صالون «صفية السهيل» الأدبي يعقد جلسة بغدادية بأجواء الماضي

احتفالا بيوم بغداد التي شهدت عودة 12 منتدى ثقافيا بعضها نسائي انتشر قبل عشرات السنين لكن تاريخها يعود إلى قرون مضت

أقنعت السهيل أشهر البغداديين والمعروفين بإتقانهم لحرف معينة منذ القدم بالمجيء للمنتدى وتقديم خبراتهم أمام الضيوف («الشرق الأوسط»)
TT

نجحت النائبة العراقية صفية السهيل، من خلال صالونها الأدبي الذي حمل اسمها، في نقل الحضور وبخاصة السفراء الأجانب في بغداد إلى أجواء بغداد الثقافية القديمة، ولاحظ الجميع عند دخولهم بيت السهيل للاحتفال بيوم بغداد، أنها أعدت مناظر طبيعية توحي بصورة بغداد في حقب سابقة.

فعند المدخل وقفت ثلاث نساء يرتدين الزي البغدادي القديم أمام (تنور)، وقمن بخبز (خبز العروك) بالتسمية البغدادية، ولم يستطع الضيوف وهم سفراء وأعضاء برلمان ووزراء وأدباء ومثقفون وبعض الشخصيات العربية بينهم أعضاء في البرلمان البحريني مقاومة رائحة الخبز الذكية، وتجمعوا حول التنور لتناوله وهو حار.

وكانت هناك مفاجآت أخرى، حيث أقنعت السهيل أشهر البغداديين والمعروفين بإتقانهم لحرفة معينة منذ القدم بالمجيء للمنتدى وتقديم خبراتهم لكن بطريقة قديمة، فوقف الحاج لطيف على عربة صغيرة تعلوها (بستوكة) أي أوان فخارية عرفها أهل بغداد في صناعة (الطرشي) أي المخللات، وقدم للحضور طرشي بغداديا فاخرا برائحة مغرية، وأيضا كان هناك أولاد الحاج زبالة المعروفون بصناعة عصير (الزبيب) البغدادي والحاج عنبر المتخصص بصناعة حلويات قديمة وعربات أخرى قدمت (اللبلبي) و(الباقلاء) وعربة قدمت مشروبات حارة بينها الدارسين والشاي والحامض.

زوج صفية السهيل النائب بختيار أمين استغل إتقانه لعدة لغات وأخذ يشرح للأجانب ماهية هذه الأطعمة والمشروبات وكيف عرفها أهل بغداد وفوائدها، وهذا ما استدعاهم إلى التنقل بين العربات التي أعطت فلكلورا طبيعيا رائعا جدا خاصة أن من وقفوا خلفها ارتدوا أزياء بغدادية مثل الزبون والصاية والجراوية، والأجمل أن هذه المناظر تخللتها أجواء موسيقية، وهي أيضا مستوحاة من فنون العاصمة متمثلة في (الجالغي البغدادي) والمربع والمقامات بكل أنواعها التي تفننت فرقة بغداد للجالغي في تقديمها للحضور.

في داخل حديقة واسعة جلس الحضور الذين استمعوا ولأكثر من أربع ساعات لفقرات كثيرة تنوعت ما بين محاضرات عن تاريخ بغداد وأخرى عن كتابات مستشرقين، وعظماء بغداد وولاتها، وثقافتها وأدبائها، وحتى أحلى القصائد التي تغنت في بغداد، وأغلب الكلمات ترجمت للأجنبية عدا القصائد الشعبية التي تصعب ترجمتها.

عميدة المجلس الثقافي صفية السهيل، قالت على هامش الاحتفال بيوم بغداد وأيضا عيد الأضحى المبارك «أنا أحتفل ببغداد كوني بنت بغداد، فعشيرتي عاشت داخل وحول العاصمة منذ القدم، وللأسف وجدنا أن الاحتفال بهذا اليوم اقتصر على فعالية يتيمة نظمتها أمانة بغداد، وهنا حتى البغداديون نسوا يوم مدينتهم، ولهذا فكرت بهذا الأمر وسعيت جاهدة لأنقل الحضور إلى أجواء العاصمة القديمة».

وأضافت السهيل «نتمنى أن تكون حال بغداد غير التي نراها عليه الآن، فهي بحاجة ماسة إلى مزيد من الخدمات.. بحاجة وللأسف لتخصيصات مالية لتكويرها أكثر من المخصص لها حاليا، وهي أيضا بحاجة ماسة لأمن أكثر لأن الجميع يتألم عند رؤية بغداد وهي تنزف دما بين الحين والآخر. نتمنى عودة ليالي بغداد وأمسيات بغداد قبلة الدنيا ومدرسة ومنشأ علماء العرب والعالم أجمع».

كما شهد المنتدى تكريم نخبة من كبار الشخصيات الثقافية والبغدادية والعراقية من مثقفين وعلماء وشعراء وكتاب وإعلاميين وباحثين.

فيما قدم الباحث سالم الآلوسي محاضرة عن تاريخ بغداد وانطباعات الرحالة والأجانب، وحامد السعدي نبذة عن المقام العراقي، بعدها ألقيت قصيدة للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ألقاها نجله خيال الجواهري، كما كانت هناك مداخلات للدبلوماسيين، وقصائد شعراء عرب مثل نزار قباني أيضا كانت بين الفقرات، وافتتح معرض تشكيلي ومعرض تراثي وزاوية الخطاط وألعاب ترفيهية وموسيقى تراثية.

ويذكر أنه وبعد استقرار الأوضاع الأمنية في بغداد عاد سكانها يبحثون عما افتقدوه طيلة العقود الماضية خاصة أيام حكم النظام السابق الذي كان يحضر عقد الندوات والأمسيات خوفا من أن تكون مجالس تحاك داخلها المؤامرات ضده، وفعلا فقد عادت لبغداد حتى الآن أكثر من 12 منتدى وصالونا.

وقال الخبير القانوني، طارق حرب، الذي أسس مجلسا للثقافة القانونية في بغداد، إنه خلال عقدي الثمانينات والتسعينات، كان هناك مجلسان للأهالي في بغداد، أحدهما مجلس الربيعي في الكرادة، وسط بغداد، لكن خلال الجلسات كان يمنع وبشكل نهائي ذكر قضايا تتعلق بالدين أو السياسية.

وقال حرب لـ«الشرق الأوسط»: «إن بغداد حاليا تحوي عشرة صالونات تنظر للثقافة بصور عامة من تاريخ وفلسفة ومنطق واجتماع وموروث ثقافي وشعر وقصة وقانون»، وأضاف قائلا «إن هناك صالون مجلس الفقه، الذي يعقد في السبت الثالث من كل شهر في حديقة الأمة، ومجلس الشهرستاني، الذي يعقد داخل الروضة الكاظمية، ومجلس المخزومي في منطقة الداوودي، وصالون عشاق بغداد، ومجلس قنبر علي، ومجلس ثقافي تابع لأمانة بغداد، ومجلس الصفار، وآخر مجلس كان مجلس (النائبة) صفية السهيل، الذي يعقد في الخميس الأخير من كل شهر، وهو مجلس أدبي أسس في أبريل (نيسان)».

وقال حرب «إن آخر الصالونات النسائية كان في منطقة ساحة التحرير، وتملكه سيدة عراقية أديبة، تملك مكتبة في ساحة التحرير، وأغلق في الثمانينات، وكانت هناك صالونات نسائية عربية وعراقية مهمة مثل صالون مي زيادة وصالون صالحة النقشلي، التي عاشت في أواخر القرن التاسع عشر في بغــــداد»، متــــوقعا ازدياد الصـــــالونات النسائية في بغــداد مع تحســــن الأمن فيها.

يذكر أن المنتديات الثقافية والفكرية نسبت إلى نساء كثيرات في عصور الخلفاء الراشدين والعصر الأموي والعباسي والأندلسي، مثل منتدى سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة ونزهون الغرناطية وولادة بنت المستكفي، وصولا إلى العصر الحديث مع صالونات مريانا مراش ومي زيادة وماري عجمي وثريا الحافظ وصالحة النقشلي وغيرهن.

ويعتقد بعض المؤرخين أن انتقال فكرة الصالونات الأدبية النسوية لأوروبا جاء عبر العرب خلال الفتوحات. ويذكر المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون أن العرب في الأندلس هم الذين قدموا فكرة الصالونات النسائية الأدبية لفرنسا وأوروبا عامة في القرن الثاني عشر.