أوباما تلاحقه المهام الرئاسية.. حتى في هاواي

منتقدوه أشاروا لارتفاع كلفة الإجازة.. والمتعاطفون: اختار موطن نشأته

أوباما يوقع أوتوغرافا على تي شيرت إحدى مؤيداته أثناء وصوله إلى هاواي لقضاء عطلة الكريسماس في 20 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT

يعد باراك أوباما أول رئيس أميركي، منذ أكثر من 20 عاما، يبتعد عن البيت الأبيض وكامب ديفيد خلال عطلة الكريسماس. لكن عندما يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن البيت الأبيض يعرف كيف يصل إليه أينما كان.

كان أوباما ينشد ترانيم أعياد الميلاد مع أسرته على شاطئ خاص بهاواي يوم الجمعة، عندما قاطعهم المساعد العسكري بخبر محاولة شن هجوم انتحاري على متن طائرة أميركية. خرج الرئيس أوباما ليصل إلى الخط الهاتفي المؤمن الذي أنشئ خصيصا من أجل زيارته حتى يتمكن من إجراء المكالمات الهاتفية الضرورية.

مثل ذلك الهجوم الفاشل على الطائرة المتجهة إلى ديترويت رسالة تذكير بأن الرئيس لا يستطيع أن ينأى بنفسه أبدا عن مهامه اليومية خاصة في عصر ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001؛ فالحكومة الفيدرالية تحرك كميات هائلة من الأشخاص والمعدات لتتأكد من أن الرئيس يستطيع أداء مهمته في أي مكان يذهب إليه.

لكن معضلة الإجازات الرئاسية أعقد من ذلك، خاصة في وقت الحرب والأزمات الاقتصادية، فحتى إذا لم يحاول أحد الركاب تفجير طائرة أميركية، فإن أوباما قد سافر لقضاء عطلته في الوقت الذي أرسل فيه 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، وفي الوقت الذي يعاني فيه أميركي من بين كل عشرة أميركيين من البطالة، وبالتالي فإن أوباما خاطر بإرسال رسالة خاطئة بقضائه عشرة أيام في غرفة من خمسة أسرّة يقال إنها تؤجر بأربعة آلاف دولار في الليلة، وإن سعرها يساوي نحو 8.9 مليون دولار أميركي، في الولاية التي تبلغ مساحتها سبعة آلاف قدم مربع.

يقول المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض بيل بارتون «يعمل الرئيس ليلا ونهارا، والشعب الأميركي يعرف ذلك. أعتقد أن الشعب الأميركي يدرك أن القائد الأعلى للقوات المسلحة يجب أن يعيد شحن طاقته خاصة أنه لا يتوقف بشكل كامل عن العمل».

كان الرؤساء الأميركيون يتعرضون لمثل تلك الاتهامات طوال الوقت؛ فقد كان الرئيس جون كينيدي يقضي إحدى العطلات في هيانيس بورت بماساشوستس عندما بدأ السوفيات في تشييد حائط برلين، وكان الرئيس جورج بوش الأب يقضي عطلته بكينيبانكبورت بولاية مين، حتى خلال الفترة التي أصدر خلالها قرارا بنقل القوات إلى الخليج العربي لمواجهة الغزو العراقي للكويت. كما كان الرئيس بيل كلينتون يقضي عطلته بـ«مارثا فينيارد»، عندما أمر بإطلاق صاروخ بحري ردا على الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة على سفارتين أميركيتين في أفريقيا، إلا أنه عاد بعد فترة قصيرة إلى البيت الأبيض لإلقاء خطاب إلى الأمة من المكتب البيضاوي، رغم أن مساعديه أخبروه بأنه لا توجد حاجة ماسة لوجوده بواشنطن. وبالرغم من ضرورة ذلك على المستوى الرئاسي فقد منحت تلك العودة كلينتون الفرصة للهرب من النوم على الأريكة، وهو ما كان يحدث خلال الأيام التي أعقبت إقراره بوجود علاقة بينه وبين مونيكا لوينسكي.

لا يوجد رئيس أميركي وجهت له انتقادات بخصوص قضائه عطلاته أكثر من جورج بوش الابن، الذي قضى معظم فترة رئاسته بمزرعته التي تقع على مقربة من كروفورد بتكساس. فقد كان هناك في صيف 2001 عندما حذرت وكالات الاستخبارات من هجوم محتمل تقوم به «القاعدة» داخل الولايات المتحدة، وكان هناك أيضا بعد ذلك بأربع سنوات عندما ضرب إعصار كاترينا مدينة نيو أورليانز. وقد وجه المنتقدون له اتهامات قاسية، فقد نشر المركز التقدمي الأميركي، وهو منظمة بحثية ليبرالية في موقعه الإلكتروني في عام 2006 «غير مبال في كروفورد: الكوارث تنصب على رؤوسنا وبوش يقضي عطلته». وكان هناك كذلك في الشهر الأخير من رئاسته عندما شنت إسرائيل الحرب على غزة «بوش يرفض أن يقطع آخر إجازاته رغم تصاعد أزمة الشرق الأوسط».

ولم تصدر عن ذلك المركز الذي ينحاز لإدارة أوباما أي انتقادات بشأن العطلة التي يقضيها الرئيس أوباما حاليا. ولكن موقع «فري ريبابليك» المحافظ وجه له الانتقادات قائلا إنه في الوقت الذي «يرزح فيه الأميركيون تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، يعيش أوباما كملك بدون أن يلقى أي انتقادات من الاتجاهات الرئيسية لوسائل الإعلام». ومع ذلك، فإن مستطلعي الرأي من كلا الحزبين قالوا إن أوباما يمكنه قضاء عطلته بتلك الجزيرة أكثر من أي شخص آخر لأنه ولد ونشأ بها. ويقول مارك ملمان، الاستراتيجي الديمقراطي «يعرف الناس أن الرئيس يعمل عملا شاقا، وبالتالي فإن ذهابه لقضاء العطلة بمسقط رأسه يبدو أمرا معقولا للجميع. إنه ولد في هاواي».

من جهة أخرى، يقول راس شريفير، الاستراتيجي الجمهوري «لقد صدمني اختياره لهاواي نظرا لكل شيء، ولكنني أعتقد أن لديه عذرا نظرا لأنه قضى طفولته هناك، كما أن هاواي بلا شك أفضل من شيكاغو في ذلك الوقت من العام». وبالرغم من أن أوباما لم يعد له أي أقرباء متبقين في هاواي منذ وفاة جدته العام الماضي وانتقال أخته مايا سويتورو ـ نغ إلى واشنطن خلال العام الحالي، فإنه كان يصطحب أسرته كل كريسماس إلى هناك منذ أن أنجب ابنتيه ماليا (11 عاما) و(ساشا) 8 أعوام. وقد اصطحب أوباما هذا العام أخته وصديقيه المقربين إريك ويتكار ومارتي نيسبت وزوجتيهما.

كما انضمت فالري جاريت، أحد المستشارين البارزين بالبيت الأبيض وأحد الأصدقاء المقربين للعائلة، إلى زمرة الأقارب والأصدقاء؛ حيث كان الجمع يقيم بمنزلين مستأجرين في كيلاوا. وقالت جاريت إن الموقع كان له أثر منشط على الرئيس أوباما. وتضيف «تسمح تلك الزيارات للرئيس بإعادة التواصل مع جذوره والاحتفاء بذكرياته طفولته». وبالمثل، كان الرؤساء السابقون يذهبون على فترات منتظمة لقضاء العطلات، بل إن ليندون جونسون وريتشارد نيكسون ورونالد ريغان أشاروا إلى تلك الأماكن التي يقضون عطلاتهم بها سواء في تكساس أو كاليفورنيا باعتبارها البيت الأبيض الغربي. وقد خصص فريق عمل الرئيس بوش له مكانا يقضي وقته فيه خلال الاجتماعات التي كانت تعقد بمدرسة كروفورد. وكانت هاواي تمثل بابا خلفيا للبيت الأبيض خلال فترة حكم فرانكلين روزفلت، عندما كان الرئيس يذهب من وقت لآخر إلى فندق هاواي الملكي بهونولولو لممارسة أعماله من هناك.

وبالنسبة لأوباما، فإن قضاء الكريسماس هناك بدلا من الانتظار لفترة ما بعد العطلة كان خرقا للتقاليد؛ فقد كان آخر رئيس يغادر واشنطن لقضاء الكريسماس هو جيمي كارتر الذي ذهب إلى منزله بمنطق السهول بجورجيا. وقد احتفل كل من الرئيس ريغان والرئيس كلينتون بالكريسماس في البيت الأبيض (عدا خلال عام 1988، عندما ذهب الرئيس ريغان إلى كاليفورنيا)، بينما فضل كل من بوش الأب والابن كامب ديفيد. ولم يكن هؤلاء الرؤساء يخرجون لقضاء الإجازة قبل انتهاء فترة العطلة، وهو ما كان يمثل أمرا أقل إزعاجا بالنسبة لأطقم العاملين مع الرئيس وعملاء الاستخبارات. ومنذ وصوله يوم الخميس، نأى الرئيس أوباما بنفسه عن الأنظار؛ فلم يكن يظهر من منزله إلا خلال الصباح عندما ينتقل إلى قاعدة مارين المجاورة للقيام ببعض الأعمال الصباحية، وبعض التهاني بالأعياد، كما ظهر خلال الساعات الست التي كان يلعب خلالها الغولف مع الأصدقاء يوم السبت.

وكان الرئيس أوباما قد أعرب قبل وصوله إلى هاواي عن تذمره من أن منصبه ربما يحد من نشاطاته المفضلة مثل التزلج على الماء. وقال لشبكة الإذاعة المدنية الأميركية «لا تفضل الاستخبارات قيامي بذلك. وفي آخر المرات التي قمت فيها بذلك، كانوا يضعون مجموعة من الأشخاص على الدراجات المائية ويحيطونني بكل الأشياء، وكان ذلك مزعجا بعض الشيء بالنسبة للسباحين الآخرين. وبالتالي فلا أعرف إذا ما كنت سأقوم بذلك خلال العام الحالي أم لا، لكنني بالتأكيد سأستمتع بدفء الشمس».

* خدمة «نيويورك تايمز»