مثقفون سعوديون يستعرضون أين نجح وأين أخفق مؤتمر الأدباء الثالث

بعضهم رأى مجرد عودته إنجازا وآخرون قالوا إنه تعامل مع الوسط الأدبي بشكل مدرسي

د. عبد العزيز خوجه وزير الثقافة والإعلام
TT

انتهى قبل أيام مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث، وهو المؤتمر الذي حشدت له وزارة الثقافة والإعلام نحو 500 مثقف وأديب، وناقش 50 بحثا مكتوبا، واعتبر على نطاق واسع فرصة لتجميع الأدباء في مؤتمر متخصص ببحث أوضاع الأدب السعودي. لكن مثقفين آخرين قالوا إنهم صدموا من العرض الضعيف و«المدرسي» للمؤتمر. وقال آخرون إن المؤتمر مرّ دون أن يحرك الساكن من الأجواء الثقافية والأدبية، في وقت كانت (هذه الأجواء) بحاجة إلى عمليات «عصف» تليق بما تختزله من مكونات الإبداع.

لكن آخرين قالوا إن مجرد «عودة» المؤتمر بعد غياب طويل يُعد «إنجازا»، رغم أن المأمول كان أكبر مما تحقق بكثير، وأن اللوم لا تتحمله وزارة الثقافة وحدها بل الوسط الأدبي أيضا، الذي يمتلك «رؤية هزيلة». هذا التحقيق يستعرض أين نجح وأين أخفق مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث.

* القحطاني: هذا ليس كل شيء

* يرى الناقد السعودي الدكتور سلطان القحطاني أهمية مشاركة أكثر من خمسمائة أديب ومثقف، ومشاركة خمسين باحثا بأوراق متعددة الاتجاهات تحت إشراف لجان متخصصة، فرزت الأبحاث وأقرت بعضها واستبعدت بعضا آخر، حسب المعايير التي وضعتها، إلا أنه أقرّ بأن هذا لا يعني أن كل الأبحاث كانت جيدة وعلمية إلى الدرجة التي كانت تنشدها اللجنة.

وأوضح أن اللجنة اعتمدت محكمين وأخذت بآرائهم فيما قدموا من تقارير، وقال: «يجب علينا كنقاد نراقب الموقف عن كثب ألا نتشدد في الرأي باعتبار المؤتمر يقام بعد انقطاع طويل يئس البعض من إقامته، حتى قيض الله له من يقيمه ويرعاه، فالأبحاث التي قدمت لم يكن معظمها مبتكرا، والمحاضرون بعضهم لم يكن يملك الخبرة ليشارك في مؤتمر كهذا، وانقسام القاعات إلى اثنتين في وقت واحد فوت الفرصة على الحضور للإحاطة بكل ما يقدم، وأصبح الاعتماد على قراءة البحوث التي قامت الوزارة بطباعتها وإتاحتها للجمهور الذي جهز بعضهم نفسه للمناقشة».

وأضاف القحطاني: «أن فكرة المعرض المصاحب كانت أكثر من رائعة واستقطاب بعض الرموز العربية من بلاد المغرب العربي كانت فكرة ذكية وموفقة، وتكريم الرواد من الأدباء أحدث صدى جيدا في الوسط الأدبي، إلا أن بُعد المكان المخصص لاستضافة الضيوف عرقل حضور أغلبهم على الرغم من وجود وسائل النقل المريحة، وكثرة العدد سببت تشتت الضيوف في أماكن متعددة، مما كان سببا في تأخرهم أو غيابهم عن المنتدى الذي تقيمه الوزارة في المساء بعد انتهاء الفعاليات، وحضور بعض المناقشات الجانبية المهمة في صالة الفندق».

وقدم القحطاني مجموعة من الاقتراحات من بينها تخفيض عدد الأوراق إلى النصف أو أقل، ليتمكن الحضور من متابعة كل الجلسات في صالة واحدة. وإيجاد نزل قريب من قاعات المحاضرات، لتوفير الوقت، وإتاحة الفرصة للمشاركين للمناقشة والتعارف، وتدقيق الموضوعات بما يخدم الحركة الثقافية، وكذلك تخصيص جلسات نقاش حول وضع المثقف والأديب يتعلق بتطوير القدرات وتبني مشروع توزيع الكتب، وتكون على شكل جلسات مؤتمر وليس ملتقى.

الهاجري: الحراك والتنوع

من جانبه قال الناقد السعودي الدكتور سحمي الهاجري إن مؤتمر الأدباء السعوديين الثالث ينعقد بعد غياب طويل بعد عقد دورتيه السابقتين (1974 - 1997)، والمؤتمر يأتي مستفيدا من قرار سامٍ يوافق على عقده كل سنتين. وبرأي الهاجري إن هذه أولى النقاط الإيجابية التي تسجل لمؤتمر هذا العام. ويرى أن المؤتمر عكس حالة الحراك والتنوع التي تعيشها الساحة الأدبية والثقافية المحلية في هذه المرحلة، من خلال تنوع محاور الأبحاث التي قدمت للمؤتمر وتعددت مشارب كتابها واهتماماتهم، وتنوع أسماء المشاركين، والمناطق التي حضروا منها إضافة إلى ميزة ثالثة، وهي تكريم عدد من الأسماء التي قدمت خدمات للأدب السعودي من خلال دراساتها وأبحاثها. علاوة على المشاركة المميزة وغير المسبوقة للأديبة والمثقفة السعودية، في هذه الدورة، وكلها «إيجابيات تحسب للمؤتمر الذي حرك الساحة الأدبية في الأيام الماضية».

* الصفراني: فعالية المؤتمر

* أما الدكتور محمد الصفراني، أستاذ الأدب والنقد ورئيس مركز بحوث العلوم الإنسانية في جامعة طيبة، ورئيس تحرير مجلة «العقيق» فقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المؤتمر ترك أثرا طيبا في نفوس المشاركين والحضور تمثل في عدة جوانب؛ أبرزها تكريم أحد عشر من أدباء السعودية من مختلف الأطياف الفكرية والمذهبية بصورة تعكس قوة لحمة المجتمع السعودي والوسط الأدبي، وتقديم باحثين جدد لم يعرفوا من قبل وفي حضور بعضهم إضافة كبيرة للوسط الثقافي، وجمع أكبر عدد ممكن من الأدباء من مختلف مناطق المملكة، وطباعة سبعة كتب هي في الأصل طروحات نقدية أكاديمية متميزة، وإقامة معرض كتاب مصاحب طيلة أيام المؤتمر، وأمسية شعرية لعشرين شاعرا وشاعرة في ختام المؤتمر». لكنه لاحظ أن ثمة خللا في الاستعدادات التنظيمية تمثل في توزيع المدعوين من المشاركين في أماكن متفرقة مما يصعّب التقاءهم وتحقيق التعارف والتعاون بينهم.

ودعا وزارة الثقافة والإعلام إلى توسيع قاعدة اللجنة العلمية لتشمل الأطياف الفكرية والثقافية بنسب متساوية حتى لا يطغى على معظم الأوراق المشاركة أحادية التوجه الأدبي، موضحا أن اللجنة العلمية هي التي تحدد التوجه الأدبي للبحوث لأنها هي من يقوم بالفرز المبدئي للعناوين والملخصات قبل إرسالها إلى المحكمين. ودعا الصفراني الوزارة إلى الإعلان المبكر عن محاور المؤتمر القادم حتى يتمكن الباحثون من إعداد بحوث عميقة وقيمة وغير مبتسرة، بالإضافة إلى ضرورة استكتاب الأسماء الفاعلة في الساحتين المحلية والعربية لتوسيع قاعدة المشاركين. وذكر أنه لا ضير في أن يخرج المؤتمر عن إطار الأدب السعودي إلى الأدب العربي عموما وقضايا الأدب والنقد والأجناس الإبداعية.

المنقري: نشاط متواضع

الكاتب والقاص السعودي محمد المنقري اعتبر أن أصداء المؤتمر تدل على النشاط المتواضع والرؤية الهزيلة التي يحملها المشاركون، وضعف فهمهم لما ينبغي أن يكون عليه المشهد الثقافي وهو مشهد يصنعه الأدباء أنفسهم في البدء قبل وزارة الثقافة أو المؤسسات الرسمية.

وأبدى المنقري أسفه على أن كثيرا من الأدباء ما زال يعوّل على المؤسسة الثقافية الرسمية، ويغفل برامج ونشاطات المجتمع المدني الذي يتيح فرصة لاختبار الذات، ويفسح مجالا أوسع للتحدي وممارسة الأدوار بحرية ومسؤولية بعيدا عن الوصاية.

وأضاف: «ربما كان فشل المؤتمر صنيعة أقلام الأدباء الذين لم يقدموا أوراق عمل ترقى إلى مستوى الحدث، أو ربما كان صنيعة اللجنة المنظمة التي تعاملت مع الوسط الأدبي والثقافي بشكل مدرسي، واحتكمت إلى مبدأ الشلة الذي بواسطته تدار حياتنا بشكل عام، وتركت للأندية الأدبية بكل رداءة أوضاعها لتختار من يليق بالحضور فكانت النتائج وخيمة؛ ولكن ليست صادمة فلم يعد ثمة ما يبعث على التفاؤل إن لم يصنع الأدباء والمثقفون أنساقهم الخاصة ومؤسساتهم المدنية بجدارة ومسؤولية».