الخزانة الأميركية تواجه جبلا من الديون الجديدة والقروض قصيرة الأجل

تريليون دولار حجم قروض أميركا سنوياً

تكلفة معالجة الدين ستتجاوز 700 مليار دولار في العام (إ.ب.أ)
TT

تمول حكومة الولايات المتحدة جحم اقتراضها الذي فاق تريليون دولار في العام بسندات مدينة وفق شروط تبدو جيدة بصورة يصعب تصديقها. لكن ذلك الوضع الجيد الذي ساهمت فيه الفائدة المنخفضة إلى حد كبير قد لا يدوم طويلا، حيث يواجه مسؤولو الخزانة الآن جبلا من الديون الجديدة والقروض قصيرة الأجل الضخمة التي يتوجب دفعها خلال الشهور القادمة إضافة إلى معدلات الفائدة التي يتوقع أن تعود إلى طبيعتها ما إن يقرر الاحتياطي الفيدرالي انقشاع حالة الطوارئ. حتى في الوقت الذي يسارع فيه مسؤولو الخزانة إلى الإبقاء على المعدلات المنخفضة عبر مبادلة القروض قصيرة الأجل بسندات خزانة طويلة الأجل تواجه الحكومة صدمة دفع مشابهة لتلك التي أودت بعدد هائل من مالكي المنازل إلى العجز عن سداد ديون الرهن العقاري. ومع ارتفاع الدين القومي إلى ما يزيد على 12 تريليون دولار يقدر البيت الأبيض أن تكلفة معالجة الدين ستتجاوز 700 مليار دولار في العام من 202 مليار دولار حتى وإن تقلص العجز في الميزانية بصورة كبيرة. ويقول المراقبون إن الرقم قد يرتفع أكثر من ذلك. وبصورة أكثر جدية فإن 500 مليار دولار كمصاريف فائدة في العام سيكون أكثر من الميزانية الفيدرالية هذا العام للتعليم والطاقة والأمن الداخلي والحرب في العراق وأفغانستان. وتعتبر احتمالية ارتفاع نسبة الفائدة أحد التحديات المؤلمة التي تواجه الولايات المتحدة في أعقاب عقد من العيش متجاوزة قدراتها. ينظر لتلك الزيادة الكبيرة في الاقتراض خلال العام الماضي أو العامين الماضيين، على نطاق واسع، على أنها استجابة ملحة للأزمة المالية والتراجع الكبير، ولا تزال هناك مناقشات حامية حول كيفية خفض العجز خلال السنوات القليلة القادمة. لكن هناك شكوكا بسيطة في أن أزمة ميزانية الولايات المتحدة طويلة الأمد أضخم من أن يتم تأجيلها. تواجه أميركا الآن هوتين عميقتين يجب عليها أن تخرج منهما: أولاهما المستهلكون الذين أثقلتهم الديون بعد أن تبددت ثرواتهم مع أسعار الإسكان والأسهم. والثانية مع دافعي الضرائب الذين تضاعف دين حكومتهم إلى الضعف خلال العامين الماضيين فقط حيث يتوقع أن تنفجر النفقات المرتبطة بالفوائد لمن بلغوا سن التقاعد. تلك المطالب الملحة يمكن أن تعمق الخلافات السياسية على حجم ودور الحكومة والموازنة بين الضرائب والإنفاق والخياران بين مساعدة الأجيال المتقدمة في العمر والأصغر سنا وحول السؤال الأساسي حول من الذي يجب أن يتحمل المسؤولية.

وقال روبرت بيكسبي، المدير التنفيذي لتحالف «كونكورد»، وهي مؤسسة غير حزبية تدافع عن انخفاض العجز: «الحكومة تقترض بفوائد منخفضة في الوقت الحالي. ونحن نشتري الكثير من الرهن العقاري الآن، لكننا لن نشعر بالألم إلا لاحقا». حتى الآن لا يزال الطلب على سندات الخزانة من المستثمرين والحكومات الأخرى حول العالم قويا بما يكفي لتثبيت أسعار الفائدة التي يجب أن تقدمها الولايات المتحدة لبيعها. وبالفعل دفعت الحكومة فائدة أقل على ديونها هذا العام أكثر من عام 2008 على الرغم من إضافتها دينا آخر بقيمة تريليوني دولار. وقد انخفض متوسط معدل فائدة الاقتراض الحكومي العام الماضي بواقع 1 في المائة أما معدل الفائدة بالنسبة للقروض قصيرة المدى مثل سندات الخزانة التي مدتها شهر واحد 0.16 في المائة.

وقال ماثيو رازرفورد، مساعد وزير الخزانة المسؤول عن عملية التمويل: «جميع نتائج المزادات كانت قوية. وقد كانت طلبات المستثمرين قوية جدا وزادت خلال السنوات السابقة». ويشير كثير من المحللين إلى أن المشكلة تعود إلى أن العجز الحكومي المسجل جاء في الوقت الذي بدأ في الانفجار الذي تخشى عواقبه منذ فترة طويلة في الإنفاق على فوائد الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي. ففي الوقت الحالي اقترب الأشخاص الذين ولدوا في فترة زيادة المواليد من سن الخامسة والستين الذي سيطلق كابوسا ماليا بالنسبة للحكومة وهو ما حذر منه الخبراء من قبل. وقال ويليام إتس غروس، المدير الإداري لـ«بيمكو غروب»، شركة إدارة السندات العملاقة: «ما ينبغي على دولة عظيمة، أو سنجاب جيد القيام به هو تخزين البندق لفصل الشتاء. لكن حكومة الولايات المتحدة لا تنهي مخزونها من البندق فحسب لكنها تأكل ما استبقته من العام الماضي». وجاءت معدلات الفائدة المنخفضة على ديون الدولة نتيجة لعوامل مؤقتة بدأت بالفعل في الزوال. أحد تلك العوامل كانت الأزمة الاقتصادية ذاتها التي سببت الذعر للمستثمرين حول العالم مما دفعهم لاستثمار أموالهم في أذون وسندات الخزانة الأكثر أمنا. وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة مركز الأزمة المالية العالمية رأى المستثمرون سندات الخزانة المكان الأقل خطورة لاستثمار أموالهم. يأتي على رأس ذلك، استخدام البنك الفيدرالي لكل أداة في ترسانته لخفض معدلات الفائدة بصورة أكبر عبر خفض معدلات الفائدة على الودائع في البنوك حتى وصلت إلى ما يقارب الصفر في المائة. ولكي تخفض من معدلات الفائدة طويلة المدى عمدت إلى شراء ما قيمته 1.5 تريليون دولار من أذون الخزانة والسندات التي ضمنتها الحكومة المرتبطة بالرهون العقارية. لكن تلك الظروف بدأت في التغير بالفعل، حيث بدأ المستثمرون العالميون في استثمار أموالهم في الاستثمارات الأكثر مجازفة مثل البورصات وأسهم المؤسسات كما ضخوا أموالا في الدول ذات النمو السريع مثل البرازيل والصين. ويوقف البنك الفيدرالي، في الوقت الحالي، جهوده في تثبيت أسعار الفائدة على القروض طويلة الأمد، حيث أنهوا برنامجهم ذا الـ300 مليار دولار لشراء أذون الخزانة الشهر الماضي وأعلنوا عن خطط لوقف شراء سندات الرهن العقاري المدعوم بالسندات بنهاية مارس (آذار) القادم. وعلى الرغم من عدم حدوث ذلك قبل منتصف 2010 على الأقل فإن البنك الفيدرالي سيبدأ في إعادة رفع معدل الفائدة إلى مستوياتها الطبيعية مرة أخرى. لن تكون الولايات المتحدة الحكومة الوحيدة التي تنافس على إعادة تمويل دين ضخم، فاليابان وألمانيا وبريطانيا والدول الصناعية الكبرى مدينة بديون قد تكون أضخم من ذلك قياسا بحصة ناتجها المحلي الإجمالي، كما أن هذه الدول قد بالغت في الاقتراض بصورة لم تتمكن معها من محاربة الأزمة المالية والتدهور الاقتصادي. ومع انتعاش الاقتصاد العالمي واجتذاب الأعمال لرأس المال لتمويل نموها فإن كل تلك الديون التي تثقل كاهل الحكومات ستلقي بالمزيد من الضغوط على معدلات الفائدة. بيد أن الزيادة القليلة في معدلات الفائدة سيكون لها آثار ضخمة، فزيادة نسبة 0.1 في المائة على تكلفة الاقتراض ستكلف دافعي الضرائب الأميركيين 80 مليار دولار إضافية هذا العام وهو ما يعادل الميزانية المشتركة لوزارتي الطاقة والتعليم.

لكن ذلك قد يبدو مثل لدغة خفيفة نسبيا، ويقدر تي روي برايس تكلفة خدمات دين الخزانة هذا العام بأكثر بـ221 مليارا إذا ما واجهت نفس معدلات الفائدة كما فعلت العام الماضي.

وتشير تقديرات البيت الأبيض أن على الحكومة اقتراض حوالي 3.5 تريليون دولار إضافية خلال السنوات الثلاث القادمة. يأتي على رأس ذلك أن على الخزانة إعادة تمويل أو تأجيل دفع كمية ضخمة من الديون قصيرة الأجل التي أصدرت خلال الأزمة المالية العالمية. ويشير مسؤولو الخزانة أن 36 في المائة من الدين الحكومي الرائج والذي يشكل حوالي 1.6 تريليون دولار سيحين موعد تسديدها خلال الشهور القادمة.

وفي محاولة لتثبيت معدلات الفائدة خلال الأعوام القادمة يحال مسؤولو الخزانة استبدال سندات الخزانة ذات الشهر والثلاثة أشهر بسندات خزانة ذات عشر سنوات إلى 30 عاما. وستعمل تلك الاستراتيجية على توفير أموال دافعي الضرائب على المدى القريب لأن معدل الفائدة يكون عاليا في الدين قصير المدى.

وقد شرع البنك الفيدرالي في مخالفة بعض السياسات التي كان قد وضعها لتعزيز الاقتصاد. وقدرت شركات وول ستريت التي تقدم المشورة لوزارة الخزانة أن مشتريات البنك الفيدرالي من أذون الخزانة والسندات المدعومة بالرهن العقاري قد خفضت من معدلات الفائدة بعيدة المدى بمقدار 0.5 في المائة. وأن إزالة هذا الدعم يمكن أن يضيف في حد ذاته 40 مليار دولار إلى المصاريف السنوية للحكومة على خدمات الدين. وقد حذرت لجنة القطاع الخاص الاستشارية الحكومة الأميركية بشأن إدارة الدين هذا الشهر من المخاطر القادمة. وقد أعلنت اللجنة الاستشارية لاقتراض الخزانة، وهي مجموعة من خبراء السوق التي تقدم توجيهات للحكومة في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) أن: «التضخم ومعدلات الفائدة وخطر تأجيل سداد الدين يجب أن تكون عوامل القلق الأساسية. وأن براعة استراتيجية إدارة الدين لا يمكن أن تكون بديلا شاملا لسياسة مالية قوية».

*خدمة «نيويورك تايمز»