاحق شيراك بشأنها، وهي اختلاس أموال عامة عن طريق توظيف أشخاص في إطار بلدية باريس بينما هم في الواقع يعملون إما للحزب الديغولي أو يسدون خدماتهم لشخصيات قريبة من شيراك.

وهكذا يجد الرئيس السابق البالغ من العمر 76 عاما، نفسه في وضع لا يحسد عليه إذ إنه يواجه عقوبة يمكن أن تصل إلى السجن لسنوات وربما التجريد من حقوقه المدنية. وإذا لم تعمد النيابة العامة، خلال الأيام الأربعة القادمة إلى تقديم طلب استئناف قرار قاضية التحقيق كزافيير سيموني، فسيجد شيراك نفسه أمام المحكمة. ويستبعد المراقبون أن تلجأ النيابة العامة إلى الاعتراض، لان ذلك سيفسر على انه تدخل من السلطة التنفيذية أي وزارة العدل والرئاسة في الشؤون القضائية، وهو ما لا يرغب به ساركوزي بأي حال رغم أن النيابة العامة دعت، قبل صدور قرار قاضية التحقيق، بمنع المحاكمة عن شيراك. غير أن قرارها ليس ملزما لقاضية التحقيق.

ولن يمثل شيراك وحده بل بمعية الكثيرين، منهم مديران لمكتبه في بلدية باريس ومنهم حفيد الجنرال ديغول النائب السابق جان ديغول وشقيق جان لوي دوبريه، رئيس المجلس الدستوري وآخرين.

وأمس اصدر مكتب شيراك بيانا اعتبر فيه أن الرئيس «خاضع للعدالة ككل المواطنين . «غير أن البيان يدحض الاتهامات الواردة في قرار قاضية التحقيق ويؤكد أن شيراك سيبرئ ناصيته عند المحاكمة . ومن المرجح أن تطول القضية شهورا طويلة. غير أن الرجل الأكثر شعبية في فرنسا وفق آخر استطلاع للرأي، سيفقد في هذه الفضيحة الكثير من الألق الذي جمعه خلال ترؤسه فرنسا طيلة 12 عاما . شيراك عارض الحرب الأميركية على العراق وكان من أشد المدافعين عن استقلالية القرار الفرنسي ورفض عودة باريس التامة إلى الحلف الأطلسي وسار على خطى الجنرال ديغول في سياسته العربية وأبدى التقدير والاحترام للحضارات غير الغربية ودافع عن حوار الحضارات والأديان وأنشأ مؤسسة لذلك. غير أن هذا الرصيد سيفقد الكثير من قيمته مع جره أمام المحكمة ومع فتح الملفات التي كان يتمنى بكل تأكيد أن تبقى بعيدة عن الأضواء.