إيران «ساحة مواجهة» وعشرات الآلاف يهتفون ضد أميركا.. و«الديكتاتور»

فيديو لخامنئي يتحدث مع رهينة أميركي * يزدي: الخميني قال عن احتلال السفارة: ألقوا بهؤلاء الطلبة في الخارج * الكونغرس يجري تقييما سنويا لقدرات إيران العسكرية

إيرانيون يرفعون صور خامنئي خلال مظاهرات أمس (رويترز)
TT

في تشابه مثير للتأمل، تحولت إيران أمس إلى ساحة مواجهة بين جناحين من أبناء الثورة الإيرانية، وذلك خلال إحيائها الذكرى الثلاثين لحصار السفارة الأميركية في طهران بعد أشهر قليلة من الثورة الإيرانية عام 1979. فعلى غرار المواجهات والاستقطاب الحاد الذي حدث بين الليبراليين والمعتدلين من أبناء الثورة وبين المتشددين والثوريين عام 1979 على خلفية العلاقات مع أميركا وطبيعة «دولة الثورة»، تظاهر أمس عشرات الآلاف من الإيرانيين منددين بأميركا من ناحية وبالديكتاتورية من ناحية احتجاجا على نتائج الانتخابات الإيرانية على الرغم من تحذير السلطات من أي مظاهرات لأنصار الحركة الإصلاحية. وأدى الانتشار الكثيف لقوات الباسيج إلى مصادمات عنيفة واعتقالات وإصابات وذلك بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص ومحاولة تفريق المتظاهرين بالهراوات. ويأتي إحياء الإيرانيين للذكرى الثلاثين لحصار السفارة الأميركية وسط انعطاف يمكن أن يكون تاريخيا في العلاقات بين طهران وواشنطن، وجدال داخلي حاد حول العلاقات مع أميركا، عززته تصريحات المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي أول من أمس الذي هاجم واشنطن بحدة، مستبعدا امكانية الحوار معها على الأسس التي وضع عليها الاتفاق النووي بين طهران والغرب. وتظاهر عشرات الآلاف من الإيرانيين أمس في الذكرى الثلاثين لأزمة الرهائن، مرددين هتافات متباينة تدل على عمق الانشقاقات الداخلية بعد أزمة الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) الماضي، ففيما ردد الآلاف من أنصار الحركة الإصلاحية شعارات «الموت للديكتاتور» و«الله أكبر، الموت للديكتاتوريين» و«لا تخافوا نحن معا» و«الموت لروسيا»، ردد أنصار المحافظين شعارات التأييد لخامنئي و«الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل». وتخللت المظاهرات اشتباكات واستخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص في محاولة لتفريق المتظاهرين. وعلى الرغم من التحذيرات شديدة اللهجة للإصلاحيين بعدم التظاهر، فإن عشرات الآلاف خرجوا أيضا في مدن أخرى مثل رشت وشيراز وأصفهان. واشتبكت الشرطة الإيرانية بضراوة مع أنصار زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي بعدما احتشدوا في أحد شوارع العاصمة طهران، فتحول الاحتفال بالذكرى الثلاثين لاحتلال السفارة إلى أعمال عنف، خصوصا بعدما أطلقت السلطات الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وقال موقع «موجكامب» الإصلاحي على الإنترنت إن الشرطة فتحت النار على محتجين في ساحة «هفت تير» لكن لم يرد تأكيد لذلك من جهة مستقلة. وقال الموقع وهو يغطي احتجاجات أخرى في مدن شيراز ورشت إن البعض أصيبوا ومن بينهم زعيم حزب «اعتماد ملي» الإصلاحي مهدي كروبي الذي خرج أمس في المسيرات. وقال موقع كروبي على الإنترنت إنه تعرض للاعتداء والضرب من جانب ضباط يرتدون ملابس مدنية. وأضاف الموقع «أحد حراسه نقل إلى المستشفى». كما قال شاهد عيان إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع على الحشد وألقت القبض على خمسة أشخاص على الأقل. وعطلت شبكات الهاتف الجوال في إيران منذ صباح أمس في محاولة لمنع المحتجين من تنظيم صفوفهم. وفي الشارع المؤدي إلى ساحة «هفت تير» وسط طهران وقفت مجموعتان من المتظاهرين وجها لوجه، الأولى مؤيدة للمعارضة والثانية لأحمدي نجاد. وهتف أنصار المحافظين «الموت لأميركا» في حين رد عليهم أنصار المعارضة بهتاف «الموت لروسيا». وحاولت الشرطة أيضا تفريق هذه المجموعة من المتظاهرين المناصرين للمعارضة. ورفع المتظاهرون المؤيدون للنظام الأعلام الإيرانية وأطلقوا هتافاتهم التقليدية «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل». وهتفوا أيضا «بالدم بالروح نفديك يا مرشدنا»، في إشارة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ورفعوا كذلك صورا يظهر فيها رسم للعم سام، رمز الولايات المتحدة، وهو يتلقى ضربات على رأسه.

وكان طلاب إسلاميون قاموا في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، بعد عدة أشهر من الإطاحة بنظام الشاه وقيام الثورة الإسلامية في إيران، باقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 أميركيا كرهائن فيها على مدى 444 يوما، وذلك ردا على رفض واشنطن تسليم الشاه محمد رضا بهلوي. وتأتي ذكرى الاستيلاء على السفارة الأميركية وسط جدال حاد في إيران حول العلاقات مع واشنطن. واتهم خامنئي الولايات المتحدة بأنها لا تضمر إلا شرا لإيران. وقال أول من أمس إن الولايات المتحدة «قوة متغطرسة فعلا»، وإن بلاده لن تنخدع وتدخل في مصالحة مع عدوها اللدود. وفهمت التصريحات في إيران على أنها كلمة «الفصل» في موضوع العلاقات مع واشنطن. وتزايدت الأصوات الرافضة لعدم قبول الاتفاق النووي مع أميركا، إذ أعرب أمس رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق لاريجاني، شقيق رئيس البرلمان على لاريجاني، عن معارضته للاتفاق. إلا أنه كان لافتا أن خامنئي بث على موقعه الإلكتروني فيديو قديم يعود لثلاثين عاما مضت يصور زيارة قام بها إلى السفارة الأميركية خلال حصار الطلبة الإسلاميين لها. وفي الفيديو يظهر خامنئي الذي كان آنذاك نائبا لوزير الدفاع وعضوا في البرلمان يتبادل أطراف الحديث مع عدد من الرهائن بالسفارة، بعضهم كان يتحدث الفارسية بطلاقة. وسأل خامنئي أحد الرهائن عن أحوالهم ونوع الطعام الذي يقدم لهم وما إذا كان بإمكانهم الحصول على الكتب التي يريدون قراءتها، قائلا: «هل هناك أي تقصير أو أي مشاكل أو مصاعب يمكن إزالتها». فرد أحد الرهائن قائلا إن هناك مشكلة واحدة. فرد خامنئي: «صحيح. حقيقة أنك هنا». ثم عبر عن الأمل في أن «يسلم الإيراني المجرم»، الشاه إلى إيران حتى يتم إطلاق سراح الرهائن. فرد الرهينة الأميركي: إن شاء الله. ولم يفهم فورا «الرسالة» وراء بث شريط الفيديو على موقع خامنئي، لكن النخبة الإيرانية على اختلاف مستوياتها مشغولة بموضوع الحوار مع أميركا، خصوصا وأن انفتاح طهران وواشنطن وفتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما يمكن أن يؤثر كثيرا على طبيعة توازن القوى الداخلي في إيران. ومن المعروف أن حصار السفارة الأميركية في طهران 1979 جاء أيضا في إطار التنافس والصراع الداخلي بين القوى النافذة في إيران، وهو الحصار الذي أدى إلى خروج الليبراليين من مؤسسات الثورة ودخولهم في مرحلة من الصمت. ويتذكر وزير الخارجية الإيراني الأسبق خلال حكومة مهدي بازروكان الدكتور إبراهيم يزدي أن اللقاء الذي تم بينه وبين مستشار الأمن القومي الأميركي بريغينو برجينسكي في الجزائر1979 كان سببا في ترصد رجال دين بارزين من قادة الثورة لحكومة بازركان، مشيرا إلى أن الهجوم على السفارة الأميركية في طهران كان جزءا من مخطط لإقصاء الليبراليين والتكنوقراط لإفساح المجال لسيطرة رجال الدين. ويوضح يزدي لـ«الشرق الأوسط» أن ذلك اللقاء في الجزائر لم يكن مخططا له وحضره بازركان، بالإضافة إلى وزير الدفاع مصطفى شمران ويزدي وكان لقاء يتيما، لكن يبدو أنه كانت هناك بعض التيارات تقف بالمرصاد في إيران. وبعد ذلك حدث هجوم الطلبة على السفارة الأميركية وأخذ رهائن، ليستمر ذلك لمدة 444 يوما، ونتيجة لذلك استقالت حكومة مهدي بازركان. وفي 4 نوفمبر 1979 احتل طلبة إيرانيون السفارة الأميركية في طهران، وهو الحدث الذي يقول الكثير من داخل الجبهة الوطنية في إيران إنه تم بضوء أخضر من رجال دين مقربين من آية الله الخميني، بهدف «قلب الطاولة» على رجال الجبهة الوطنية والتيار الليبرالي لإضعافهم وتشديد قبضتهم. ويؤكد هاشمي رفسنجاني سابقا أن مجلس شورى الثورة، الجهة التي كانت تحكم فعليا، لم يكن على علم بنية احتلال السفارة، موضحا في مذكراته: «كنت أنا وخامنئي قد ذهبنا إلى مكة للحج، وكنا نياما على سطح البيت الذي كنا نسكنه هناك. عندما سمعنا الأخبار عبر الراديو عرفنا أن الجامعيين سيطروا على السفارة الأميركية». طالب مهدي بازركان وإبراهيم يزدي بإنهاء احتلال السفارة وإطلاق الرهائن، وهددوا بتقديم استقالاتهم. ويقول يزدي لـ«الشرق الأوسط» إن الخميني قال إنه لم يكن يعلم مسبقا بخطوة الطلبة للاستيلاء على السفارة الأميركية، فالطلبة لم يفاتحوا أحدا في الأمر سوى موسوي خوئيني، أحد مستشاري الخميني. بعد ذلك ذهب يزدي إلى قم للقاء الخميني وحكى له خطورة خطوة احتلال الطلبة للسفارة الأميركية. ويقول يزدي إن الخميني رد عليه بقوله: «ألقوا بهؤلاء الطلبة في الخارج»، فقرر يزدي العودة إلى طهران لإنهاء أزمة الرهائن مع بازركان، على اعتقاد أن الخميني غير راض عن هذه الخطوة. غير أن اتصالا هاتفيا من موسوي خوئيني لأحمد الخميني، ابن الخميني، غيّر كل شيء، فقد تراجع الخميني عن موقفه، ووقف أمام تحرك حكومة بازركان لإنهاء أزمة الرهائن. وكانت هذه تحولات مفصلية، فقد أدت إلى انفصال بين التيار الوطني الليبرالي بقيادة الجبهة الوطنية، وبين تيار رجال الدين في الثورة، فقد قبل الخميني استقالة حكومة بازركان، وأمر مجلس قيادة الثورة بتصريف مهام الحكومة، وذلك بعد 9 أشهر فقط من توليها السلطة، ليخرج الليبراليون والحركة الوطنية من الحكم. وهو ما أدى إلى انشقاق بين قادة الثورة ومؤيديها ما زال مستمرا حتى اليوم ويظهر في المراجعات التي يقوم بها الكثير ممن شاركوا في حصار السفارة أو أيدوا تلك الخطوة مثل الزعيم الإصلاحي محسن ميردامادي ومعصومة ابتكار وعباس عبدي الذين تحولوا منذ ذلك الحين لإصلاحيين يوجهون انتقادات حادة للمحافظين. ومن بين هؤلاء أيضا المرجع الإيراني الكبير المنشق آية الله حسين علي منتظري الذي أعلن أمس أن احتلال السفارة الأميركية في طهران كان خطأ. وقال منتظري على موقعه الإلكتروني إن «احتلال السفارة الأميركية لقي في البدء دعم الثوريين الإيرانيين والإمام الخميني، وأنا بنفسي دعمته». وأضاف «ولكن نظرا إلى التداعيات السلبية والحساسية البالغة التي نجمت عن هذا العمل لدى الشعب الأميركي، والتي لا تزال موجودة حتى اليوم، فإن القيام بهذا العمل لم يكن صائبا». الى ذلك وعلى صعيد متصل قرر الكونغرس الأميركي إجراء تقييم سنوي للقدرات العسكرية الإيرانية وهو التقييم السنوي الذي تجريه واشنطن على القدرات العسكرية الصينية. وتهدف الخطوة الأميركية إلى وضع قدرات إيران العسكرية تحت رقابة وتقييم دائم. وأمر الكونغرس ليس فقط بتقرير سنوي للقدرات العسكرية الإيرانية، بل أيضا «الأهداف» العسكرية. ومن ضمن ما سيركز عليه ذلك التقرير الاستراتيجي البرنامج النووي والصاروخي الإيراني والإنفاق العسكري لطهران. ووفقا لمسؤولين بالكونغرس فإن إجراء ذلك التقييم السنوي يأتي استجابة لمخاوف متزايدة من أن يكون تقييم الاستخبارات الأميركية للأنشطة الإيرانية محدود النطاق ولا يلم كل أشكال الأنشطة العسكرية الإيرانية، بما في ذلك الدعم الإيراني لحزب الله أو حماس أو جماعات في العراق وأفغانستان. وقال السيناتور بالكونغرس عن كاليفورنيا هوارد ماكيون إن قرار التقييم الاستراتيجي، الذي وقعه الرئيس الأميركي باراك أوباما، يأتي في إطار أن قدرات إيران العسكرية لا تتعلق فقط بإيران بل بالوضع في الشرق الأوسط.