أبو النور.. خيّاط دمشقي يخيط الطقم العربي التقليدي

زبائنه من سكان الريف والحارات الشعبية.. والمتصلين بالمسلسلات التلفزيونية

الخياط العربي أبو النور ومحله وزبائنه في سوق الصوف الدمشقي
TT

منذ عشرات السنين عرفت مدينة دمشق مهنة «الخياطة العربية»، التي انتشرت في سوقي الخياطين والصوف في دمشق القديمة. ولقد تخصصت كثرة من الدمشقيين في مهنة تفصيل وخياطة الأزياء العربية الخاصة بالرجال، وخاصة الجلابية والصدرية التي كان من زبائنها بشكل خاص رجال الحارات الشعبية وسكان القرى والبادية المجاورة لدمشق. ويقدّر أن عدد العاملين في هذا النوع من الخياطة العربية كان نحو 50 خياطا. في حين تخصّص آخرون في خياطة وتفصيل البدلات الرجالية على الطريقة الغربية التي كان من زبائنها موظفو الدولة والمثقّفون والبكوات والأغوات في خمسينات القرن المنصرم.

ولكن، كحال معظم المهن اليدوية، انقرضت مهنة خياطة وتفصيل الجلابيات العربية بشكلها التقليدي اليدوي نتيجةً لانتشار المصانع والورش الآلية التي تنتج يوميا عشرات الجلابيات وتبيعها في الأسواق التقليدية الدمشقية. ولم يبق في دمشق سوى «خياط عربي» واحد ما زال «صامدا» من خلال محله في سوق الصوف المتفرع من سوق مدحت باشا.. رغم عزوف الكثيرين عن التفصيل لديه لوجود الجلابيات الجاهزة والأنيقة.

يقول محمد يوسف حجّار ـ «أبو النور» ـ «الخياط العربي» الدمشقي الوحيد الصامد في ساحة هذه المهنة التي احترفها قبل 40 سنة، في حديثه إلى «الشرق الأوسط» شارحا «بسبب تراجع عدد الزبائن الراغبين في تفصيل جلابيات عربية بشكل يدوي، انخفض عدد العاملين في هذه المهنة بدمشق، في حين تبقّى عدد قليل منهم في المدن القريبة من البادية وخاصة في مدينتي حمص وحماة. وأنا أقوم بتفصيل ليس فقط الجلابية، بل الصدرية والجاكيت العربية أيضا بحيث تشكل مجتمعةً زي الرجل الدمشقي التقليدي الذي ظهر به رجال مسلسل «باب الحارة» ويظهر به أعضاء فرق «العراضة الشامية».. وهؤلاء يشكلون زبائننا بشكل أساسي مع عدد من سكان القرى الذين لا يتجاوز عددهم الألف زبون».

وتابع «أبو النور» كلامه «إننا نستخدم في التفصيل اليدوي القماش المصنّع من خيوط تركيبية ونأتي به من مدينة حلب. وسابقا، كنا نستخدم قماشا فاخرا مثل «العجمي الصوف الملون» ونسميها «صدرية ملونة»، و«التركي القطن» ونفصل منها «الصدرية السادة» (أي من غير ألوان متعددة وزركشة) وهناك تقليد لـ«العجمي» نسميها «الصدرية الجوخ» وتكون بعدة ألوان منها البيج (الأشهب) والكحلي والبني والأسود وغيرها».

يعيد «أبو النور» أسباب انقراض هذه المهنة لوجود الجاهز وبالسعر الرخيص نسبيا في حين أن أسعار اليدوي منها مرتفع. ومن الألبسة العربية التي ما زال يفصلها «أبو النور» لزبائنه «الشروال» و«الدامر».. ويقول «هذه من زبائنها أصحاب المطاعم والفنادق التراثية الذين يُلبسون العمال لديهم اللباس العربي الشامي التقليدي الفولكلوري لجذب السياح». كذلك من زبائن «أبو النور» بائعو التمر الهندي والعرقسوس الذين يظهرون في أسواق دمشق بلباسهم الشامي التقليدي مع مستلزمات المهنة من الإبريق الطويل والكاسات وغيرها. ثم هناك بعض الشباب الريفيين يقبلون على شراء هذه الألبسة للتباهي بها في قراهم، بجانب بعض شباب الأحياء الدمشقية القديمة الذين صاروا يقبلون على شراء هذه الألبسة لارتدائها في المناسبات الاجتماعية لتقليد أبطال مسلسل «باب الحارة».

وحسب «أبو النور» تبلغ تكلفة ما يُعرف بـ«الطقم العربي الكامل» الذي يضم «الصدرية» و«الدامر» و«الشروال» حوالي 6000 ليرة سورية (ما يعادل 140 دولارا أميركيا) في حين هناك موديلات شعبية أقل تكلفة. وهناك بعض السياح، وخاصة العرب، يشترون الطقم العربي خاصة من المقاس الصغير ويأخذونه هدايا لأولادهم ولأقاربهم في البلدان العربية خاصة أنه يشبه لباس ممثلي المسلسلات التقليدية التلفزيونية.

حول مستقبل المهنة، ولا يتوقع «أبو النور» أن تنقرض هذه المهنة بشكلها اليدوي «بل ستنخفض نسبة العمل اليدوي فيها، كالتخريج والتطريز، ليحل محلها العمل الآلي». وهو يروي طرفة سمعها أخيرا من أحد زبائنه، وهو رجل مسن عمره حوالي 75 سنة جاء من منطقة دوما، شبه الريفية القريبة من دمشق، وهي عن حكاية الطقم العربي الذي لبسه أول مرة. وإذ أخبره أنه لبسه لأول مرة قبل ستين سنة عندما جاء به والده من دوما إلى دمشق وفصّل له الطقم من «خرجيته» (أو مصروف جيبه) التي كانت يومذاك ربع ريال مجيدي (عملة عثمانية) وظل محتفظا بالطقم حتى الآن، وهو يقول إنه يبحث منذ مدة عن نفس القماش المصنع منه لكنه لا يجد مطلقا مثله في دمشق.