«حرب منازل» في القدس العربية لفرض الأغلبية اليهودية

أم أيمن: أعيش مع 52 آخرين على الرصيف منذ 3 أشهر تحت «المزراب»

TT

تعيش أم أيمن غاوي على أحد أرصفة حي الشيخ جراح في القدس العربية، منذ بداية أغسطس (آب) الماضي، وصار عليها الآن مع 52 من أفراد عائلتها وعائلتي حنون، والكرد، أن يتأقلموا مع البرد القارس الذي بدأ مع بداية فصل الشتاء. وهؤلاء جميعا فقدوا منازلهم بعدما شنت إسرائيل حربا على المنازل العربية في القدس المحتلة.

وسيطرت الشرطة على منازل عائلتي حنون الغاوي، في حي الشيخ جراح، ضمن مخطط للسيطرة على 28 منزلا آخر في الحي نفسه، بهدف إقامة بؤرة استيطانية جديدة. وأمس استولى عشرات المستوطنين على جزء من منزل رفقة الكرد، أم نبيل، في الحي نفسه. وتدعي جمعيات يهودية متطرفة أنها تملك هذه المنازل.

وكانت المحكمة الإسرائيلية قبل 9 أعوام، قد قررت إغلاق منزل الكرد بدعوى أنه شيد من دون ترخيص. وهدمت السلطات الإسرائيلية قبل يومين، منزلين آخرين، لعائلتي القواسمي والشوبكي، في حي الثوري وسلوان، ويقول المقدسيون إن معركة دينية وديمغرافية وقومية تشتد في المدينة المقدسة يوما بعد يوم. وقالت أم أيمن لـ«الشرق الأوسط»: «أنا وأولادي و52 نفرا آخرين، عايشين على الرصيف منذ 2 أغسطس (آب) الماضي. ومر (شهر) رمضان و(افتتاح) المدارس والعيد (الفطر)، و(وصل) الشتا واحنا على الرصيف». ومن بين الذين يعيشون على الرصيف طلاب مدارس وأطفال بعمر الزهور إضافة إلى مسنين. وأضافت أم أيمن: «سارة صار عمرها سنتين وهي على الرصيف». وصعبت الأمطار الغزيرة التي هطلت خلال اليومين الماضيين، من حياة هؤلاء، خاصة بعدما هدمت الشرطة الإسرائيلية، 3 مرات الخيمة التي كانوا يعيشون فيها، وأضافت أم أيمن: «هينا تحت المزراب، وأقسم لك ما في حرام (بطانية) نقعد عليه، وأنت حر إذا بدّك تصدق ولا لأ».

وتابعت: «ما في يحمينا إلا شادر.. طيب وين المسؤولين؟.. ناشدنا وصرخنا كثيرا، وما زالوا يقدمون لنا وعودا، قبل نص ساعة كان عنّا مسؤول القدس، (المحافظ) بس يا ابني اللي تحت العصي مش زي اللي بعدها.. أنا بتمنى ييجو المسؤولين يقعدو يومين على الرصيف عشان يشوفوا المعاناة».

وتراقب أم أيمن من مكانها ما يدور في منزل أم نبيل الكرد، التي رفضت أن تغادره. وقالت: «الشرطة أغلقت المكان والمستوطنون جوا البيت.. والله إلنا ثلاجة عند أم نبيل، لكن مش قادرة أصل البيت، علشان أجيب منها أكل أطعم أولادي بعدما يرجعوا من المدارس».

وأصبح حي الشيخ جراح عنوان تحد إسرائيلي للإدارة الأميركية، إذ رفضت حكومة بنيامين نتنياهو، طلبات سابقة من واشنطن بوقف مصادرة المنازل في هذا الحي. ورد نتنياهو آنذاك قائلا إن «القدس الموحدة هي عاصمة الشعب اليهودي وعاصمة إسرائيل، وإنه لا يوجد أي نقاش أو جدال في سيادة إسرائيل عليها». وتساءل نتنياهو ساخرا من طلب واشنطن: «ماذا سيحدث لو منع اليهود من أن يسكنوا في حي محدد في لندن أو روما أو نيويورك». وتبرز أهمية هذا الجزء من حي الشيخ جراح من أنه يمكن الإسرائيليين من ربط عدة بؤر استيطانية ببعضها بعضا، فتتحول إلى مستوطنة كبيرة، تتواصل مع القدس الغربية.

وقال هايل صندوقة، الباحث والخبير في شؤون الاستيطان في القدس: «يخطط الإسرائيليون لبناء بؤرة في المكان، يصلونها مع حفرة النقاع وفندق شبرد وكرم المفتي، ومن ثم ربط كل هذا مع غربي القدس». ويعيش في القدس الشرقية الآن نحو ربع مليون فلسطيني و190 ألف يهودي، ويريد الإسرائيليون قلب المعادلة، وتحقيق أغلبية يهودية في شرقي القدس. وعلى مدى أكثر من 40 عاما منذ احتلال القدس الشرقية، بنى الإسرائيليون نحو 15 مستوطنة حول القدس، وحيا يهوديا كبيرا في البلدة القديمة إضافة لـ64 بؤرة استيطانية، ويخططون الآن لبناء مزيد من المستوطنات والبؤر.

ولا يسيطر العرب إلا على 14%، من أصل 70 ألف كيلو متر مربع، هي مساحة القدس الشرقية، أما مساحة القدس كاملة فهي 123 ألف كيلو متر مربع. وقال صندوقة: «إذا ما نفذت إسرائيل مخططاتها، فسنصل إلى أحياء عربية مفصولة، وأغلبية يهودية».

ومن بين الخطط الإسرائيلية، إفراغ البلدة القديمة في القدس من أكبر عدد ممكن من سكانها، وإبقاء 5 آلاف فلسطيني من أصل 35 يعشون هناك، وهذا مخطط طويل الأمد، يفترض أن يتحقق في 2020.

أما على المدى القريب، فيخشى أن يعزل الجدار الفاصل وحده 100 ألف فلسطيني يعيشون في أحياء أصبحت خارج الجدار. ويسن الإسرائيليون في كل يوم قانونا جديدا يصعب من حياة الفلسطينيين، وخلال الأعوام القليلة الماضية فقد آلاف المقدسيين هوياتهم، ويوجد آلاف آخرون مهددون بذلك. وقالت منظمة التحرير الفلسطينية، إن الشهر الماضي شهد تصعيدا خطيرا في اعتداءات المتطرفين اليهود داخل القدس وفي المسجد الأقصى لفرض أمر واقع جديد فيه، مدعومين ومحميين من قبل شرطة الاحتلال.