مسؤولون بالأمم المتحدة يكشفون مخططا لاستبدال كرزاي

الرئيس الأفغاني استشاط غضبا لدى علمه بأمر الخطة

TT

مع تكشف وقوع أعمال تزوير واسعة النطاق في الانتخابات الرئاسية الأفغانية على مدار الشهور الثلاثة الماضية، اقترح الرجل الثاني في بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، بيتر دبليو. غالبريث، أميركي الجنسية، السعي لكسب تأييد البيت الأبيض لخطة لاستبدال الرئيس الأفغاني، حميد كرزاي، طبقا لما ورد على لسان اثنين من كبار مسؤولي الأمم المتحدة. وذكر المسؤولان أن كرزاي استشاط غضبا لدى علمه بأمر الخطة، ونما إلى علمه أن غالبريث هو من اقترحها. يذكر أن غالبريث عين في منصبه بدعم قوي من ريتشارد سي. هولبروك، المبعوث الأميركي الأول لأفغانستان. وقد وقع صدام بين هولبروك شخصيا والرئيس الأفغاني بسبب الانتخابات. في مطلع سبتمبر (أيلول)، غادر غالبريث أفغانستان على نحو مفاجئ، وفصل من عمله بعد عدة أسابيع. وأعرب غالبريث عن اعتقاده بأنه جرى إجباره على الرحيل بسبب المشاحنات التي اندلعت بينه وبين رئيسه النرويجي، كاي إيد، الممثل الأول للأمم المتحدة في كابل، حول كيفية الاستجابة لما وصفه بأعمال تزوير بالجملة في الانتخابات الرئاسية الأفغانية الأخيرة. واتهم إيد بتعمد التعتيم على حجم أعمال التزوير التي استفاد منها كرزاي.

وفي إطار مقابلة معه، قال غالبريث إنه ناقش فكرة إقناع كرزاي بالتخلي عن المنصب، لكن لم يروج لها بدأب قط. جدير بالذكر أن تحذيرات غالبريث حيال أعمال التزوير تأكدت في معظمها في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما جردت لجنة مراجعة، تعمل بمساندة الأمم المتحدة، كرزاي من قرابة ثلثي الأصوات التي حصل عليها، مما حال دون فوزه بالرئاسة من الجولة الأولى وأجبره على خوض جولة إعادة. وفي الشهر الماضي، أعلن فوز كرزاي بعد انسحاب منافسه، الذي برر موقفه بأن جولة الإعادة ستفتقر إلى الإنصاف. إلا أن الكشف عن مقترح غالبريث استبدال كرزاي، الذي ورد في خطاب كتبه إيد وورد ذكره في مقابلات مع مسؤولين بالأمم المتحدة وآخرين أميركيين، يسلط الضوء على جانب جديد من الأزمة في كابل التي غلفت الأمم المتحدة والتشاحنات المريرة بين غالبريث وإيد. داخل واشنطن، جرت مناقشات قوية هذا الخريف حول إلى أي درجة ينبغي أن تقف الولايات المتحدة إلى جانب كرزاي، مع تفكير إدارة أوباما مليا بشأن السبيل للتعامل مع الانتخابات المتنازع حولها في أفغانستان. الملاحظ أن كرزاي غالبا ما تعرض لانتقادات باعتباره قائدا يفتقر إلى الفاعلية في المعركة الدائرة ضد جماعة «طالبان»، ويبدي تراخيا حيال الفساد المستشري بين العاملين المعاونين له. المعروف أن توترا بالغا يسيطر على علاقة كرزاي بالكثير من القيادات الأميركية. من ناحيته، أكد هولبروك جهله بأمر المقترح، مضيفا أنه «لا يعكس بأي حال من الأحوال الأفكار التي درستها الوزيرة كلينتون أو أي مسؤول آخر بوزارة الخارجية». وتركزت الأنظار أخيرا على غالبريث، السفير الأميركي السابق وأحد الأصوات البارزة فيما يتعلق بالعراق، بسبب الحصة التي يملكها في حقل نفطي بإقليم كردستان العراقي. من جهته، قال إيد، الذي من المقرر أن يغادر منصبه كموفد الأمم المتحدة إلى أفغانستان في مطلع العام المقبل، إن رحيل غالبريث عن أفغانستان في مطلع سبتمبر (أيلول) جاء مباشرة في أعقاب رفضه ما وصفه بـ«مقترح غالبريث لاستبدال كرزاي وإحلال آخر أكثر موالاة للغرب محله». وأضاف أنه أخبر نائبه أن الخطة المقترحة «غير دستورية، وتمثل أسوأ صور التدخل، وحال السعي لتنفيذها، فإنها لن تثير رد فعل دوليا قويا فحسب»، وإنما كذلك عصيان مدني. وأشار إيد إلى أنه خلال محادثة جرت بينهما، طلب غالبريث الحصول على إجازة لقضائها في الولايات المتحدة، ووافق إيد. يقوم مقترح غالبريث بالبدء بـ«إرسال وفد سري إلى واشنطن»، حسبما كتب إيد الأسبوع الماضي في خطاب ردا على تقرير علني انتقد أداءه صدر عن «المجموعة الدولية للأزمات»، وهي منظمة بحثية. وكتب إيد يقول «أخبرني أنه سيلتقي أولا بنائب الرئيس، بايدن. وإذا وافق على مقترح غالبريث، سيطرحانه على الرئيس أوباما مع الخطة التالية: يجب إجبار الرئيس كرزاي على الاستقالة من الرئاسة». بعد ذلك، يجري إقرار حكومة جديدة، برئاسة وزير المالية السابق، أشرف غاني، أو وزير الداخلية السابق، علي إيه. جلالي، وكلاهما من الشخصيات المفضلة لدى المسؤولين الأميركيين. ردا على أسئلة طرحتها الصحيفة، قال غالبريث إنه لم يتقدم قط بمقترح كامل بهذا الشأن، وأنه فكر فقط في بذل جهود لإقناع كرزاي بالتخلي عن الرئاسة، بحيث يمكن إقرار حكومة مؤقتة، الأمر الذي يجيزه الدستور، حال عدم إجراء جولة إعادة حتى مايو (أيار). وقال غالبريث إن الأمم المتحدة لم تخبره قط بأن هذه المحادثات كان لها دور في فصله من منصبه. واستطرد موضحا أنه «جرت مناقشات داخلية. أنا على ثقة من أنني ناقشت الأزمة وسبيل للخروج منها، لكن هذا يختلف تماما عن التصرف فعليا بناء على مثل هذه المقترحات».

وأكد أنه لم يعمل على حشد التأييد لمقترحه قط خارج نطاق الأمم المتحدة. إلا أنه طبقا لما ذكره دبلوماسي غربي، ناقش غالبريث خطته مع فرانك ريكياردون، نائب السفير الأميركي في كابل. وأكدت المتحدثة الرسمية باسم السفارة الأميركية في كابل، كايتلين هايدن، أن غالبريث أثار الخطة مع مسؤولين من السفارة، مضيفة أنها رُفضت على الفور. وقالت: «تحدث غالبريث صراحة داخل المجتمع الدبلوماسي عن مخاوفه حيال التزوير وتداعياته، وأثار التساؤلات بشأن بدائل متنوعة للانتخابات. من جانبها، عملت السفارة الأميركية على تثبيط التفكير في بدائل نظرية لعملية الانتخاب الدستورية عند طرحها من قبل أي طرف، رغم اعترافها بوجود نقاط قصور في العملية». من ناحية أخرى، قال غالبريث ومسؤول رفيع المستوى لدى الأمم المتحدة إن أحد أعضاء فريق العمل المعاون لهولبروك حضر بعض الاجتماعات التي نوقشت الخطة خلالها. لكن غالبريث أضاف أنه لا يتذكر حدوث أي اتصال بينه وبين هولبروك بشأن المقترح. من جهته، قال فيجايي نامبيار، رئيس فريق العمل المعاون للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إنه كان على علم بمقترح غالبريث الالتقاء بنائب الرئيس، جوزيف بايدن، وكسب تأييده للخطة، وعلم لاحقا بغضب كرزاي بسبب الخطة. واعترف نامبيا أن هذا المقترح كان له دور في فصل غالبريث. وقال: «كان واحدا من بين عدة عوامل». في المقابل، شدد غالبريث على أنه لم يتصل فعليا قط ببايدن أو أي من العاملين معه بشأن هذا المقترح.

*خدمة: «نيويورك تايمز»