تسجيلات فيديو وتلقين مجاني من «القاعدة» لتجنيد أصوليين عبر موقع «يوتيوب»

الأميركيون الخمسة تبادلوا رسائل مشفّرة عبر البريد الإلكتروني مع سيف الله قبل سفرهم إلى باكستان

TT

كانت السلطات الباكستانية يوم السبت تبحث عن متمرد بارز يُعتقد أنه ساعد خمسة رجال من شمال فيرجينيا حاولوا الانضمام إلى صفوف «القاعدة»، وقالت إن القضية يمكن أن تساعد على التعرف على شبكة متنامية من المجنِّدين الإرهابيين الذين يبحثون من خلال الإنترنت عن شباب راديكاليين.

ووصف المحققون الرجل، الذي يعرف باسم سيف الله، بأنه مجنِّد تبع حركة طالبان باكستان، وقالوا إنه اتصل مع أحد الرجال الأميركيين عبر موقع «يوتيوب» وتبادلوا رسائل مشفّرة عبر البريد الإلكتروني مع الحركة، ودعاهم إلى باكستان، وكان دليلا لهم بمجرد وصولهم إليها.

ولكن الرجال، وجميعهم مسلمون من مدينة الإسكندرية بولاية فيرجينيا، عجزوا عن الوصول إلى منطقة القبائل النائية التي تتركز فيها عناصر «القاعدة» لأن قادة التنظيم الإرهابي حسبوا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أرسلتهم لاختراق التنظيم، ولم يتمكن سيف الله من إقناعهم بعكس ذلك، حسب ما قاله مسؤول استخباراتي باكستاني يوم السبت.

وأضاف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه بسبب حساسية التحقيق: «حسبوا أنها هناك خداعا، وهذا هو السبب في رفضهم». واختفى الرجال الخمسة بعد عيد الشكر، وألقي القبض عليهم بالقرب من لاهور يوم الثلاثاء. ولم توجه إليهم أية تهم حتى الآن. وتشير هذه التطورات إلى الأخطار التي تطرحها شبكة موسعة ومتطورة لمجنِّدين إرهابيين من خلال الإنترنت، وتشير أيضا إلى محدودية عملية التجنيد بهذه الطريقة. ويقول محققون وخبراء في الإرهاب إن التجنيد في مختلف أنحاء العالم أصبح يعتمد أكثر على الشبكة الإلكترونية، ويلعب المجنِّدون دورا هاما في تحديد الراديكاليين المحتملين والبت فيما إذا كان من الممكن الوثوق بهم. ومع ذلك، من الواضح أن موافقة سيف الله، التي توصل إليها عبر أشهر من التواصل عبر الإنترنت مع الرجال الخمسة، لم يكن لها ثقل كبير مع التنظيم التابع لأسامة بن لادن، حيث كان يريد التنظيم شخصا يعرفهم على نحو أفضل.

ونتيجة لذلك، انتهى المطاف بالرجال الخمسة كعبيد آبقين في مدينة سارغودا الشرقية بعيدا عن ملاذ الإرهابيين في الجبال الوعرة شمال غربي باكستان التي حاولوا الوصول إليها. ويقول مسؤول باكستانيون إن الرجال حالوا الحصول على موافقة على الوصول إلى معسكرات التدريب التابعة لـ«القاعدة» بهدف محاربة القوات الأميركية داخل أفغانستان، عندما ألقي القبض عليهم.

وسافر الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما إلى الخارج من دون علم عائلاتهم، وهو ما أدى إلى عملية مطاردة دولية بعد أن اتصل الأقارب الخائفون بمكتب التحقيقات الفيدرالي. والرجال الخمسة هم رام زمزم، 22 عاما، وأحمد ميني، 20 عاما، وعمر شودري، 24 عاما، وواقر خان، 22 عاما، وأمان حسن يمير 18 عاما، وتم نقلهم يوم السبت من سارغودا إلى لاهور، حيث استجوبهم مكتب التحقيقات الفيدرالي.

واجتمعت السفيرة الأميركية لدى باكستان آن باترسون مع الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري لمناقشة قضية الرجال وتوقيت ما قال مسؤولون إنه تسليم نهائي إلى الولايات المتحدة. ولكن قال مسؤولون باكستانيون إنهم في حاجة إلى المزيد من الوقت للتحقيق مع الرجال في محاولة لمعرفة المزيد من المعلومات عن سيف الله وغيره من الراديكاليين الذين قد يكونون على معرفة بهم.

وينظر مسؤولون أميركيون في مجال تنفيذ القانون في توجيه تهمة جنائية ضد الرجال، ولكنهم قالوا إنه لا توجد تهم وشيكة، وإن قرار رفع التهم يمكن أن يستغرق أسابيع. ويقول أصدقاء الرجال الخمسة ومرشدوهم الروحيون إنهم لم يروا عليهم أي علامة على ممارسة نشاط راديكالي. ورفض أفراد عائلات الرجال الخمسة في شمال فيرجينيا التعليق على ما حدث.وتظهر هذه القضية الصعوبات التي تواجه المجنِّدين عبر الإنترنت، ولكن توضح أيضا أن التجنيد المتنامي بهذه الصورة يطرح تحديات فريدة من نوعها أمام المحققين الجنائيين الأميركيين.

ويقول مسؤولون فيدراليون إنهم كانوا على وعي بالتهديد ويشعرون بالقلق من احتمالية اعتناق أميركيين اتجاهات راديكالية عندما يقابلون مجندين عبر الإنترنت، سواء كان مسلمين أم غير مسلمين. وقال مسؤول بارز في وزارة الأمن الداخلي الأميركية يوم السبت، شريطة عدم ذكر اسمه لأن التحقيقات ما زالت جارية: «لقد تزايد التجنيد عبر الإنترنت بصورة كبيرة، من خلال موقع (فيس بوك) و(يوتيوب)، وزيادة معرفة المواطنين العلمية على الشبكة الإلكترونية».

ولكن يقول محققون جنائيون إن انتشار الاتصالات الإلكترونية يجعل من الصعب مراقبته، وأشاروا إلى أن قدرتهم على التتبع محدودة بسبب اعتبارات خصوصية ودستورية. وقال مسؤول فيدرالي في مجال تطبيق القانون، غير مخوّل للحديث علنا حول القضية: «قد يكون لدول أخرى قدرات مختلفة».

ويقول خبراء في شؤون الإرهاب إن من الأسباب التي تقف وراء زيادة عملية التجنيد عبر الإنترنت، نجاح الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وغيرها من الدول لاختراق الشبكات الإرهابية الإسلامية والمجتمعات الإسلامية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

ويجري التحقيق مع المشتبه بهم لاحتمال صلتهم بجماعة تتخذ من باكستان مقرا لها، ويعتقد أنها شنت هجمات كبيرة ولها صلات بـ«طالبان» و«القاعدة». وصودرت منهم أجهزة كومبيوتر محمول وخرائط لمدن باكستانية. وقال مسؤول أمني باكستاني: «تفكيك مصب هذه الشبكات التي تعمل عن طريق الإنترنت مهمة صعبة للغاية. طريقة الاتصال بينهم كانت الإنترنت والبريد الإلكتروني. كان الخمسة ومن على اتصال بهم يستخدمون نفس كلمة السر ويضعون رسائلهم في الجزء المخصص للمسودات دون إرسالها». وأضاف: «من الصعب جدا رصدها. إذا كان مكتب التحقيقات الاتحادي لم يستطع رصد هذه النوعية من الرسائل فكيف لنا نحن أن نرصدها.. إنها مهمة غير سهلة». ويأتي احتمال الاضطرار لتعقب نشاط شبكات المتشددين على الإنترنت في توقيت سيئ للغاية بالنسبة لباكستان، فهي تسعى جاهدة بالفعل للتصدي لمتشددين ينفذون تفجيرات وقتما يشاءون فيما يبدو، وهو ما أسفر عن سقوط مئات القتلى منذ أكتوبر (تشرين الأول)، وأثار تساؤلات حول استقرار البلاد المسلحة نوويا.

وتواجه إسلام آباد ضغوطا متزايدة من واشنطن للقضاء على المتشددين الذين يعبرون الحدود لشن هجمات ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان. ويقول بعض المسؤولين الأمنيين إن الأميركيين الذين ألقي القبض عليهم كانوا يعتزمون الذهاب للقتال في أفغانستان.

ومن بين الخمسة اثنان من أصل باكستاني. وقال مسؤولون إن أحد الأميركيين من أصل مصري، والثاني من أصل يمني، والثالث من أصل إريتري، مما يوضح كيف يمكن أن تنشر شبكة الإنترنت الشبكات المتشددة في أنحاء القارات دون رصدها.وإذا كان هناك شبان يميلون إلى ترك الغرب سعيا للجهاد فإن شبكة الإنترنت توفر مجموعة متنوعة من تسجيلات الفيديو من إعداد بعض أعنف الجماعات المتشددة على مستوى العالم لتساعدهم على اتخاذ القرار. ويتوفر تلقين مجاني من «طالبان» و«القاعدة» على مواقع مثل موقع «يوتيوب» الذي قال أحد المسؤولين إن الأميركيين الخمسة استخدموه في محاولة الاتصال بمتشددين.

ويقول إيفان كولمان، وهو محلل بارز في مؤسسة «نيفا» التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، والمختصة في مراقبة المواقع الإلكترونية للمتطرفين: «يقلّ بصورة متنامية الدور الذي يلعبه المجنِّدون داخل المساجد ومراكز الجاليات لأن مثل هذه الأماكن تخضع للتدقيق، ولذا فإن ما قام به هؤلاء الشباب هو التحول إلى الإنترنت».

ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، جعلت الاستخبارات الأميركية أولوية كبرى لاختراق تنظيم القاعدة عن طريق عملاء. ويعمل مجنِّدو التنظيم كحراس لها ولا يسمحون بالدخول لغير الجادين في التزامهم بالجهاد ومن يحتمل أن يكونوا جواسيس.

ويقول محللون إن المجنَّدين الأميركيين المحتملين يخضعون لفحص خاص من جانب «القاعدة»، ولكن يُنظر إليهم على أنهم عنصر جذب للتنظيم بسبب احتمالية وصولهم إلى أهداف أميركية لها قيمة دعائية كبيرة. ويقول خبراء إن التنظيمات الإرهابية أصبحت أشد حرصا خلال الأعوام الأخيرة بخصوص من يسمحون له بالانضمام إليهم، حيث إن الهيئات الاستخباراتية الأميركية أصبحت أكثر معرفة بطرق التجنيد لدى التنظيم. ويجوب عملاء للتنظيم الإرهابي مواقع الشبكات الاجتماعية الجهادية في محاولة لإقامة علاقة مع رجال شباب يبدو أنهم ملتزمون أخلاقيا وقادرون بدنيا على القيام بأعمال عنف باسم الإسلام الراديكالي.

وفي إحدى القضايا على سبيل المثال يعتقد أن مجنِّدا يُدعى يونس تسولي استخدم هذه المواقع للتعرّف على العشرات من الراغبين في المشاركة مع المتمردين في الحرب داخل العراق، من دون أن يحدد مكان إقامته في لندن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»