بوسنية سلب الصرب أرضها.. تتحول إلى رمز للقضايا العالقة من الحرب

فاطمة لـ«الشرق الأوسط»: أجري في المحاكم منذ 9 سنوات وبدل أن ينصفوني اتهموني بنشر الكراهية

TT

لا تزال عدة قضايا ناتجة عن حرب البوسنة عالقة بدون حلول، لا سيما تلك المتعلقة بالمظالم التي تعرض لها المسلمون في البلاد، كهدم المباني أو تحويلها إلى مصالح أخرى. ومن هذه القضايا، معاناة امرأة مسلمة بنى الصرب فوق أرضها كنيسة، وتطالب بإزالتها وسط التسويف والتأجيل. وصارت مظلمة فاطمة أورليتش، 68 سنة، بمثابة رمز للقضايا العالقة من الحرب (1992 ـ 1995). وقد قيل لـ أورليتش، إنه سيتم إرجاع أرضها لها في وقت قياسي، لكن ذلك لم يتحقق. فالأم أو الجدة، فاطمة، كما يناديها الجميع، تعاني منذ 9 سنوات بين المحاكم التي رفعت إليها شكواها ضد الجهات الصربية التي بنت فوق أرضها بدون إذن أو تفويض. بل تم اتهامها بنشر الكراهية الدينية والقومية، وحكم عليها بالسجن لمدة شهر وتغريمها 75 يورو، هي مصاريف المحكمة، ثم ألغي الحكم.

وقد علقت أورليتش على ذلك الحكم الجائر بحقها بالقول: «عندما أرادوا معاقبة فاطمة أورليتش، سارعوا لإدانتها، وعندما وجبت إزالة الكنيسة من فوق أرضي تباطأت العدالة في حسم الأمر». وأضافت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الكنيسة لا تزال مقامة على أرضي، فارغة وخالية، لكني لا أعرف لماذا وإلى حد الآن لم يزيلوها من ملكي الخاص». وفي الجلسة الأخيرة لمحكمة سريبرينتسا لم تصدر المحكمة القرار الذي كان منتظرا وهو الحكم بإزالة البناية وإعادة الأرض إلى صاحبتها.

فاطمة أورليتش كانت أول من طالب بجعل سريبرينتسا، منطقة آمنة، عندما زار الجنرال الفرنسي فيليب ماريون سريبرينتسا سنة 1993، وبعد عامين من ذلك حدثت الكارثة التي راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف مسلم. وكانت أورليتش شاهد عيان عن بعض فصول تلك التراجيديا بحكم عملها مع منظمة «أطباء بلا حدود».

وتعمدت الجهة المدعى عليها عدم حضور جلسة النطق بالحكم لتأجيل القضية إلى ما لا نهاية. وقال القاضي خير الدين خليلوفيتش أخيرا إن «جلسة المحكمة انتهت بدون صدور قرار قضائي بإزالة البناية من أرض فاطمة أورليتش لأن المتهمين لم يحضروا، ولكن في المرة القادمة سيتم إرسال خبراء إلى عين المكان لتحديد هوية الأرض وعلى أثرها سيعلن القضاء حكمه في القضية». وكان القاضي خير الدين خليلوفيتش قد ألغى في وقت سابق حكما لمحكمة بيالينا يقضي بسجن فاطمة أورليتش لمدة شهر وتغريمها 75 يورو.

وقالت فاطمة أورليتش، التي كانت عضوا في منظمة «أطباء بلا حدود» أثناء الحرب في بلادها لـ«الشرق الأوسط» إن كل ما تريده هو أن يزيلوا البناية ويعيدوا لها أرضها. وحول إلغاء الحكم السابق القاضي بسجنها وتغريمها قالت «شكرا لله ثم للقانون والناس الطيبين، هذا دليل على أني لا أكره أحدا، بدل أن يعيدوا لي أرضي اتهموني بالكراهية وأنتظر أن تكون العدالة إلى جانبي». وتابعت قائلة: «9 سنوات أجري وراء العدالة وآمل أن يصدر حكم نهائي من قبل المحكمة بإزالتها، فلدي جميع الوثائق وكل الأدلة على امتلاكي للأرض، ولا أنتظر سوى تأكيد القضاء لحقي».

من جانبه، قال وزير حقوق الإنسان والمهجرين صافت خليلوفيتش: «ما تقوم به فاطمة أورليتش يعد رمزا من رموز الدفاع عن حقوق الإنسان، وهذا يخص حق الملكية الذي أكدت عليه جميع المواثيق الدولية والمحلية لحقوق الإنسان». وأعرب عن اعتقاده أن «القضية ستنتهي بإعادة الحق لصاحبته، ونحن نثق في القضاء في هذا الخصوص».

أما فخر الدين كاركين، محامي أورليتش، قال لـ«الشرق الأوسط» إن قضية موكلتي لن تنتهي إلا بإزالة البناية وإعادة الأرض إلى فاطمة أورليتش. وحول الحكم الذي صدر في محكمة بيالينا في شرق البوسنة والقاضي بسجن فاطمة أورليتش شهرا وتغريمها 75 يورو، إذا عادت لتصريحاتها خلال عام، (قبل إلغائه) قالت منظمة «الحقيقة والعدل والمصالحة» في بيان لها «إنه لعار أن تقوم محكمة مختصة ومؤتمنة على القانون بإدانة امرأة اعتدي على أرضها وصودرت منها». وطالبت الجمعية جميع المسؤولين الدوليين والمحليين في البوسنة القيام بواجباتهم تجاه المرأة المتقدمة في السن والتي لا تريد سوى حقها المشروع في ممتلكاتها وإزالة الظلم المسلط عليها. وفي مقدمة ذلك البعثة الدولية وبعثة الاتحاد الأوروبي ومكتب منظمة المؤتمر الإسلامي والحكومة المركزية في سراييفو وكذلك الحكومة الفيدرالية وحكومة جمهورية صربسكا.

ولا تزال السلطات القضائية في كيان صرب البوسنة «جمهورية صربسكا» تماطل في حل الكثير من القضايا المشابهة لمظلمة فاطمة أورليتش رغم مرور أكثر من عقد ونصف على نهاية الحرب. ومن هذه القضايا تلك المتعلقة بفتاة تدعى عايدة ميداري، اغتصبها الصرب في بنيالوكا (240 كيلومترا شمال سراييفو) ثم قتلوها ورموا جثتها في نهر فرباس. ولا يزال القتلة مطلقي السراح يحضرون جلسات محاكمتهم ثم يعودون إلى منازلهم مطمئنين، وبعضهم موجود في السويد دون أن يطلب من الشرطة الدولية (الإنتربول)، إحضارهم، أو السلطات السويدية تسليمهم إلى القضاء. وقد حاولت جهات حقوقية تحويل هذه القضايا إلى محاكم الدولة البوسنية دون جدوى.