البرادعي يعبر عن خيبة أمله لفشل إيران في قبول مقترحه

دعا الدول أعضاء الوكالة لتبني فكرة بنك وقود نووي دولي

السفير الإيراني لدى وكالة الطاقة علي أصغر سلطانية خلال اجتماعات الوكالة أمس (أ.ب)
TT

نقل الدكتور محمد البرادعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لاجتماع مجلس محافظي الوكالة، الذي يشهد اليوم آخر جلساتهم معا، خيبة أمله بسبب الردود المتناقضة التي ما تزال تصدر من إيران تجاه المقترح الذي قدمه كحل لتوفير الوقود النووي لمفاعل طهران الطبي، رغم كل المحاولات التي بذلها من أجل عودتها للمجتمع الدولي بدلا من العزلة والانقطاع وتبادل الشكوك.

مؤكدا في كلمته التي افتتح بها جلسات اجتماع الأمناء، الذي حضرته وفود كثيرة من الدول أعضاء الوكالة بمقرها بالعاصمة النمساوية، صباح أمس، بأن العلاقة مع إيران ستصطدم بنهاية مسدودة إذا لم تبادر إيران سريعا باتخاذ قرارات تعكس اندماجها مع المجتمع الدولي وتؤكد تعاونها تعاونا كاملا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يكون محوره تطبيقها للبرتوكول الإضافي الذي سيمكن الوكالة من القيام بعمليات تفتيش وتحر فجائية لمختلف المواقع النووية الإيرانية المعلنة وغير المعلنة بما في ذلك إجراء مقابلات وبحث وتنقيب دون إخطارات مسبقة ما سيكشف عن كل تفصيل البرنامج الإيراني ويعيد الثقة في الأنشطة النووية الإيرانية كافة ويؤمن عدم وجود شق نووي عسكري ما سيبدد من شكوك كثير من الجهات. مشيرا لفشل الوكالة في التمكن من الإعلان يقينا بما يؤكد بسلمية ومدنية هذا النشاط. مشددا على أهمية أن تسارع إيران بالموافقة على مسودة الاتفاق التي قدمها لها بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي عقب فشل محادثات فيينا النووية التي استضافتها الوكالة لمدة يومين ونصف اليوم، بتاريخ 19 إلى 21 أكتوبر الماضي، وانتهت بفشل أطرافها في الوصول لاتفاق، وذلك بسبب رفض إيراني لأسس تلك لمحادثات رغم ما أبدته مسبقا من موافقة مبدئية ثم نكصت معلنة رفضها للدخول في اتفاق تجاري مع فرنسا، التي أبدت بالإضافة إلى روسيا والولايات المتحدة استعدادا لتوفير الوقود النووي لمفاعل طهران للأبحاث الطبية.

من جانبه كان البرادعي، وكما نشر تكرارا، قد سارع بتقديم مقترحه على إيران والدول التي أبدت استعدادا للتعاون معها مبنيا على أساس نقل 70 في المائة من اليورانيوم الذي خصبته إيران تخصيبا منخفضا وإرساله إلى روسيا لتخصيبه بنسبة 20 في المائة ثم إلى فرنسا لتحويله لقضبان نووية تعود لإيران لاستخدامها كوقود. ساعيا بذلك لتبديد الشكوك الغربية بسبب تراكم يورانيوم مخصب قد تسعى إيران لتحويله لأغراض عسكرية وفي الوقت ذاته موفرا لإيران ما تحتاجه من وقود نووي لمرضاها. مسجلا في حالة موافقتها خرقا غير مسبوق للعزلة التي تعيشها بسبب العقوبات المفروضة عليها، التي تمنع أي تعاملات ذات علاقة نووية معها.

هذا ورغم أن إيران لم ترد رسميا على مسودة مقترح البرادعي، فإن مسؤوليين إيرانيين ممن تفاعلوا إيجابا مع المقترح أبدوا إصرارا قويا أن تتم كل مراحله داخل إيران وليس خارجها. مبدين تخوفا شديدا من نقل وتسليم اليورانيوم الإيراني خشية أن يتم الحجز عليه بالخارج دون أن تتسلم إيران في مقابله وقودا. هذا فيما تصر بقية الأطراف بما في ذلك الوكالة أن نقل اليورانيوم خارج إيران هو الأساس حتى ولو تم تخزينه في دولة كتركيا ممن تضمنهم وتثق فيهم إيران التي رفضت ذلك العرض أيضا. مقترحة في المقابل أن تتم عمليتي نقل وتسليم اليورانيوم والوقود بالتزامن وداخل إيران وتحت إشراف الوكالة الدولية لا غير.

في سياق مواز ناشد البرادعي الدول أعضاء الوكالة للموافقة على فكرة إنشاء بنك دولي يوفر الوقود النووي المخصب، وفق مقترح روسي التمويل، يكون لمجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق اتخاذ القرار النهائي بشأن الدول التي يمولها ذلك البنك، ما يضمن وفق وجهة النظر هذه توفير وقود نووي لاستخدامات مدنية من منظور الذرة الآمنة وفي الوقت ذاته تأكيد الحفاظ على أسس الضمان النووي ومنع الانتشار.

لكن وكما تشير متابعات «الشرق الأوسط» فإن فكرة البنك النووي الدولي التي تحظى بموافقة الدول الغربية التي لم تكتف بمجرد تأييدها بل تقدمت بمقترحات شبيهة، تجابه معارضة قوية من قبل دول نامية تنتمي لمجوعتي الـ77 ومجموعة عدم الانحياز ممن يتحرزون ويتحسبون أن تتعرض قرارات الرد رفضا أو إيجابا على طلباتهم لوقود نووي لضغوط سياسية من قبل دول ذات هيمنة وسيطرة ما سيعيق الحصول على ذلك الوقود. مطالبين بمزيد من الدراسات وتوفير مزيد من التطمينات لتأكيد حقوقهم في الحصول على طاقة نووية لاستخدامات سلمية. ومعلوم أن معظم الدول النامية تجاهر برفضها واستهجانها لما تعتبره عراقيل وعقبات تفرضها الدول الغربية الرافضة لفكرة إيران النووية، رغم التأكيدات والإصرار الإيراني أن النشاط النووي الإيراني لأغراض سلمية بحتة. في هذا السياق علمت «الشرق الأوسط» أن مشروع القرار الذي تقدمت به ألمانيا وينتظر أن يدرسه المجتمعون اليوم ويسعى لإصدار قرار يدين بموجبه المجلس إيران لعدم ردها إيجابا على مسودة اقتراح البرادعي، ولعدم التزامها بقرارات مجلسي الأمن والأمناء التي تحظرها من تخصيب اليورانيوم، ولتجاهلها تجاهلا صريحا لبنود ضمن اتفاقات الضمان الموقعة بينها والوكالة تشدد على أن تقوم إيران كغيرها وبقية الدول أعضاء الوكالة بإخطار الوكالة بمجرد تفكيرها في إنشاء موقع نووي وليس إخفائه ثم الإعلان عنه أخيرا كما فعلت بخصوص مفاعل أوردو النووي الذي بنته بالقرب من مدينة قم المقدسة. هذا بالإضافة إلى أن إيران ترفض تطبيق البرتوكول الإضافي متجاهلة القرارات الدولية التي تطالبها بذلك ما لا يساعد الوكالة في أداء مهامها لا سيما أن إيران تسعى للتضييق على المفتشين الدوليين كما لا تحرص على تقديم كل المعلومات والوثائق الهامة التي تطلبها منها الوكالة.

الجدير بالذكر أن مشروع القرار الألماني هذا يحظى وكما هو متوقع بتأييد الدول الغربية جمعاء. أما المستجد فإنه يحظى برضاء سكوتي من قبل روسيا والصين فيما يجابه بمعارضة قوية من قبل كثير من الدول النامية في مقدمتها الهند والبرازيل. من جانب أخر كان الدكتور محمد البرادعي، الذي تنتهي إدارته للوكالة يوم الاثنين، قد اختتم كلمته معبرا عن تقديره واعتزازه بالعمل كمدير عام منتخب للوكالة الدولية للطاقة الذرية لثلاث دورات كاملة. مودعا وشاكرا للدول الأعضاء ولموظفي الوكالة كل ما قدموه له من عون وتقدير. هذا ويتوقع أن تبادله الوفود كافة التعبير عن تقديرها لجهوده في ختام اجتماعات المجلس نهاية اليوم، وذلك عدا الوفد الإسرائيلي الذي لا نتوقع أن يدلي بأي أقوال.