بعثة «مينورسو».. سكان الأمم المتحدة المقيمون بالعيون كبرى مدن الصحراء يعطون الانطباع بأنهم مرفهون

ينتمون إلى 24 جنسية غربية.. ويوجد ضمنها عرب

المقر الرئيسي لبعثة «مينورسو» بالعيون وإحدى سيارات «مينورسو» في أحد شوارع مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

لا شيء يميز مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء، عن أي مدينة أخرى من حيث البنايات والشوارع والأزقة، بيد أن الاستثناء الوحيد الذي يميزها هو سيارات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء، والتي تعرف اختصارا باسم «مينورسو»، التي تجوب شوارعها، أو تقف أمام مدخل الفنادق. وهي في الغالب سيارات رباعية الدفع بيضاء اللون كتب عليها حرفان باللاتينية «UN»، ترمز إلى منظمة الأمم المتحدة، بمجرد أن يشاهدها المرء تقفز إلى ذهنه السياسة، ويتذكر أن المنطقة تعيش وضعا خاصا، ونزاعا لم يحسم بعد، وما عدا ذلك تظل تفاصيل الحياة اليومية لسكان العيون عادية جدا.

العيون من المدن الصحراوية التي لا تنام باكرا، وأهلها يسهرون إلى ساعات متأخرة من الليل، ويستيقظون متأخرين صباحا، لذلك فإن شوارعها الرئيسية في الصباح الباكر تبدو خالية من المارة، ومعظم المحلات التجارية مقفلة، ذلك أن تقاليد العيش في الصحراء لها خصوصية، تختلف عن المدن الأخرى، كما أن الطقس المتقلب يحدد بدوره نمط الحياة في المدينة.

تقع مدينة العيون في الجنوب المغربي في منطقة تضم العيون، وبوجدور، والساقية الحمراء، وتمتد على مساحة تقدر بـ139 ألفا و480 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل 20% من مساحة التراب المغربي، تحدها شمالا منطقة كلميم السمارة، وجنوبا منطقة وادي الذهب ـ لكويرة، وشرقا موريتانيا، وغربا المحيط الأطلسي.

في 29 أبريل (نيسان) 1991 أنشئت بعثة «مينورسو» بقرار صادر عن مجلس الأمن تحت رقم 690. وتتلخص مهمتها، التي يرأسها حاليا المصري هاني عبد العزيز، في مراقبة وقف إطلاق النار بين الجيش المغربي، وقوات جبهة البوليساريو المؤيدة لانفصال الصحراء.

ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن أصبح أفراد بعثة «مينورسو» وكأنهم سكان مقيمون لا يثيرون اهتمام أحد، ربما بسبب طبيعة مهمتهم التي تفرض عليهم الحياد التام.

وتمنح العيون لزائرها فرصة التعرف على وجهين مختلفين للمدينة أي الوجه العصري، حيث الشوارع الواسعة والفنادق الحديثة، والمقاهي العصرية، والمطاعم والمتاجر، والوجه الآخر المتمثل في الضواحي وبادية الصحراء الممتدة، حيث الحياة بسيطة للغاية. يقيم أفرد بعثة «مينورسو» في معظم الفنادق المصنفة في المدينة، لذلك لا مفر من اللقاء بهم في تلك الفنادق، وهم يتناولون طعامهم في المطعم، مجتمعين على طاولات يتبادلون أطراف الحديث، أو يجلسون فرادى، يشاهدون التلفزيون.

أعضاء البعثة هم رجال ونساء من مختلف الجنسيات، تميزهم عن غيرهم ملابسهم العسكرية، بعضهم يلقي على من يصادفه التحية بأدب، وآخرون يمرون متجهمي الوجوه، متجاهلين كل الموجودين.

ورغم المعرفة المسبقة من أنهم لا يحق لهم التحدث إلى الصحافة، سألت «الشرق الأوسط» سيدة محجبة ترتدي ملابس عسكرية إن كانت تسمح بطرح أسئلة عليها تتعلق بحياتها اليومية في العيون، بعيدا عن السياسة، إلا أنها اعتذرت بأدب، ولم تعط لـ«الشرق الأوسط» حتى فرصة سؤالها عن جنسيتها.

أما أحد أفراد البعثة من جنسية عربية، فقال إنه ليس لديه أي مانع في الحديث ما دام الأمر لا يتعلق بإبداء رأي سياسي بشأن نزاع الصحراء. وبعد تفكير قصير طلب مهلة ليسأل مرؤوسيه، على أن يتم اللقاء معه في الغد، بيد أنه اعتذر بدوره، وقال إنهم نصحوه بأنه من الأفضل أن لا يتحدث إلى الصحافة، غير أن هذه النصيحة لم تمنعه من الدردشة المختصرة عن حياته في العيون، وطبيعة المهمة التي يقوم بها، حيث بدا راضيا ومرتاحا، باستثناء عدم تعوده على الأكل المغربي المقدم في مطعم الفندق.

لا يقيم أفراد الـ«مينورسو» في الفنادق فقط، بل يسكن بعضهم في منازل خاصة، بعد أن التحق بهم أفراد أسرهم.

وقال نادل يعمل في مطعم الفندق إن ما يميز أفراد بعثة «مينورسو» من الجنسيات الغربية عن زملائهم الذين يحملون جنسيات عربية، هو أن الغربيين لا ينتقدون، ولا يبدون أي ملاحظة بخصوص الأكل الذي يقدم لهم، فإن أعجبهم تناولوه، وإن لم يعجبهم تركوه، في حين أن أعضاء البعثة العرب لا يكفون عن الانتقاد والتذمر، إذا لم يكونوا راضين على مستوى الخدمة في الفندق.

ويؤكد سكان العيون أن أهم ما تتميز به مدينتهم هو الأمن، لذلك فإن من يزور المدينة سيرى نساء صحراويات بزيهن التقليدي «الملحفة»، يتجولن بمفردهن في ساعة متأخرة من الليل دون أن يمسهن أحد بسوء.

في عطلة نهاية الأسبوع يتخلص أفراد بعثة «مينورسو» من ملابسهم العسكرية، ويتجولون في شوارع المدينة بكل حرية، كما يمكنهم استعمال سيارات الأجرة خلال تنقلاتهم في المدينة. وفي فترة الاستراحة بعد تناول وجبة الغداء، أو في المساء، يجلسون في بهو الاستقبال بالفندق، أمام شاشات أجهزة الكومبيوتر المحمولة، يشتغلون، أو يدردشون مع ذويهم ومعارفهم الموجودين في مناطق بعيدة عن الصحراء.

وخلافا لأفراد بعثات الأمم المتحدة الآخرين الموجودين في بؤر متوترة أخرى، ويواجهون الكثير من المخاطر، يعطي أفراد «مينورسو» في العيون الانطباع بأنهم يعيشون حياة مرفهة، ومرتاحون للغاية.

وتقدر الموازنة المرصودة للبعثة ما بين يوليو (تموز) 2009، ويونيو (حزيران) 2010 بـ53.53 مليون دولار. ومن جهته يقدم المغرب خدمات إضافية للبعثة.

ويبلغ عدد المراقبين العسكريين الذين يرأسهم الجنرال الصيني، زهاو جينكمين،231 عسكريا، بما فيهم 20 موظفا في الوحدة الطبية، ينتمون إلى الأرجنتين، والنمسا، وبنغلاديش، والبرازيل، والصين، وكرواتيا، وجيبوتي، ومصر، والسلفادور، وفرنسا، وغانا، واليونان، وغينيا، والهندوراس، وهنغاريا، وبولندا، وإيطاليا، والأردن، وماليزيا، ومنغوليا، ونيجيريا، وباكستان، وباراغواي، واليمن.

ويعمل في الإدارة المدنية 96 موظفا دوليا، و156 موظفا مغربيا، و20 متطوعا تابعا للأمم المتحدة.