رحيل ابن ريس.. أحد مؤسسي الغرفة التجارية في الرياض

عمله المبكر في التجارة أيام المؤسس ساهم في إقرار نظام النقد في البلاد

خطاب يحمل أمر الملك عبد العزيز من مديرية مالية الرياض قبل 64 عاما بتصدير جنيهات للكويت مقابل بضائع للرياض وعلي بن عبد العزيز بن ريس
TT

ودّعت العاصمة السعودية أمس الأحد الشيخ علي بن عبد العزيز بن علي الريس عميد أسرة آل ريس في الرياض، الذي غيبه الموت أول من أمس عن عمر يناهز الـ90 عاما، وصلي عليه بعد صلاة الظهر أمس الأحد في جامع الملك خالد وووري الثرى في مقبرة أم الحمام في الرياض.

وعدّ الشيخ الريس أحد رجالات الرعيل الأول في السعودية الذين أسهموا في وضع بذور شجرة القطاع التجاري في البلاد، وبالتحديد في عاصمتها الرياض، حتى نمت هذه الشجرة وأثمرت عن بزوغ العهد المؤسسي للتجارة فيها، وسجل لابن ريس مساهمته في سن قوانين وأنظمه للكثير من التنظيمات المالية في الدولة الناشئة في عهد الملك المؤسس عبد العزيز.

وفي حياة الشيخ علي بن ريس محطات وتجارب ومواقف وقصص ودروس لافتة تحكي مسيرة أولئك الرجال الذين مهدوا الطريق ووضعوا اللبنات الأولى لإرساء تقاليد العمل التجاري في السعودية، ووضع تنظيمات خاصة لذلك استفادة من رحلة طويلة مع التجارة بين الأحساء والهند والبحرين والكويت والعراق وسائر منطقة نجد في مرحلة سابقة، أعقبها تجربة ثرية أخرى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتقاله إلى بغداد ومنها إلى فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، وبعد استقلال سورية ولبنان نقل نشاطه إليهما ليعمل بينهما وبين مصر وجدة.

مشوار الشيخ علي بن ريس مع التجارة وفي أجواء التوتر العالمي وظهور حركات الاستقلال والانتداب من الدول العظمى قبل عدة عقود في قصة أولئك الرجال الذين شقوا طريقهم وقاوموا كل عوامل الطبيعة وقسوتها دون استكانة أو ملل حتى وصلوا إلى قمة ما خططوا له، واضعين في اعتبارهم أن لا شيء يقف في طريقهم طالما توفرت لديهم العزيمة والإصرار والإيمان ومحبة الناس، وقبل كل شيء الوطن.

قبل 90 عاما دوت صرخة في منزل أسرة آل ريس معلنة قدوم «علي» الذي سيكون في يوم من الأيام عميد الأسرة وله حضور في بلاده كأحد رجال الأعمال الناجحين، ولعل مصادفة أن تكون ولادته في بستان الأسرة الذي يعد أول مزرعة نخيل تتخذ موقعا لها خارج سور الرياض، وتقع المزرعة جنوب «المقيبرة» المنطقة الشرقية وسط العاصمة السعودية وفي هذا دلالة على أن المولود الجديد سيخرج عن المألوف وسيصبح له شأو في حياته وفي مجتمعه ووسط أقاربه ومعارفه.

وعندما بلغ علي السادسة من عمره حمل لوحا خشبيا وتوجه إلى مدرسة أحمد بن سنان التي اتخذت من مسجد الجفرة في حي دخنة الشهير مقرا لها ليتعلم الصغار فيها مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والأصول الثلاثة، وخلال ثلاث سنوات أتم الصغير حفظ القرآن الكريم مع مجموعة من أقرانه وأقيم احتفال بمنزل الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أخت الملك المؤسس عبد العزيز، والتي طالما افتخر بها وردد اسمها عندما يهم بأمر صعب أو يركب الأخطار، ولا يثنيه عن تنفيذ مراده شيء، متسلحا بالإيمان والعزيمة والإصرار، مرددا: «وأنا أخو نورة».

أُركب الصغير علي بن ريس مع أقرانه الذين أتموا حفظ كتاب الله الخيول في موكب مهيب وأمام نظرات السكان الذين كانوا فرحين بهذه المناسبة أشد فرح، متجهين إلى الملك المؤسس للسلام عليه والحصول منه على تهنئتهم بختم وحفظ الله كتاب الله، وكانت تلك هي أكبر شهادة يحصل عليها الدارس، وتعد هذه من الذكريات التي احتفظت بها ذاكرة الراحل.

بعد انتهاء الصغير من الدراسة رفض أن يتولى عملا تقليديا، لقد كانت التجارة هاجسه منذ صغره، وقتها طلب من والده أن يسمح له بالذهاب إلى الأحساء لغرض التجارة، حيث كانت المنطقة ذات جذب، بل إنها منطقة عبور البضائع وتجمع للتجار وإحدى الأسواق الكبيرة في الجزيرة العربية، لكن والده رفض طلبه، وعندما استفسر الابن عن سر هذا الرفض جاءت الإجابة من الوالد: لا يوجد سبب لذلك. عدم توفر المال هو السبب الوحيد، حيث كانت مقاييس الغنى في ذلك الوقت مختلفة ونسبية، إلا أن الفلاح يظل بما يملكه من مزرعة هو الغني وكذا أصاحب الماشية، وكانت المقايضة هي لغة التعامل الأولى بين الناس في ذلك الوقت.

شعر الوالد بأن استمرار النقاش مع ابنه في مسألة ذهابه إلى الأحساء سيكون من صالح الابن لأنه يملك المبررات، وأمام ذلك لم يجد الوالد من وسيلة لإثناء ابنه عن الذهاب إلى الأحساء سوى الاستعانة بأخيه الأكبر عبد الله (عم علي) الذي رفض هو الآخر فكرة ذهاب ابن أخيه إلى الأحساء، ولما وجد (علي) أن الأبواب أمامه موصدة لتحقيق فكرة هجرته للأحساء فكر بحيلة للخلاص من هذا الواقع، ومن هنا انطلقت البدايات الحقيقية للراحل مع التجارة ومعها أصبح أحد رموزها ابتداء من نشاطه بالتجارة قبل 70 عاما، متنقلا ما بين الأحساء والهند والبحرين والكويت والعراق ونجد، كما تعلم عام 1956 أصول الاستيراد والتصدير مع أوروبا وسائر بلاد الفرنجة، كما يطلق عليها في ذلك الوقت، حتى عرف دروبها ليعود محملا بخبرة في أمور التجارة وحاملا حنينه إلى مسقط رأسه الرياض، ويشارك مع زملائه التجار في إرساء تقاليد العمل التجاري ومحاولة تحديث وتطوير أصوله ومؤسساته، حيث شارك الراحل الرعيل الأول في مقدمة منتسبي الغرفة التجارية بالعاصمة السعودية والمشاركين في تأسيسها وتذليل العقبات أمام ولادتها، حيث التحق بمجلس إدارتها مع بدء دورة العمل الثانية ضمن نخبة من زملائه، وبقي بعد ذلك لأربع دورات متتالية في مجلس الغرفة التي شهدت واحدة من أخصب فترات العمل التجاري وبداية بزوغ العهد المؤسسي للتجارة في السعودية، وبالتحديد في عاصمتها الرياض، كما شارك في تمثيل قطاعات الأعمال في عدة مناسبات داخلية وخارجية.

ولعل أبرز المحطات مسيرة الإسهام التي بقيت في الذاكرة، وهي قيام الراحل علي بن ريس بشراء قطعة أرض الغرفة التجارية الصناعية بالرياض الحالية، وكانت عبارة عن قطعتين يفصلهما شارع من الشمال إلى الجنوب، فطلب الراحل من الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وعاشق المدينة التوسط لدى الجهات المختصة إلغاء الشارع ومنحه للغرفة، فتم ذلك وأصبحت الأرض قطعة واحدة أقيم عليها مبنى الغرفة الذي يعد أحد المعالم في العاصمة.