إدارة أوباما مقتنعة بعدم إمكانية الاستئناف المبكر للمفاوضات.. والقاهرة تتبنى موقف كلينتون بشأن العودة للمحادثات

السلطة ترفض الرجوع لطاولة المفاوضات تحت أي اسم أو شكل أو مستوى من دون وقف الاستيطان وتهدد بإعادة الملف الفلسطيني إلى مجلس الأمن

الرئيس مبارك خلال محادثاته مع هيلاري كلينتون في القاهرة امس (ا. ب)
TT

توصلت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد جولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى قناعة بأن إمكانية الاستئناف المبكر وعلى مستوى رفيع، للمفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية حول الدولة الفلسطينية، مستبعدة في المستقبل القريب.

وعلى الرغم من أن كلينتون لا تزال تعمل من أجل مفاوضات مباشرة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنها في الوقت ذاته بدأت تحث بعض الدول العربية من أجل دفع الفلسطينيين نحو المشاركة في مفاوضات على مستوى منخفض، مع الإسرائيليين من أجل فقط تجنب الفراغ السياسي.

وقال بي جي كرولي المتحدث باسم كلينتون: «نحن نعترف بأن الأمور متوقفة.. ولكننا ندرس الطرق المختلفة التي يمكن أن تزيد بشكل أو بآخر من الاتصالات بين الطرفين». ووصف كرولي المقترحات بـ«خطوات الطفل الأولى التي تقود في النهاية للسير بثبات». وحذر كرولي من أنه «إذا كان هناك فراغ فإن هناك الكثير من الأطراف التي ستستغله.. لقد شاهدنا في السابق في غير مناسبة تطور الأحداث إلى أعمال عنف».

وفي ما يبدو حصلت كلينتون أمس على دعم مصر لموقفها ببدء هذه المفاوضات بلا شروط مسبقة ولكن «على أسس واضحة». وقال وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في مؤتمر صحافي مشترك مع كلينتون عقب محادثاتها مع الرئيس حسني مبارك إن رد مصر في هذا الشأن هو أن «الرؤية المصرية تؤكد ضرورة التركيز على نهاية الطريق، ويجب ألا نضيع الوقت في التمسك بهذا الأمر أو ذاك كبداية للمفاوضات». وأضاف: «يجب علينا أن نركز على نهاية الطريق وأن نستمع إلى موقف أميركي واضح في ما يتعلق بنهاية الطريق، وأن تلتزم الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الأطراف للمضي في مفاوضات تقوم على أسس واضحة يعد لها إعدادا جيدا».

ورفض مسؤولون مصريون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» اعتبار ما أعلنه أبو الغيط تراجعا في الموقف المصري، بقدر ما هو تعامل مع «المتاح».

وبدا أبو الغيط متفائلا أكثر من ذي قبل، فبعد مطالبته قبل 24 ساعة بضمانات أميركية وأممية ومن اللجنة الرباعية تحدث عن مباحثات «مثمرة للغاية» مع كلينتون، التي تحدثت بالتفاؤل ذاته. وعما إذا كانت مصر مقتنعة بأن الولايات المتحدة تؤيد بالفعل تجميد الاستيطان قال أبو الغيط: «استمعنا اليوم وأمس للموقف الأميركي من الاستيطان، باهتمام كبير، وللتصورات التي تفيد بأن هناك تراجعا أميركيا في هذا الخصوص وقد تحدثنا في هذا الموضوع بقدر كبير من الوضوح والصراحة».

واستبقت كلينتون لقاءها مع مبارك، باجتماع مع الوزير عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية. وقالت إن «الولايات المتحدة لم تغير موقفها من الاستيطان الإسرائيلي»، مؤكدة أن التفاوض بعمق في قضايا الحل النهائي سيتيح وضع نهاية للاستيطان. وردا على سؤال حول أسباب تغير الموقف الأميركي بالنسبة لشرط الاستيطان مقارنة بما قاله الرئيس أوباما في خطابه بالقاهرة، قالت كلينتون: «سياستنا لم تتغير، وما زلنا لا نقبل بشرعية المستوطنات الإسرائيلية، ولدينا اعتقاد راسخ بأنه من المفضل إنهاء أشكال الاستيطان الإسرائيلي كافة الحالي والمستقبلي، وهذا ما أوضحناه ونستمر في تأكيده».

وأضافت: «أكدت للرئيس مبارك أن الرئيس أوباما والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، وأنا شخصيا ملتزمون تماما، رسميا وبشكل شخصي بتحقيق حل الدولتين والوصول إلى سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين وكل الدول العربية المجاورة»، لافتة إلى «أننا نعمل بكل جد لمساعدة الأطراف المعنية في الجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق أهدافنا المنشودة في هذا الخصوص»، واصفة مصر والدول العربية المجاورة بأنهم «شركاء موثوق بهم للمساعدة في هذا الشأن».

واستطردت: «لا أزال أعتقد أنه بالإمكان الوصول إلى مخرج على الرغم من الصعوبات المتراكمة من الماضي، حتى يمكننا تحقيق ما نسعى إليه من حل الدولتين».

لكن اللجنة المركزية لحركة فتح رفضت فكرة العودة إلى المفاوضات بأي شكل من الأشكال أو تحت أي مسمى مباشرة أو غير مباشرة أو على أي مستوى إذا لم تلتزم إسرائيل بوقف الاستيطان وبمرجعية عملية السلام وهو مبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، واستئناف المفاوضات من حيث النقطة التي انتهت إليها في آخر قمة فلسطينية إسرائيلية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وقال عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية ورئيس كتلة فتح البرلمانية لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجنة برئاسة أبو مازن استعرضت في اجتماع لها أمس الأوضاع السياسية وجولة كلينتون ولقاءها مع الرئيس في أبوظبي يوم السبت الماضي وكذلك لقاء المبعوث الأميركي جورج ميتشل في عمان يوم الاثنين». وأضاف أن «اللجنة أكدت التمسك بالموقف الذي اتخذته الأطر في فتح والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في اجتماعه الأخير الذي يؤكد رفض العودة إلى المفاوضات من دون تلبية المطالب الفلسطينية».

وأوضح الأحمد أن ما أعلنته كلينتون عن عدم شرعية الاستيطان والحديث عن ضمانات أميركية، غير كاف ولا بد من إلزام إسرائيل بما سبق وأعلن بموجب خطة خريطة الطريق، علما بأن الإدارة الحالية سبق وأن أعلنت ذلك سواء على لسان أوباما نفسه أو كلينتون أو ميتشل، وأوضح أنه لا يجوز التراجع عن هذا الموقف وهو ضرورة وقف الاستيطان لاستئناف المفاوضات.

وهدد الأحمد بالعودة في ملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته الكاملة، واحتمالات تدهور الأوضاع. وعلى الرغم من أن الأحمد رفض الحديث بصراحة عن البدائل، فإن ما قاله يفسر ذلك ب حل السلطة الفلسطينية.

ووصف صائب عريقات رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير في مؤتمر صحافي عقده في مقر الدائرة في مدينة البيرة المتاخمة لرام الله، تراجع كلينتون عن تصريحاتها والتي وصفت الموقف الإسرائيلي من وقف الاستيطان بـ«غير مسبوق»، بأنها غير كافية، محذرا من خطورة الموقف، مبينا أن العملية السلمية برمتها على مفترق طرق، وأن الجانب الفلسطيني لن يعدم البدائل. وقال إن «المطلوب من الإدارة الأميركية أن تعلن إسرائيل كطرف معطل للسلام، إذا لم تلتزم بخريطة الطريق»، مبينا أن «المفاوضات لم تبدأ هذه السنة، بل هي وصلت إلى موقع متقدم جدا في ديسمبر (كانون الأول) 2008، بين السيد الرئيس وأولمرت، لذلك نحن نطالب باستئناف المفاوضات من حيث توقفت في ديسمبر».

وطلب عريقات من العرب الذين يتحدثون عن ضمانات أميركية «عدم الحديث عن ورقة التوت، لأننا لسنا بحاجة لورقة توت، وأن الإدارة الأميركية عرضت علينا ضمانات تقول فيها إن الاستيطان غير شرعي، وأنها ترفض ضم القدس، وإنه رغم الأهمية المعنوية لهذه الضمانات، لكن من الناحية المادية، لا تصرف، فنحن نطالب الإدارة الأميركية بإلزام الحكومة الإسرائيلية بالوفاء بالتزاماتها، لأن الجانب الفلسطيني نفذ التزاماته».