جدل واتهامات بتوظيف سياسي لكامو

مقولته عن «تفضيله أمه على تحرر الجزائر» عادت إلى الواجهة في الذكرى الـ 50 لرحيله

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع ابنة ألبير كامو ويبدو خلفهما الروائي إميل معلوف (رويترز)
TT

أثارت دعوة الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، إلى نقل رفات الكاتب الفرنسي الراحل ألبير كامو ـ الذي رحل في 4 يناير (كانون الثاني) 1960، في حادث سيارة عن عمر يناهز الـ47 عاما ـ إلى «البنتيون»، أو مقبرة العظماء، إلى جانب فيكتور هوغو، جدلا واسعا في فرنسا واتهامات بأن دعوة الرئيس الفرنسي لا تخرج عن نطاق التوظيف السياسي لذكرى روائي كبير يراد تحويله إلى سلاح آيديولوجي في يد الحاكم المسيطر، وهو الأمر الذي كان يرفضه لو كان اليوم على قيد الحياة، حسب ابنه جان، الرافض لفكرة الرئيس الفرنسي وابنته كاثرين التي أكدت مناهضته لكل أنواع التكريم المقيدة لحرية المبدع في كتابها «كامو.. وحيد ومتضامن»، الذي سيصدر يوم العاشر من ديسمبر (كانون الأول) عن دار ميشال لافو.

ضجة التوظيف السياسي للمبدع الراحل الكبير كامو الذي ربطه البعض بتركيز ساركوزي وحكومته على موضوع مفهوم الهوية الوطنية الفرنسية والإعداد للانتخابات الجهوية ـ علما بأن كامو من «الأقدام السود» أو الأوروبيين الذين ولدوا في الجزائر أثناء فترة الاستعمار الفرنسي ـ لا يعد بالضرورة طمسا موفقا لإبداعه الروائي الخالص والرائج عالميا، ودعوته لعدم انفصال فرنسا عن الجزائر لأسباب إنسانية وثقافية وسياسية، ومقولته الشهيرة عن «تفضيله أمه على عدالة نضال الشعب الجزائري» من منطلق رفض ما سماه «عنف أو إرهاب جبهة التحرير الجزائرية».

الجدل حول التوظيف السياسي لألبير كامو تزامن مع صدور كتابين يصنعان الحدث الأدبي في باريس، الأول لجوزيه لونزينيه وعنوانه «قاموس ألبير كامو» الصادر عن دار «روبير لافو» في 975 صفحة، والثاني بعنوان «الأيام الأخيرة في حياة ألبير كامو» الصادر عن دار «آكت سود» في 144 صفحة.

في الكتاب الأول استعاد لونزينيه كل المحطات الأدبية والصحافية والسياسية والشخصية لصاحب «الغريب» بشكل بيداغوجي واضح وبسيط في متناول عامة القراء، وأحاط القاموس بكل القضايا والتواريخ والمواقف التي ميزت الراحل وصنعت خصوصيته الأدبية مثل موقفه من الشمولية الآيديولوجية، والحكم بالإعدام وتصفية الاستعمار والحنين إلى البلد الأم، الجزائر، ونزعته الفلسفية التي سخر منها البعض لمستواها الفكري المحدود، مقارنة بسارتر وكتاباته المسرحية وطلبه من وزير الثقافة، أندريه مالرو، تسهيل أمر حصوله على إدارة مسرح باريسي، وفشله في الظفر بدور تمثيلي عاد في النهاية إلى النجم جان بول بلمندو وتحقيقاته الصحافية التي أثارت حفيظة الرقيب الاستعماري، مثل تحقيق البؤس في بلاد القبائل، ناهيك عن حميمياته العائلية وتفاصيل حياته الشخصية مثل إصابته المبكرة بالسل وإدمانه التدخين وجماله وشكله السينمائي الذي جعل الكثير يقارنون مظهره الخارجي بالممثل الأميركي الكبير، همفري بوغارت.

أما الكتاب الثاني «الأيام الأخيرة في حياة ألبير كامو» لم يكن فعلا معبرا عن عنوانه بدقة، وجاء في شكل تكريم مباشر لأمه التي فضلت البقاء في الجزائر (الفرنسية)، غير عابئة بما سماه عنف جبهة التحرير التي لم تفرق بين المدنيين والعسكر، حسب كامو، الأمر الذي حمله على أن يقول جملته الشهيرة في ستوكهولم يوم تسلمه جائزة نوبل عام 1957، وقت اشتداد معركة الجزائر ردا على سؤال المناضل الجزائري سعيد كسال: «أؤمن بالعدالة، لكن أدافع عن أمي قبل العدالة»، وجملته المذكورة التي زادت من شهرته هي التي عمقت الشرخ بينه وبين سارتر الذي دعا عساكر فرنسا الاستعمارية إلى العصيان.

جان دانيال، الكاتب والصحافي الشهير الذي يعد من «أقدام سود» ويساريي الجزائر الفرنسية مثل كامو.. كان أكثر المثقفين الفرنسيين تكريما لكامو من خلال ملف خاص نشره في مجلة «نوفال أوبسرفاتور» التي يترأس تحريرها، وفيلم أنجزه مع جوال كالميت تحت عنوان «ألبير كامو.. تراجيديا السعادة» وكتب دانيال يقول عن الفيلم: «أردته أن يكون رؤية شخصية عن كامو الصديق والقريب الذي عرفته مريضا بالسل وفقيرا ومدافعا عن البؤساء. كامو كان أيضا معاديا لاستقلال الجزائر، ولكنه قال عام 1945 إن الجزائر الفرنسية قد ماتت. كامو كان يحب الضحك والبحر والنساء والشمس والسعادة لكنه فكر في الانتحار وقلة من الناس يعرفون أن أكتافيوباث وشيزلو ميلوز كانا من مؤيديه في صراعه مع سارتر». في الافتتاحية التي كرسها لرفيق الدرب والعمر والمبدأ.. لم يتردد دانيال في تبرير رفض كامو فكرة استقلال الجزائر بقوله: «أتساءل اليوم إن لم أكن محقا مع كامو حينما نرى واقع أبناء الجزائر الذين يريدون الالتحاق بفرنسا».

الفيلسوف اليميني الفرنسي المعروف، والمدافع عن طروحات ساركوزي، ألان فينكلكروت، مجّد هو الآخر كامو في كتابه «قلب ذكي»، ويشترك مع دانيال اليساري في الدفاع عن كامو الذي رفض استقلال الجزائر.

وفي الجهة المقابلة حاول الكثير من المثقفين الجزائريين تفهم موقف كامو في سياق تراجيديا شخصية يصعب الفصل فيها وجدانيا وعقائديا، ولن يتردد ياسمينة خضرة (محمد مولسهول) الروائي الجزائري المعروف، ورئيس المركز الثقافي الجزائري في باريس، أحد أبناء مناضلي جيش التحرير الجزائري، في الجهر بعظمة كامو، بغض النظر عن موقفه السياسي من الجزائر (الفرنسية).