ميليباند لـ «الشرق الأوسط»: التحريض على العنف في العراق ليس من مصلحة أحد

توجه للقراء العرب ليؤكد أن لا أحد ينوي تحويل أفغانستان إلى مستعمرة للغرب

ميليباند خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس (تصوير: حاتم عويضة)
TT

حذر وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، من وجود «أشخاص ملتزمين بالعنف في العراق يسعون لتعطيل العملية الانتخابية وردع الناخبين عن المشاركة في التصويت»، عبر تكثيف هجماتهم الإرهابية في الأشهر القليلة الباقية التي تفصل العراقيين عن الانتخابات العامة المفترض إجراؤها في مارس (آذار) المقبل. ولكن ميليباند الذي رفض توجيه الاتهامات إلى إيران أو سورية بدعم الإرهابيين «من دون وجود أدلة» على ذلك، شدد على ضرورة أن يحترم الجاران، سيادة واستقلال العراق، مشيرا إلى أنه من «مصلحة الجميع رؤية عراق تعددي ديمقراطي آمن». وقال حول تدخل محتمل لسورية وإيران في العراق، إن على جميع البلدان أن تفهم «أن التحريض على العنف ليس في مصلحة أحد، لا العراقيين ولا المنطقة».

وردا على سؤال حول الدور الذي تلعبه سورية وإيران في تغذية الإرهابيين عبر إيوائهم وتسليحهم، قال ميليباند: «ليس لدي دلائل على تدخل إيران أو سورية، ومن المهم ألا أوجه اتهامات من دون أدلة.. ولكن من المهم أيضا أن يحترم جيران العراق استقلالها وسيادتها». وكان وزير الدفاع العراقي عبد القادر العبيدي قد قال الأسبوع الماضي إن معظم السلاح المهرب إلى العراق قادم من سورية. وجاء تصريحه في أعقاب سلسلة التفجيرات التي ضربت العراق في يوم واحد وأودت بحياة نحو 130 شخصا.

وأشار وزير الخارجية البريطاني إلى تأييده التمثيل الدبلوماسي لكل بلدان المنطقة في العراق، مشددا على أن هذه الخطوة «جزء من إعادة تطبيع العلاقات بين العراق وبلدان المنطقة». ولكنه دعا العراق في المقابل إلى أن يكون «جارا جيدا»، وقال: «يجب أن يكون هناك تعهد بين العراق وجيرانه، ليتحمل كل طرف مسؤولياته... العراق يجب أن يتأكد من أن أي خلافات لديه مع جيرانه عليه تسويتها بالطرق الملائمة». ولم يوضح ميليباند إذا كان يقصد بلدا معينا، إلا أنه ذكّر بـ«تاريخ العراق»، وقال: «في كل بلدان المنطقة هناك تاريخ، تاريخ بعيد وتاريخ قريب، وأعتقد أنه يجب التعلم من التاريخ والاستفادة منه».

وردا على سؤال حول وجود قلق من احتمال تدخل إيران في الانتخابات العراقية المقبلة، كرر الوزير البريطاني رفضه توجيه الاتهامات من دون أدلة، ولكنه قال إن «الأشخاص الذين يترشحون للانتخابات في العراق، هم يمثلون العراقيين وليس أي أحد آخر أو أي بلد آخر»، وقال: «من المهم أن يحترم هذا في المنطقة»، مشيرا إلى أن هذا جزء من التعهد الذي تحدث عنه بين العراق وجيرانه في إطار المسؤوليات المتبادلة. وتعليقا على التفجيرات الأخيرة التي هزت العراق، وكان آخرها الذي وقع في بداية الشهر الحالي في خمسة أماكن مختلفة في بغداد وخلّف 500 ضحية بين قتيل وجريح، قال ميليباند: «الأشخاص الملتزمون العنف يريدون تعطيل العملية الانتخابية.. ولكن أعتقد أن معظم العراقيين يعرفون أين مستقبلهم، ويعرفون أنه ليس في التفجيرات والرصاص». وأشار في المقابل إلى أن الاعتداءات التي تضرب العراق، هي أقل اليوم مما كانت عليه قبل 9 أشهر تقريبا. وقال: «من اللافت أن إرادة الأغلبية بتسوية الخلافات عبر العملية السياسية تزداد، بينما تضعف قدرة الأقلية (باللجوء إلى العنف)».

وحول تأثير الصراعات السياسية الداخلية على الأوضاع الأمنية في العراق، قال ميليباند: «هناك نقاش يدور بين السياسيين، وهذه هي الديمقراطية، ولكن النقاش يجب أن يكون بنّاء ويصل إلى استنتاجات، ويبقى ضمن حدود الاحترام ويتم ضمن العملية السياسية وليس خارجها». وشدد على أن «قدرة السياسة على حل الخلافات أساسية لإثبات أن السياسة تنجح بينما العنف يفشل» في حلها.

وبدا ميليباند متفائلا بالوضع في البصرة بعد انسحاب القوات البريطانية منها في الصيف الماضي، وقال: «كل جزء من العراق لديه تحدياته الخاصة، ولكن البصرة لديها الثروة وحس مجتمع قوي.. وأعتقد أن البصرة لديها سبب حقيقي للشعور بأن لديها القدرة على تحقيق الآمال الاقتصادية والاجتماعية لشعبها، وهذا ما نريد رؤيته يتحقق».

وكان وزير الخارجية البريطاني يتحدث لـ«الشرق الأوسط» على هامش مؤتمر لحقوق الإنسان في العراق نظمته وزارة الخارجية البريطانية. وتحدث ميليباند على أولويات الحكومة البريطانية حول حقوق الإنسان في العراق، وعدّد ثلاث أولويات، وهي: حقوق المرأة وتحديدا الكفاح ضد العنف وجرائم الشرف. وحرية الإعلام لكي يتمكن الصحافيون من تسليط الضوء على قضايا الفساد في الدولة. والأمن. وتعقيبا على أوضاع حقوق الإنسان في العراق، قال ميليباند ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول أوضاع السجناء العراقيين ووجود بعض التقارير التي تتحدث عن أوضاعهم السيئة وحتى تعذيبهم: «أي تقارير جدية حول إساءة معاملة السجناء، نأخذها بجدية كبيرة، ونحن واضحون جدا من أن الأمن في بلدنا أو أي بلد آخر، مرتبط بما إذا كنت تحقق القيم التي تؤمن بها». وأضاف: «الاعتقال عقاب للمذنبين، ولكن العقاب يجب أن يحدد ضمن القيود التي تحكم القانون الدولي، ولذلك نحن ندعم إجراء تحقيقات في أي ادعاءات جدية حول انتهاكات حقوق الإنسان في العراق أو أي مكان آخر».

وحول متابعة قضية تعذيب جنود بريطانيين لسجناء عراقيين في البصرة، واحتمال دفع تعويضات لعائلاتهم، قال ميليباند إن القضية في عهدة وزارة الدفاع، ولكنه شدد على أن بريطانيا وضعت معايير أخلاقية لقوتها وأنها «منفتحة» عندما يتم الكشف عن أي خطأ ارتكب. وفي موضوع آخر، تحدث ميليباند لـ«الشرق الأوسط» أيضا عن الحرب في أفغانستان في وقت ترتب فيه لندن لاستضافة مؤتمر دولي حول أفغانستان في 28 يناير (كانون الثاني) من العام المقبل. واستغل ميليباند مناسبة الحديث إلى «صحيفة عربية ليوجه رسالة إلى القراء العرب»، وقال: «من المهم أن نوضح للقراء العرب بأننا جميعا لدينا مصلحة بأن نرى أفغانستان مستقرا، وأن لا أحد مهتم باحتلال أفغانستان». وأضاف تعليقا على خطة أوباما الجديدة بعد قراره بإرسال 30 ألف جندي إضافي بدءا من العام المقبل: «أفغانستان تمثل تحديا كبيرا من حيث التصميم على التمرد، وهذا لا يشكل تهديدا فقط للغرب ولكن كما ظهر في السنوات الأخيرة، أنها يمكن أن تطال الناس من كل الديانات، مسيحيين ومسلمين ويهودا».

ووصف مشاركة قوات من بلدان إسلامية في العمليات في أفغانستان بأنها مهمة جدا لتغيير نظرة البعض بأن الحرب هناك هي حرب صليبية ضد المسلمين، وقال: «من المهم جدا أن يكون هناك بلدان مسلمة ترسل جنودا إلى أفغانستان، مثل تركيا والبحرين.. واقع أن تركيا هي عضو قيادي في الناتو، وهي في قلب المناقشات حول مستقبل أفغانستان، يظهر حماقة الادعاءات بأن الحرب في أفغانستان هي ضد الإسلام». وشدد ميليباند على أن الحرب هناك هي للدفاع «عن حقوق المسلمين في أفغانستان التي هي بلد مسلم ولكن حريتها وسيادتها مهددة من قبل مسلمين آخرين».