آلاف الباريسيين أمضوا عطلة الأسبوع يتنزهون في مقبرة

«بير لاشيز» تجمع رفات أشهر فناني.. فرنسا وزيارتها متعة سياحية

TT

يخرج البشر للنزهة في الحدائق العامة والغابات وعلى ضفاف الأنهار وأعالي الجبال، لكن آلاف الفرنسيين وزوار عاصمتهم اختاروا، أمس، مقبرة شهيرة في باريس لتمضية النهار فيها والتفرج على قبورها، مقابل رسم دخول قدره 8 يورو. إنه المكان الذي يأتيه أكثر من مليوني زائر كل عام.

إنه عيد القديسين الذي يترافق مع عطلة عيد الموتى ويأخذ التلاميذ فيه عطلة قصيرة. وتحتل مقبرة «بير لاشيز» التي تمتد على آلاف الدونمات شمال باريس، موقعا مميزا، لا للفرنسيين فحسب، بل للسياح الذين يزورونها لرؤية أضرحة العشرات من مشاهير الفنانين والأُدباء ورجالات السياسة الذين يرقدون تحت رخام قبورها. وعادة ما يجد الزوار في استقبالهم رجلا لطيفا يدعى تييري لوروا، وهو دليل متخصص في تاريخ الموقع ويسهر على «إحياء» المقبرة منذ أكثر من 15 عاما.

يأخذ لوروا الزوار في جولة تزيد مدتها على الساعتين، تمر بقبور أشهر النزلاء في «بير لاشيز». ولو حاول السائح أن يتملص من دفع رسم الزيارة والتجول لوحده بين ممرات المقبرة المشيدة على هضبة مزروعة بـ 5300 شجرة، لتاه بين آلاف الشواهد وضاع عليه النهار بدون أن يعثر على ما يريد رؤيته، حتى ولو استعان بالخريطة التي تشير إلى الاتجاهات والمعالم. إنها أكبر مقابر باريس وأول مدفن «علماني» في العاصمة.

وبفضل خبرته الطويلة، تمكن لوروا من تحويل زيارة الأموات إلى استعراض ثقافي وسياحي راق، تتجاور فيه المعلومة الموثقة مع الأسرار المكتومة والقراءات الشعرية أو المقاطع الغنائية. وتتجاوب مجاميع الزوار مع الدليل، متنقلة من ضريح إلى قبر ومن رخامة إلى أُخرى، وكأنهم يتابعون مسرحية تتعاقب فيها الفصول المحزنة والمسلية ويتصاعد فيها إيقاع السرد والإخراج.

هنا، في هذه المقبرة المسكونة الشعر والرومانسية، التي جرى تدشينها عام 1804 تحت اسم «المقبرة الشرقية»، يرقد نحو مليون من الموتى، بينهم أديب فرنسا الكبير موليير ورفيقاه بلزاك ولافونتين والموسيقار شوبان وطائفة من الفنانين المعاصرين أمثال إديت بياف وإيف مونتان وزوجته سيمون سينيوريه وجلبير بيكو وهنري سلفادور ومارسيل مارسو وجيم موريسون. وفيها أيضا دفن رئيس الجمهورية الأسبق فيليكس فور. وبمناسبة جمعة الموتى، حمل الزوار الآلاف من أواني ورد الجوري لوضعها على قبور من يحبون فتحول المكان إلى حديقة من الألوان والعطور. ويبقى القبر الأكثر أزهارا هو قبر الأب لاشيز، الراهب الذي منح المكان اسمه.