حكاية حب وحرب بين الكاهنة البربرية وحسّان بن النعمان

مسرحية «موّال بنت لجبال»

TT

مسرحية «موّال بنت لجبال» الملحمة الشعرية الشعبية للسيرة الذاتية للكاهنة البربرية، هي حكاية حب وحرب بين الكاهنة البربرية وحسان بن النعمان: حكاية الحرب نعرفها لم تبخل بها علينا كتب التاريخ، لكن حكاية الحب هي التي جادت بها أقلام الفنانين والشعراء في ضرب من الخيال كبديل عن العنف وبحثا عن الخلاص من دمار الحرب بين البربر والعرب في زمن الفتوحات الأول.

«من المستحيل أن لا يكون حسان بن النعمان قد وقع في حب الكاهنة البربرية».. بثقة كبيرة وزهو أكبر تجزم الفنانة المسرحية وحيدة الدريدي صاحبة المسرحية، رغم أن كتب التاريخ لم تذكر لنا شيئا عن ذلك ولكن الدريدي الممثلة العاشقة لشخصية الكاهنة حد التماهي معها تقول لنا في حديث خاص: «العرب يحبون البربريات وقد سبَوا منهن الكثيرات في غزواتهم، يعشقون البربريات لأن جمالهن باهر. وبربر الشمال عموما كانت أجسادهم قوية ومتناسقة. والعرب تغريهم القوة في المرأة لأنهم غير معتادين عليها، يحبون ترويضهن كدليل سلطتهم ورجولتهم. لذلك من المستحيل أن يكون حسان بن النعمان قد التقى الكاهنة دون أن يعشقها.

هذه هي الكاهنة الأسطورية كما تتغنى بها السير الشعبية وكما جسّدتها على المسرح وحيدة الدريدي التي تعتبر نفسها سليلتها، بما أن التونسيين هم خليط من عرب وبربر ورومان ونوميد. والدريدي لم تكن مجرد مؤدية لدور شخصية تاريخية بحجم الكاهنة فقط بل تلبست صفاتها ولا بد أنها قد أحست أنها تشبهها: جمال شامخ فيه كثير من الكبرياء، وسلطوية فيها فيض من أنوثة، وأمومة طاغية.

أحبتها فأخرجت لنا عملا فرجويا باهرا، مصرة أن حسان ابن النعمان لا بد أن يكون قد أحبها، تلك قراءتها للحكاية. والفنان ليس مُجبَرا على نسخ التاريخ بل هو «خائن» بامتياز للتاريخ ليخصّب شخصياته ويولّد الحكاية من رحم الحكاية.

يقول الناقد المغربي عبد الرحمان بن زيدان: «أعادت تجميع عناصر الموضوع كاتبة النص وحيدة الدريدي في نسخته العربية الفصيحة، ليعيد كتابته الشاعر الجليدي العويني بالملحون العامي السردي وبمرجعية الفداوي أو الحكواتي الذي جسد شخصيته الممثل والراقص رضوان الهنودي الذي صاحب الدريدي في الرواية والقص».

وإذا عدنا إلى قصة الحب المستحيلة بين حسان والكاهنة، نجد أنه عندما التقى الجيشان وعندما رأى النعمان الكاهنة تتقدم جيش البربر الزاحف نحو العرب في الكرّة الأولى، وكانت محاربه بالأسلحة الثلاث: السيف والرمح والسهم، قال لها: «روحي خلف الجيش التالي، داوي المجروحين ولمي»، كما اعتادت أن تفعل النساء في حروب العرب.

ومع ذلك تمضي وحيدة الدريدي في نسج تفاصيل الحكاية:

«حسان لما هزمته في الكرة الأولى ورجع بجيشه إلى حدود برقة كان جرحه جرحين: جرح هزيمة وجرح الحب المر لفرس البربر». لذلك لما رجع بجيوشه ثانية كان يطمع في انتصار في الحرب والحب معا.

وكان اللقاء «في كوخ بعيد على حواشي البيد حسان تنحنح ودخل، على وجه مثل البدر ليلة قدر... وقال: «يا واخذتلي القلب فيه ارتاحي... لا تقربي لسلاح يكفي سلاحي، بيه نصونك وراسك وراس عيونك، ووعد مني لا نبدلك لا نخونك».

ولكن هل أحبت «ساكنة الأوراس» حسان القائد الأمير فارس بني مروان، كما أحبت من قبله الإغريقي الغريب الذي وجدته جريحا في جيش الرومان، ضمدت جراحه وعشقته وأنجبت منه ابنها الأول «يزيدن» قبل أن تتزوج ملك القبيلة البربرية وتنجب منه «يمينن» ابنها الثاني، وكما أحبت الأسير العربي الأسمر «خالد بن يزيد» الذي رفض أن يركع لها فأعجبت به لحظة عصيانه لها ورفضه الركوع أمامها أمرت بفك أسره، وادعت تبنيه ولكنها كانت عاشقة له، وقد ضمته إلى أبنائها.

هل أحبت الكاهنة حسان؟ وكيف كان ردها في حديث الكهف مع حسان؟

في الكهف قالت له: حسان يا حسان، يا فارس الفرسان، لو كان جيت وحيد، تنزل سيد، وتملك جبال النفس والوجدان، أما يا جاينا للغزو والفكان، يا جاينا ترضي بني مروان... ما عاد بالإمكان إلا كلام السيف والفرسان».

ذلك كان رد الكاهنة البربرية: لقد غلب عليها حب الأرض حبها لفارس الحرب، ولذلك أحرقت الأرض لكي لا يطمع بها أحد. واختفت الكاهنة ولم يعرف لها أثر، ويقال إنها أوصت أولادها بالإسلام، ويقال ويقال، فحياتها تفتح على احتمالات كثيرة.

بقي أن نشير إلى أن مسرحية «موال بنت لجبال» إنتاج «جوكاستا للإنتاج» لصاحبتها وحيدة الدريدي، عرضت مؤخرا في تونس وتقوم بجولة في بعض البلدان العربية والغربية مثل المغرب والأردن وباريس.