رئيس وزراء البحرين: مسيرة مجلس التعاون ليست سريعة.. ولا بطيئة

الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في حوار مع «الشرق الأوسط»: دعم دول الخليج للسعودية ضد المتسللين الحوثيين لا يحتاج لاجتماعات ولا مباحثات

TT

عند استقبال رئيس الوزراء البحريني لـ«الشرق الأوسط» أمس في قصر القضيبية، لم يمل من التأكيد أكثر من مرة على أن «(شقيقتنا الكبرى) السعودية، هي محور الاستقرار والتوازن بالمنطقة»، وأنها «العمق الاستراتيجي والامتداد الطبيعي للبحرين» ولعل اللافت أن حديث صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة عن السعودية، لا يكتمل إلا وهو يشير بسبابته إلى جهة الحدود السعودية، قائلا: «أكررها دائما على شعب البحرين.. من يحب البحرين عليه أن يحب السعودية»، كما يضيف: «لا أنسى تكريمي من قبل قادة وملوك السعودية، بدءا من الملك سعود مرورا بالملك فيصل والملك خالد والملك فهد، رحمهم الله، وكذلك ما حصل مؤخرا من تكريم هو الأكثر أهمية بالنسبة لي عندما تلقيت تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز».

ولا يمكن أن يكون هناك مسؤول عاصر مجلس التعاون، حتى قبل إنشائه، كالأمير خليفة بن سلمان، فعلى مر ما يقارب الأربعة عقود، ظل رئيسا لوزراء البحرين، لكن من يعرفه جيدا، يعرف علاقته الأكثر التصاقا بمحيطه الخليجي، خاصة السعودية والكويت.

الأمير خليفة بن سلمان يؤكد أن الآمال على قمة الكويت كبيرة، مشيرا إلى أنه على الرغم من كل ما قدمه مجلس التعاون من إنجازات، فإن تطلعات الشعوب الخليجية كانت أعلى باستمرار، وهنا يلفت إلى أن مسيرة المجلس «لم تكن سريعة، لكنها أيضا لم تكن بطيئة».

بقي أن نشير إلى أن الأمير خليفة بن سلمان حرص على استقبال «الشرق الأوسط» أمس قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، بل إنه لم ينه اللقاء إلا بعد الانتهاء منه كاملا، على الرغم من أن جلسة الحكومة الأسبوعية كانت على وشك الانعقاد بحضور جميع الوزراء.

* صاحب السمو.. مجلس التعاون الخليجي يعقد قمته في الكويت اليوم.. ودائما ما تعقد القمم الخليجية في ظرف حساس ودقيق.. ما الذي تأملونه من هذه القمة؟

ـ لقد بات التكامل الخليجي أمرا ضروريا ومصيريا لدول مجلس التعاون، ونحن نثق في حرص قادة دول المجلس، على استكمال ما تبقى من خطوات نحو تحقيق المزيد من الاندماج والتنسيق والتكامل بين دولنا الشقيقة، وأن تشهد الفترة المقبلة إنجازات عديدة على هذا الطريق من أجل خير وصالح شعوب دول المجلس.

إن أملنا كبير في أن تخرج هذه القمة بنتائج تضيف إلى ما تحقق للمجلس على مدى 28 عاما، وتلبي تطلعات شعوب دول المجلس في مزيد من التقارب والاندماج. وأن تعمل هذه القمة على وضع استراتيجيات ومشروعات ذات أبعاد اقتصادية واستثمارية وتعمل على تطبيقها، وأن يكون للقطاع الخاص دور كبير في هذه المشروعات التي يجب أن تكون ذات جدوى فنية واقتصادية سواء كانت مرتبطة بالأمن الغذائي كالمشروعات الزراعية أو أية استثمارات أخرى.

إن ما نحتاجه اليوم هو استمرار الزخم وقوة الدفع لأية مشروعات سواء القائمة حاليا أو التي ستطرح مستقبلا، والعمل على إحداث نقلة نوعية في التنفيذ والمتابعة، لأنه كلما تعاظمت الرؤى الإيجابية في التطور أو النمو، استطعنا أن نرسم مستقبلا أكثر إشراقا للأجيال القادمة.

وإنه لا مناص أمامنا من العمل الدؤوب لبلوغ هذه الأهداف متى ما توفرت الإرادة السياسية وهي موجودة بحمد الله لدى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وعلينا العمل جميعا على تنفيذها.

إن ما أمكن تأسيسه خلال العقود الثلاثة الماضية من عمر المجلس يمكن الإضافة عليه من خلال استراتيجيات جديدة تدفع بعملنا الخليجي المشترك إلى أنماط متعددة من التعاون في ضوء متطلبات كل مرحلة جديدة.

*هل ترون يا صاحب السمو أن مجلس التعاون الخليجي لا يزال على قوته التي بدأ بها مسيرته قبل 28 عاما؟

ـ من الحقائق الجلية أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية حقق إنجازات ومكاسب عديدة خلال مسيرته المباركة منذ تأسيسه في عام 1981 وحتى اليوم، فأصبح كيانا سياسيا أشاع روح الوحدة بين دوله، وبات المواطن الخليجي يتنقل بكل حرية بين دول المجلس الست، وامتدت مظلة التأمين الاجتماعي لتشمل المواطنين العاملين في غير دولهم بأي دولة من الدول الأعضاء في المجلس، وهناك تحرك دؤوب باتجاه تفعيل وتطبيق قرارات المجلس التي تسمح للمواطنين الخليجيين بممارسة العمل بحرية في أي من دول المجلس.

لكن الواقع يقتضي منا أن نعترف بأن هناك المزيد من الجهد الذي ينبغي أن يبذل، وهناك ضرورة قصوى لاستكمال بقية الخطوات التي تدفع بخطى الاندماج والتكامل بين دولنا الشقيقة، خاصة مع تحول عالمنا إلى عالم الكيانات الاقتصادية الضخمة، فالتكامل الخليجي الذي نؤكد عليه بات أمرا ضروريا ومصيريا لدول مجلس التعاون، التي عليها مواصلة السير باتجاه تحقيق المزيد من التكامل، وإزالة كافة الحواجز والعقبات التي تعترض النشاط التجاري والاقتصادي والاستثماري بينها، وأن يتاح لكل دولة عضو الاستفادة من المزايا النسبية لبقية الدول الأخرى، وأن نشهد وكما قلت سابقا قيام المزيد من المشاريع المشتركة التي تحقق قيمة مضافة لدول المجلس. لكننا أيضا نرى أن مسيرة المجلس قد تطورت كثيرا عما كانت عليه في بداية انطلاقه مطلع الثمانينات من القرن الماضي، فلا يمكن لأحد أن ينكر ما حققه المجلس من إنجازات عديدة وكبيرة طوال السنوات الماضية، سواء على صعيد التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني، والاستعداد لإصدار العملة الخليجية الموحدة.

ودعونا نتفاءل، فإن ما تحقق لدينا في 28 عاما، لم تحققه تكتلات وتجمعات إقليمية أخرى إلا في فترة زمنية أطول، ناهيك عن تعثر تكتلات وتجمعات أخرى كبيرة في العالم وتوقفها أو تأخرها عن تحقيق إنجازات مماثلة لما حققه مجلس التعاون، فنحن نسير بخطوات جيدة، وقد لا تكون هذه الخطوات سريعة ولكنها أيضا ليست بطيئة.

إنني أستطيع أن أقول إن مجلس التعاون سيبقى بإذن الله دائما وفي نمو وتطور، وإن هذا المجلس ظل قويا ومتماسكا قرابة ثلاثة عقود من عمره مرت المنطقة خلالها بتجارب مريرة، وإن إحساسنا بأن هذا المجلس سوف يبقى هدفا ساميا، وأن دوله سوف تظل قادرة على تفعيله، ليقينها بأن مجلس التعاون بات ضرورة من ضرورات أي مرحلة قادمة، فهو يجمع دولها جميعا على العمل المشترك، ونحن في نهاية الأمر دول متفقة في الرأي والموقف أمنيا واقتصاديا وسياسيا.

* لكن هناك من يرى أن عمل المجلس أحيانا لا يقوم بالدور الكبير المنوط به عندما تشتد أزمة من الأزمات في بعض القضايا، خاصة الأمنية، ومنها موضوع المتسللين إلى الأراضي السعودية؟

ـ دعنا نوجه إليكم السؤال هذه المرة: هل يتفق الجميع في البلد الواحد على كل الأمور وبالإجماع؟ أعلم أن الرد سيكون لا، فلماذا إذن نتوقع أن يكون هناك توافق أو إجماع في جميع القضايا بين الدول، قد تكون ظروف إحداها مختلفة عن الأخرى، أو لديها حساباتها التي قد لا تتفق مع هذا الموقف أو ذاك.

ولا بد أن نؤكد هنا أننا كدول أعضاء في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرتبطون باتفاقيات وتعهدات تلزمنا بالتدخل للدفاع عن بعضنا بعضا إذا ما تعرض أي منا لأي مكروه، والأمر لا يرتبط ببيان قد يصدر أو لا يصدر حول هذه القضية أو تلك، فما بيننا وما اتفقنا عليه جميعا، أكبر من ذلك.

إن موقف دول مجلس التعاون من موضوع المتسللين إلى الأراضي السعودية ووقوفها إلى جانب الأشقاء في المملكة العربية السعودية في سبيل الحفاظ على أمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها؛ هذا الموقف لا يحتاج إلى اجتماعات أو مباحثات لأنه موقف طبيعي ينسجم تماما مع ما بين دول المجلس من روابط أخوية مشتركة، ويقينها بوحدة الهدف والمصير، وإدراك الجميع أن أي مساس بأمن المملكة العربية السعودية هو مساس بأمن كل دول المجلس، لأن أمن هذه الدول كل لا يتجزأ.

وأستطيع أن أؤكد أن تعاوننا الخليجي هو تعاون فاعل، ومسعانا خير، وهو لصالح وخير المنطقة وشعوبها، وأن أي اختلاف في وجهات النظر قد يطرأ أو ينشأ يمكن احتواؤه من خلال الاجتماعات المنتظمة التي تعقدها دول المجلس على مستوى القمة أو الاجتماعات الوزارية أو من خلال اللجان. وما دامت الإرادة السياسية متوفرة فليس هناك خوف من أي تحديات قد نواجهها، فالمنطقة ظلت لسنوات وما زالت تواجه كل يوم تحديات جديدة وتطورات متلاحقة.

* ما الدور الذي يفترض على دول الخليج أن تقوم به في مثل هذه الحالات؟

دول المجلس كما أوضحت ترى أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعا، وهذا الموقف الثابت والراسخ يأتي انسجاما مع الروابط الأخوية التاريخية العميقة والراسخة التي تربط دول المجلس، والتزاما بمبادئ النظام الأساسي للمجلس الذي يكرس الإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، وتفعيلا لاتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون التي تؤكد الدفاع المشترك بين دولها.

نحن مع كل ما تتخذه المملكة العربية السعودية الشقيقة من إجراءات ردع للحفاظ على أمن وسلامة حدودها، لأنه دفاع وحق شرعي تقره جميع المواثيق للحفاظ على سيادة واستقرار وازدهار مواطنيها وشعبها. كما أننا على ثقة واطمئنان مطلق بقدرة المملكة العربية السعودية وقواتها المسلحة الباسلة على تصديها لأي عابث بالأمن والاستقرار.

كما إننا على ثقة في قدرة الأشقاء في المملكة العربية السعودية على التعامل مع مثل هذه الأحداث واحتوائها واجتثاث مسبباتها من جذورها في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين.

* بصراحة.. ألا تشتمّون تدخلا خارجيا في عمليات التسلل هذه؟

ـ علينا أن ننظر جميعا كدول في إقليم واحد إلى أمن المنطقة واستقرارها وتطورها بصورة جماعية، فلم تعد السياسات الأحادية تجدي نفعا في ظل عالم مليء بالتكتلات ولا يعترف بالنظرة والتوجهات المنفردة.

وعلينا كدول إقليم واحد الاستفادة من التجارب التي مرت بنا ودرء أية مخاطر تنعكس سلبا على مسيرتنا التنموية والتطويرية. وبطبيعة الحال، فإن المملكة العربية السعودية الشقيقة لديها كل الوقائع والحقائق والمعلومات التي تمكنها من التعامل مع هذه الأحداث بالشكل الذي تراه.

ونجدد هنا التأكيد على دعم مملكة البحرين الكامل والمطلق للمملكة العربية السعودية الشقيقة، ومساندتنا لها في الدفاع الشرعي عن أراضيها، ونحن ندين أعمال التسلل والتعدي على الأراضي السعودية، ونثق في حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله والقيادة السعودية الحكيمة، في التعامل مع هذه الأحداث، بالشكل الذي يردع كل من تسول له نفسه المس بأمن واستقرار المملكة.

* في الشأن الاقتصادي الخليجي.. هل تعتقدون أن العملة الخليجية يمكن أن تصدر وتنجح بأربع دول فقط؟

ـ لا جدال في أن الظروف التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت الحاجة أكثر إلحاحا لإصدار عملة خليجية موحدة، فالظروف الاقتصادية الراهنة تحثنا على الإسراع من أجل أن ترى العملة الخليجية النور في المستقبل القريب.

وأؤكد أنه لا توجد خلافات بين دول المجلس، بل هناك اقتناع تام لدى جميع دول المجلس بأهمية إصدار العملة الخليجية الموحدة، وهدف الجميع أن يبنى هذا الأمر على أرضية صلبة وأساس متين.

إننا نتمنى أن تنضم جميع دول مجلس التعاون إلى اتفاقية الاتحاد النقدي، وأن تشارك في إصدار العملة الموحدة، وإننا على ثقة من أن الوقت لن يطول حتى تتجاوز هذه الدول تلك الظروف، وتنضم إلى الاتحاد النقدي.

وكما تعلمون فقد تم التوافق على انضمام الدول الأربع الأعضاء حاليا في الاتحاد النقدي، والمضي في إصدار العملة الموحدة في موعدها المقرر وهو ما نرى أنه سيتم بالفعل، ونثق في أن الدول الست، وليست الأربع فقط، ستستفيد جميعا من هذا الاتحاد، ومما سيحققه إصدار العملة الخليجية الموحدة من فوائد ومزايا ستصب في مصلحة هذه الدول كافة.

* يثار بين فترة وأخرى بعض الحديث في الوسائل الإعلامية حول تدخل بعض الدول في شؤون البحرين الداخلية.. فهل تعتقدون أن لكم أعداء لهم مطامع وأهداف في بلادكم؟ ـ دعني أقل لك إننا نتعامل بهدوء وروية مع ما يمكن أن نرى فيه تدخلا في شؤوننا الداخلية، ونعالج مثل هذه الأمور عبر القنوات الدبلوماسية أو بالاتصالات المباشرة.

ونحن نتعامل بصراحة مطلقة مع الجميع ونكاشفهم بهواجسنا وأيضا بمعلوماتنا الموثقة، فقد تكون التدخلات ناتجة عن جماعات في هذه الدولة أو تلك من دون أن يكون للدولة الرسمية علم بها، وهذا أمر وارد، ومن هنا تبادر هذه الدولة باتخاذ ما يلزم حفاظا على علاقات الود والصداقة مع البحرين.

ونحن نؤكد دائما على أننا لا نتدخل في شؤون الغير ولا نسمح لأحد في المقابل بالتدخل في شؤوننا، ونحن نثق في جدوى سياساتنا في العلاقات الدولية، وما نحرص عليه من بناء علاقات الثقة والتعاون مع مختلف دول العالم، ونؤمن بأن هذا التعاون بين الدول هو السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار واستتباب الأمن في العالم، وهو الذي يتيح للدول كافة التفرغ للتنمية والبناء.

* اقتصاديا.. ما الذي تأملونه من مشروعكم الحالي للتنقيب عن النفط في بعض المناطق بالبحرين؟ قطاع النفط والغاز في البحرين شهد تطورا إيجابيا وازدهارا نوعيا، ونحن نتطلع ونعمل بكل جد على تطوير هذا القطاع من خلال توظيف أحدث التقنيات التكنولوجية ورسم السياسات الكفيلة بالنهوض به والمحافظة على ما تم تحقيقه من تطور في هذا المجال والبناء عليه.

من هنا جاء مشروع التنقيب عن النفط والغاز في المناطق البحرية أمام الشركات العالمية العملاقة بكل شفافية وبما يضمن تكافؤ الفرص، وهو المشروع الذي سيوفر استثمارات قدرها 15 مليار دولار خلال العشرين عاما المقبلة، كما أنه يعكس ثقة هذه الشركات في المناخ الاستثماري وتقديرهم لجدوى هذه المشاريع، إضافة إلى أنه سيحقق زيادة نوعية في الطاقة الإنتاجية من النفط والغاز.

ولا شك أن مثل هذه المشاريع وغيرها سوف تسهم في المحافظة على مستوى إنتاجية حقول النفط وزيادته، إضافة إلى زيادة المخزون النفطي عن طريق تكثيف عمليات التنقيب والاستكشاف بالدخول في اتفاقات الاستكشاف والمشاركة في الإنتاج مع الشركات النفطية العالمية، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تنمية إيرادات الدولة من النفط والغاز بما يخدم العملية الاقتصادية ويكون رافدا للاقتصاد الوطني.

وأحب أن أؤكد على أن البحرين مقبلة على مزيد من المرافق الصناعية التي تدعم البنى التحتية للقطاع النفطي وتسهم في تطوير الصناعات النفطية وذلك ضمن توجه الحكومة نحو تعزيز الاستثمار في هذا القطاع المهم ومواكبة آخر المستجدات التقنية لإنتاج المنتجات النفطية ذات الجودة العالية.

إن مشروعات التنقيب عن النفط هي جزء من جهود ممتدة ومتواصلة للبحث عن موارد جديدة للدخل، ليس في القطاع النفطي وحده، وإنما في قطاعات أخرى عديدة تطبيقا للسياسة التي تتبعها مملكة البحرين لتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد لهذا الدخل.

ونحن متفائلون بالنتائج الأولية، وبما أسفرت عنه المسوحات التي أجرتها الشركات العالمية في القواطع البحرية، التي تبشر بوجود النفط والغاز بكميات إنتاجية، يمكن أن تدر عائدا جيدا للبحرين في المستقبل القريب، وسنواصل جهودنا في هذا المجال والمجالات الأخرى لدعم اقتصادنا وتنفيذ مشروعاتنا الضخمة لتطوير المرافق والخدمات كافة في البحرين.

*هناك وجهات نظر متعددة ومختلفة فيما يتعلق بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على البحرين.. ما رؤيتكم في هذه المسألة؟

ـ نحن لا نقلل من تأثيرات أي أزمة قد تطرأ على الساحة الإقليمية أو الدولية، ونحرص على أن نتخذ من الاحتياطات والتدابير ما قد يجنبنا تداعيات هذه الأزمات وتأثيراتها السلبية.

ولقد بادرنا بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية منذ بدء الحديث عن تداعياتها على بعض دول العالم، فنحن ندرك أننا جزء من هذا العالم، وأننا لسنا ببعيدين عن التأثر بما يحدث فيه، وأننا ينبغي ألا نلزم موقف المتفرج وننتظر ما قد يلحق بنا من هذه التداعيات ثم نبدأ في التحرك.

* وكيف ترون سلامة البحرين من هذه الأزمة؟

ـ لعلكم تابعتم تحركات الحكومة في هذا المجال والإجراءات الوقائية التي اتخذها مصرف البحرين المركزي، وهذا التجاوب الرائع من المؤسسات المالية والمصرفية في البحرين مع هذه الإجراءات، واستجابتها لدعوة المصرف المركزي بالإسراع في نشر نتائجها المالية بكل شفافية، وهو ما بث الطمأنينة، وأكد سلامة موقف هذه المصارف وقوة أوضاعها المالية، والإعلان عن أية تداعيات طرأت على الوضع المالي والمصرفي في البحرين.

ونؤكد على أن الحكومة تتابع أي تطور للأزمة وتحديد آليات التعامل مع أي تداعيات أو تأثيرات قد تنشأ عنها على الاقتصاد الوطني، وفقا لما تتطلبه الأوضاع على أرض الواقع.

* كيف ترون البحرين بعد 10 سنوات من الآن؟ ـ نحن لا نخطط فقط لما بعد 10 سنوات، وإنما ننظر إلى أبعد من ذلك، ونرى أن من حق الأجيال الجديدة علينا أن نؤمن لها مستقبلا أفضل وأكثر إشراقا، وهذا يتطلب منا التخطيط لما ستكون عليه البحرين في المدى البعيد، ووضع منهاج عمل يحقق المزيد من الإنجازات والمكتسبات لأبناء هذا الوطن ويرفع من مستوياتهم المعيشية ويحقق طموحاتهم ويلبي احتياجاتهم وفق دراسة واقعية توائم وتوازن بين الإمكانيات والموارد المتاحة والمتطلبات المستقبلية.. كما أن مجلس التنمية الاقتصادية، الذي يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد، له رؤيته البعيدة لمستقبل البحرين حتى حلول 2030 وهي رؤية اقتصادية واجتماعية وتنموية متطورة.

ونحن ننظر إلى مستقبل البحرين بتفاؤل كبير وبكل الثقة فيما يمكن أن تصبح عليه في السنوات المقبلة، فنحن ندرك قدرة أبناء هذا الوطن على تحقيق المزيد من الإنجازات، وتجاوز الصعاب والتغلب على محدودية الموارد بالفكر المبدع وبالرؤى المتطورة وبالانتماء العميق لهذا الوطن.

* أخيرا.. اسمح لي أن أنقل لكم ما يدور في بعض الفعاليات السياسية هنا في البحرين.. فيقال إنكم يا صاحب السمو تحبون السعودية «أكثر من اللازم» وتقفون معها على طول الخط من دون النظر إلى مصالحكم الأخرى.. بماذا تردون؟

ـ نحن نعتز ونفخر بالعلاقات التاريخية والوطيدة التي تربط بين مملكة البحرين وشقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، ونقدر كثيرا مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد، والأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، تجاه البحرين وشعبها.

إن علاقتنا بالشقيقة المملكة العربية السعودية لمتانتها وقوتها لا يمكن اختزالها في كلمات، فما يجمع بلدينا من روابط تاريخية، وعلاقات ذات جذور راسخة أكبر من ذلك، ونحن في مملكة البحرين نقدر الدور السعودي المهم في دعم جهود البحرين التنموية على الأصعدة كافة، ووقوفها المعهود إلى جانب البحرين في مختلف المناسبات، ونعتز بما يقوم به خادم الحرمين الشريفين بفضل رؤيته الثاقبة من أجل تعزيز وتطوير هذه العلاقات.

إن علاقة الأخوة والجوار التي تجمعنا مع الشقيقة السعودية كانت وستظل مثالا يحتذى، فالبلدان خرجا في تطويرهما لهذه العلاقات من الإطار التقليدي للعلاقات بين دول الجوار إلى آفاق أرحب من التكامل والمشاركة على الصعد كافة، مرتكزين في ذلك على تاريخ طويل ممتد من التواصل والود والمحبة والعمل المشترك، فضلا عن وجود قيادة واعية في البلدين تؤمن بحتمية وحدة المصير بين أبناء الشعبين الشقيقين.

وأود أن أعرب عن بالغ سعادتي بعودة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد إلى أرض الوطن سالما معافى، وندعو الله جل في علاه أن يديم على سموه نعمة الصحة والعافية وأن يحفظه من كل سوء.

وإننا في مملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، استقبلنا ببالغ السعادة والسرور نبأ عودة أخينا الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام سالما معافى إلى وطنه، وجاءت مشاعر السعادة العفوية بعودة سموه الميمونة لتعبر عن وشائج الود والمحبة التي تربط بين شعبينا الشقيقين، ولتجسد مدى تقدير البحرينيين لدور سموه الكبير في تعزيز علاقاتنا الأخوية، ولما يقوم به سموه من جهد ملحوظ في دعم قضايا الأمتين العربية والإسلامية.

إن المملكة العربية السعودية هي العمق والامتداد الطبيعي للبحرين، ومن هنا فإن علاقاتنا معها هي علاقات مصيرية واستراتيجية ونموذج يحتذى في التنسيق والتشاور، ومحبتنا للسعودية هي أمر راسخ في القلب والوجدان، ونابعة من تقدير عميق للمواقف الأصيلة لهذا البلد الشقيق وقيادته الحكيمة، وإن العلاقات البحرينية السعودية هي علاقات تفرضها الطبيعة الحميمية بين البلدين والشعبين الشقيقين، فهي علاقات مفعمة بمشاعر الود الأخوي الصادق الذي تكنه البحرين للمملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا.

وإننا نعتز أيما اعتزاز بهذه العلاقات، وتقديرنا بالغ لما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية الشقيقة من عون ومساندة لمملكة البحرين.

إن ما يربط مملكة البحرين بالمملكة العربية السعودية علاقة خاصة في شكلها ومضمونها، وهي علاقة أزلية ضاربة جذورها في عمق التاريخ تزداد مع مرور الزمن ثباتا وقوة على المستويات كافة، وهي انطلقت قوية وبقيت كذلك وستبقى مزدهرة دوما بإذن الله تعالى، ثم بفضل رعاية عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأخيه عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ـ حفظهما الله ـ في إطار الثوابت والرؤى المشتركة ووشائج القربى وعوامل الالتقاء العديدة، ونعتبر هذه العلاقة نموذجا متقدما للتكامل الخليجي ولما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء. والسعودية تشكل عمقا بالنسبة لنا، ولا ينسى البحرينيون فضلها عليهم حتى في أحلك الظروف، وقد وقفت معنا كثيرا ومنذ عقود طويلة وكانت سندا لنا باستمرار وما زالت، وإن الاهتمام المتزايد من قبل القيادة السياسية في البحرين والسعودية بتطوير مجالات التعاون بين البلدين يشكل حافزا كبيرا على الارتقاء بشكل العلاقات الثنائية وتعدد مجالاته في المستقبل بما يعود بالنفع والخير على الشعبين الشقيقين.