واقع أليم يواجهه برنامج تأجير دراجات في باريس

بعضها علق على أعمدة الإنارة ومنها ما وجد طريقه إلى شمال أفريقيا

بلغت معدلات الدراجات المسروقة والتالفة 80 في المائة من بين 20.600 دراجة جاءت في الدفعة الأولى من هذا البرنامج («نيويورك تايمز»)
TT

كانت الأبراج، التي صممها المعماري الشهير لو كوربوزييه، ذات الشكل الصليبي واللون الأبيض في يوم من الأيام من المناظر المثيرة داخل «مدينة المستقبل» التي تعود للحقبة الصناعية. ولكن يضفي برنامج «فالي»، وهو برنامج لإيجار الدراجات في باريس، طابعا حضريا جديدا على المدينة يناسب عصر التغير المناخي.

ويمكن للسكان المقيمين داخل هذه المدينة استئجار درجات قوية من مئات من المحطات العامة ليذهبوا بها إلى الأماكن التي يريدون، ويقدم ذلك بديلا صحيا وغير مكلف، وتنتج عنه انبعاثات كربونية أقل، عن ركوب السيارات أو الحافلات.

ولكن، واجهت هذه الخطوة الفرنسية المثالية واقعا أليما، حيث تظهر الكثير من الدرجات التي لها تصميم خام والتي تكلف 3500 دولار لكل منها، في الأسواق السوداء داخل أوروبا الشرقية وفي شمال أفريقيا. وتأخذ دراجات كثيرة للقيام بجولات مرحة في المناطق الحضرية، وبعد ذلك تترك في جانب الطريق وقد انحنت عجلاتها ونزعت إطاراتها.

وقد بلغت معدلات الدراجات المسروقة والتالفة 80 في المائة من بين 20.600 دراجة جاءت في الدفعة الأولى من هذا البرنامج، ولذا اضطر القائمون على البرنامج إلى استعمال المئات من الأشخاص لإصلاح الدراجات التي أصابتها أعطاب.

وفي مقال افتتاحي في فصل الصيف، أعربت «لو موند» عن أسفها وقالت: «أصبح رمز صداقة البيئة مصدرا لارتكاب الجرائم، وبعد أن كان برنامج فالي يهدف إلى إضفاء سمة حضارية على التنقل داخل المدينة، أصبح سببا في الكثير من الأشياء غير المتحضرة».

وينظر إلى دراجات «فالي» الثقيلة على أنها من أدوات «البوبوز»، وهي الفئة المتوسطة المتأثرة بالاتجاهات الحديثة، وهي تثير الاستياء والرغبة فيما عند الآخرين. ودائما ما تتعرض للتخريب المتعمد على يد شباب غاضب فوضوي داخل مدينة باريس المقسمة اجتماعيا، وذلك حسب ما تقوله الشرطة وأخصائيون اجتماعيون.

ويقول برونو مارزلوف، وهو عالم اجتماع متخصص في النقل: «يجب على المرء أن يربط بين ذلك وبين الأعمال العنيفة، ولا سيما حرق السيارات»، وذلك في إشارة إلى الشباب المهاجرين الذين قاموا بحرق السيارات خلال أعمال الشغب في الضواحي عام 2005. ويقول إنه يؤمن بأن هناك ثورة اجتماعية تقف وراء أعمال التخريب المتعمد لدراجات «فالي»، ولا سيما من جانب المقيمين في الضواحي، حيث إن الكثيرين منهم مهاجرون فقراء.

ويقول مارزلوف: «إنها صرخة، نوع من التمرد، ولهذا العنف مبرر، فهناك عنصر الإهمال الذي يهدف توصيل رسالة مفادها ليس لنا الحق في التحرك مثل المواطنين الآخرين، ويمثل الذهاب إلى باريس ألما كبيرا، وليس لدينا سيارات وعندما تكون لدينا، تكون مرتفعة الثمن بصورة كبيرة للغاية وبعيدة».

ويعد برنامج «فالي»، الذي يستخدم بالأساس للتنقل في المنطقة الحضرية داخل المدينة، نجاحا رائعا. فباستخدام كارت ائتمان في المحطات الإلكترونية، يقوم الراكب بدفع يورو لكل يوم أو 29 يورو (نحو 43 دولارا) مقابل الحصول على تصريح لمدة عام يكفل له استخدام الدراجات دون قيود لفترات تبلغ 30 دقيقة، ويمكن مد هذه الفترة مقابل دفع رسم قليل. ويبلغ متوسط الاستخدام اليومي 50.000 إلى 150.000 رحلة باستخدام هذه الدراجات، وذلك حسب الموسم، وقد أصبحت الدراجات هدفا للسائحين الذين يساعدون على دفع الاقتصاد.

ولكن يعني الهيكل الأكثر صلابة والصالات الإلكترونية أن الدرجات، المصنوعة في المجر، مرتفعة الثمن وليس لدى الجميع روح الملكية العامة المشتركة التي يروج لها عمدة باريس الاشتراكي برتران دولانويه. ويقول ألبرت أسراف، مدير قسم التسويق والأبحاث والاستراتيجيات في شركة «جاي سي دوكو» للإعلانات في الشوارع ومن الممولين البارزين للمشروع: «لقد أسأنا تقدير معدل التلف والسرقة، ولكن لم تكن أمامنا تجربة مماثلة سابقة نعتمد عليها في أي مكان من العالم».

وقد سرقت 8000 دراجة على الأقل وتعرضت 8000 أخرى للتلف ويجب استبدالها، ويمثل ذلك 80 في المائة من المجموعة الأولية، حسب ما يقوله أسراف. ويجب على شركة الإعلانات أن تصلح نحو 1500 دراجة في اليوم، ولدى الشركة 10 أماكن لإصلاح الدراجات وورشة على مركب تجوب في نهر السين ذهابا وإيابا.

وقامت الشركة بتعزيز سلاسل الدراجات والسلال الموجودة فيها وأضافت حماية أفضل من السرقة وعززت من النظم التي تربطها بأماكن انتظار الدراجات الإلكترونية، حيث إنه يسهل سرقة الدراجة غير مكتملة التأمين. ولكن ما زالت أعمال السرقة والتلف المتعمد مستمرة. ويقول أسراف: «جعلنا الدراجات أكثر قوة وقمنا بحملة إعلانية ضد التلف المتعمد وحاولنا توعية الناس على نحو أفضل عبر الشبكة الإلكترونية، فالحل العملي هو الاحترام الفردي وحده».

وفي عام 2008، ارتفعت عدد المخالفات المرتبطة بالتلف المتعمد لبرنامج «فالي» إلى 54 في المائة، حسب ما أفادت به شرطة باريس.

وتقول ماري لويس، وهي متحدثة باسم الشرطة: «عثرنا على الكثير من الدرجات المسروقة التي تتبع برنامج فالي في المناطق التي تعاني من مشاكل داخل باريس. وهذا ليس عملا يهدف تحقيق ربحية، ولكنهم أطفال صغار، وخاصة من الضواحي، ينظرون إلى فالي على أنها وسيلة ليس لها قيمة».

وفي بعض الأحيان تكون الدراجات أيضا ضحية للمتعة الفوضوية للمراهقين، وعبّر عن هذه الاتجاهات «فري رايدرز» ومنتدى دراجات، حيث يسأل استطلاع رأي هواة الدراجات ما إذا كان يمكن عمل حركات بهلوانية باستخدام الدراجات التابعة لبرنامج «فالي» وهل يمكنها النزول على السلم وإصدار صوت عالي مع فرملتها وترك آثار على الأرض. ومن الشائع رؤية الدراجات في أماكن الانتظار بباريس وإطاراتها فارغة أو عجلاتها تالفة أو سلالها ضائعة. وعثر على بعض دراجات «فالي» معلقة على أعمدة الإنارة في الشوارع أو ملقاة داخل نهر السين أو في شوارع بوخارست أو داخل حاويات شحن في طريقها إلى شمال أفريقيا. تم الاستيلاء دراجات وأعيد طلاء البعض منها.

والعثور على واحدة جيدة في الوقت الحالي أصبح صيدا ثمينا في المناطق الحضرية. وتقول غارالدين برناند، 31 عاما، التي تركب دراجات «فالي» وهي ذاهبة إلى العمل كل يوم إنها تجد صعوبات أخيرا في الحصول على دراجة تعمل. وتضيف: «كانت مبادرة ذكية جدا لتحسين حياة المواطنين، ولكنها لم تحقق نجاحا كاملا». وتقول: «بالنسبة لشخص مثلي يعتمد عليها بصورة دائمة، يتسبب ذلك في الكثير من مشاعر الإحباط، كما أنه انعكاس لأعمال العنف داخل مجتمعنا وحالة الغضب، حيث إ دراجات فالي تعود بالنفع على العامة، ولكن لا يوجد شعور حضاري تجاهها».

ولكن، مع وجود أكثر من 63 مليون عقد إيجار منذ بدء البرنامج في عام 2007، نجد أن «فالي» أصبحت جزءا من الحياة في باريس،وقد تم توسيع البرنامج لتوفير 4000 دراجة في 29 مدينة صغيرة على أطراف باريس.

وعلى الرغم من التكاليف المرتفعة، نجد أن باريس وشركة «جاي سي ديكو» تضغطان بصورة مستمرة، وقامت الشركة باستثمار نحو 140 مليون دولار لبناء البرنامج وتوفير رسوم سنوية تبلغ 5.5 مليون دولار لمدينة باريس، التي تحصل أيضا على رسوم إيجار للدراجات. في المقابل، يسمح عقد الشركة الذي يمتد على 10 أعوام لها لوضع 1628 لوحة إعلانات يمكن تأجيرها.

وعلى الرغم من أن «جاي سي دوكو» لم تناقش بيانات مالية، فقد تم تأجيل التاريخ المتوقع لتحقيق الربحية. ولكن وافقت مدينة باريس على دفع 600 دولار إلى شركة «جاي سي ديكو» مقابل كل دراجة سرقت أو تلفت بصورة يتعذر إصلاحها إذا تجاوز العدد نسبة 4 في المائة من الأسطول، وهو ما حدث بالفعل.

في محاولة لم تكلل بالنجاح لوقف الإتلاف المتعمد، بدأت باريس حملة إعلانات خلال الصيف الحالي، وعلقت ملصقات تظهر دراجة كرتونية تابعة لبرنامج «فالي» تستولي عليها عصابة. وكان التعليق يقول «من السهل التعامل بقسوة مع فالي، فهو لا يمكنه الدفاع عن نفسه. فالي ينتمي إليك، ولذا عليك حمايته».

* خدمة «نيويورك تايمز»