الفورمولا1 في أبوظبي.. سنة أولى نجاح

الفرق تتسابق بين الرمال واليخوت الفاخرة

TT

كيف يمكن أن يكون وقع سباق الفورمولا1 وطرقات الحلبة تمتد ما بين الرمال لجزيرة ياس، في الوقت الذي تمر فيه سيارات السباق نفسها على أفخم اليخوت في العالم ترسو على جانب من حلبة السباق؟ هل تخيلت أن تتابع جولة من جولات السباق، وأنت متكئ على سطح يختك، أو من شرفة الفندق الذي تقيم به؟ هذا ما استمتع به عشرات الألوف من جمهور سباقات الفورمولا1 في العاصمة الإماراتية مساء أمس، في النسخة الأولى التي تستضيفها أبوظبي.

وطار المتسابق الألماني سائق فريق ريد بُل، سبستيان فتيل، بجائزة آخر جولات بطولة الفورمولا1 لهذا العام. وعلى الرغم من أن البطولة كانت محسومة سلفا للمتسابق الإنجليزي سائق فريق براو نجي بيجيسون باتون، فإن أبوظبي تمكنت من وضع بصمتها الخاصة على هذه الجولة، مما يمكن معه القول إنها تخطت سنة أولى نجاح.

وإذا ما كانت حلبة مرسى ياس هي الأحدث في العالم، وإمكانياتها هي الأعلى بين نظيراتها التي تستضيف جولات البطولة العالمية الأشهر، بل إنها، وفق المتابعين، الأجمل فعلا لا قولا، فإن أكثر ما يفاخر به الظبيانيون، هو ما يسمونه المعجزة، بعد أن بنوا الحلبة في زمن قياسي، لا يتجاوز الثلاث سنوات فقط، أما كيف ومتى.. فالقصة يرويها بيرني أكسلتون مالك الحقوق التجارية لبطولة العالم لسباقات الفورمولا1.

يقول أكسلتون، في تصريحات للصحافيين، إن عشاء جمعه مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي في أبريل (نيسان) 2006، وفي ذلك الوقت لم تتم مناقشة الموضوع إطلاقا، وخلال العشاء طرحت الفكرة بإقامة جولة من جولات السباق في أبوظبي، ويصف أكسلتون ما قام به الإماراتيون بإنشاء حلبة ياس في فترة قياسية بـ«السحر.. لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يتفوق على هذا».

ولعل ما أضاف سحرا وجمالا على جائزة طيران الاتحاد للفورمولا1 في أبوظبي، أنها المرة الأولى التي تبدأ في النهار، وتختتم في الليل، حيث يدور السائقون على الحلبة بين النهار والليل، ويتوج الفائز بعيد الغروب بقليل، وما يلفت في استضافة أبوظبي لإحدى جولات الفورمولا1، أنها ربما تكون على حساب سباق جائزة بريطانيا الكبرى، الذي بات مهددا بالإلغاء، نظرا لمشكلات مادية تتعرض لها حلبة دونينغتون.

أبوظبي لم تنس أن تضع لمسات تراثية على الحلبة، وبالإضافة إلى التصميم المستوحى من التراث الإماراتي، حرصت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على أن تضع لها جناحا كبيرا، أعادت عبره الزوار الأجانب إلى تاريخ أبوظبي القديم، سواء من حيث الجلسة الأرضية، أو تقديم المشروبات والمأكولات التراثية، أو حتى الديكور الذي صمم به الموقع، فتمازج القديم والجديد، وكلٌ يجد ما يناسبه.

جولة أبوظبي هي الجولة السابعة عشرة والأخيرة من السباق لهذا الموسم على حلبة مرسى ياس، التي يمتد طولها على مسافة 5.55 كيلومتر، ويتضمن 21 منعطفا يقطعها السائق في 55 لفة، ويستغرق زمن اللفة 1.40 دقيقة لتبلغ مسافة السباق 305.470 كيلو متر.

حلبة ياس أذهلت جمهور الفورمولا1 في نسختها الأولى، فالتصميم البديع الذي قام به المصمم الألماني الشهير هرمان تيلكه، باعتبارها النسخة العربية من حلبة موناكو الشهيرة، يجعلها أقرب إلى الخيال من الحقيقة، فيما يمكن لجمهور يصل إلى خمسين ألف متفرج مشاهدة فعاليات السباق، وتجسد حلبة مرسى ياس مزيجا متكاملا من الفخامة والمرافق العملية، وبالإمكان تقسيمها إلى مسارين مختلفين يبلغ طول أحدهما 3.1 كلم والآخر 2.4 كلم يمكن استخدامهما منفصلين لفعاليات رياضية مختلفة. وباستطاعة آلاف المشاهدين متابعة مجريات السباق على الحلبة من مقاعدهم المريحة في المدرجات المغطاة أو مرافق كبار الشخصيات، علما بأن مدرجات الحلبة مغطاة كليا وهي ميزة جديدة لم يشهدها عالم الفئة الأولى سابقا.

ومع أن الإيجابيات التي حملها السباق الأول في أبوظبي كانت كثيرة، لكن لا يمنع من بعض من السلبيات التي ظهرت على جولة أبوظبي، حيث لوحظ أن مدرجات الحلبة، التي نفدت تذاكرها مبكرا، امتلأت بالمتفرجين عن بكرة أبيهم، لكن نسبة المواطنين الإماراتيين من الحضور كانت ضئيلة جدا، وهو ما يقلق المنظمين الذين بالتأكيد يرغبون في تأصيل هذه الرياضة بين أبناء الشعب الإماراتي، وأن لا تكون محطة يهتم بها جميع الجنسيات، إلا أبناء البلد ذاتهم.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلا يمكن لزوار حلبة مرسى ياس الخروج من أرض الحلبة، دون أن تبقى في ذاكرتهم تلك الخدمات التي يقدمها فريق من المتطوعين الإماراتيين بلغ عددهم 800 متطوع ومتطوعة، انتشروا في أنحاء الحلبة، وكذلك في باقي الأماكن الرئيسية في العاصمة الإماراتية، قدموا خدماتهم للجميع بابتسامة لا تفارق محياهم أبدا.

المتطوعون الثمانمائة تابعون لبرنامج للتطوع الاجتماعي، عملوا يداً بيد مع حلبة مرسى ياس من أجل تنظيم عملية الاختيار والتدريب وإدارة أكبر عدد من المتطوعين الإماراتيين شهدته العاصمة أبوظبي.

ويقول ريتشارد كريغان، الرئيس التنفيذي لحلبة مرسى ياس «من اللافت أن نرى الدافع القوي والتجاوب الإيجابي الذي أعرب عنه الإماراتيون ليعكسوا صورة وطنهم. فإن تطوعهم سيلعب دورا مهما في إبراز معالم الإمارات خلال هذا الحدث التاريخي. لقد رأيت عزما واندفاعا كبيرا من هؤلاء المتطوعين الشغوفين، ولذلك نتوجه إليهم بجزيل الشكر». من جهتها، قالت بركة بن إسحاق، متطوعة لسباق جائزة أبوظبي الكبرى والبالغة من العمر 27 عاما «لا أستطيع أن أعبر عن مدى فخري لمجرد إخباري الآخرين أنني واحدة من بين الآلاف المشاركين في تمثيل وطني خلال هذا الحدث. إنها فرصة العمر، تجربة لا توصف للعديد من الإماراتيين. كلنا جاهزون ومستعدون بدافع قوي وبكل جهودنا ومهاراتنا».

وقد تمّ توزيع الأدوار على المتطوعين في حلبة مرسى ياس وفي مواقع أخرى عبر المدينة. المتطوعون عديدون ووظائفهم متنوعة، فهم كلهم يستقبلون الجميع برحابة صدر وابتسامة عريضة، سواء كانوا قادمين من المطار أو في خدمة العملاء أو في مكاتب معلومات الفنادق. كما أنهم يقدمون إرشاد النقل الجماهيري، الإرشاد في المدرجات، الاتصال والإعلام، والترحيب بكبار الشخصيات.

وعلى منظر الغروب الجميل، اختتمت بطولات الفورمولا1 موسمها لعام 2009 من العاصمة الإماراتية أبوظبي. الأماراتيون عاشوا قلقا طويلا وهم يترقبون الانتهاء من إقامة جميع منشآت حلبة مرسى ياس وفقا للموعد المحدد سلفا، وهو ما حدث فعلا، واستمر القلق مرة أخرى وهم بانتظار كيف سيكون وقع استضافتهم للمرة الأولى لبطولة من هذا النوع، وتمكنوا أيضا من النجاح في سنتهم الأولى فورمولا1، لكنّ الإماراتيين، وتحت أنظار العالم، يعلمون أن هذه ما هي إلا البداية فقط، فالعالم بانتظارهم العام المقبل، وبانتظار نجاح جديد يسجل لهم ويوثق تمكنهم من حصد درجة النجاح الكاملة.