مبادرة شاملة لإعادة اللون الأخضر للبنان

بعدما تقلصت مساحته من 35% إلى 13%

إعادة تحريج المناطق اللبنانية.. فوائدها اجتماعية وثقافية واقتصادية («الشرق الأوسط»)
TT

من 35 في المائة عام 1965 إلى 13 في المائة عام 2009 تقلصت مساحة لبنان الخضراء بعدما قضت الثورة العمرانية على قسم منها والتهمت النيران القسم الباقي. واقع أرسى نتائجه السلبية على طبيعة لبنان وطقسه المعتدل وشكل عاملا إضافيا من شأنه أن يسهم في تفاقم آثار المتغيرات المناخية إذا لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان. منذ 17 عاما تعمل «جمعية الثروة الحرجية والتنمية» على مواكبة التغيرات التي تلحق بـ«أخضر لبنان» وكان آخرها «مبادرة شاملة لإعادة تحريج المناطق اللبنانية» في مختلف المحافظات لاستعادة قدر الإمكان صورة بلد لطالما تغنى به الفنانون والشعراء.

لكن قبل المبادرة وتحديدا عام 2007 بعد عاصفة الحرائق التي اجتاحت لبنان وقضت على 3500 هكتار من الأراضي الخضراء، وضعت اللجنة الوطنية التي ضمت وزارات البيئة والداخلية والبلديات والزراعة والدفاع ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة ومركز الأبحاث الزراعية وجمعية الثروة الحرجية والتنمية، استراتيجية لإدارة حرائق الغابات وذلك ضمن مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي ومدعوم من الوكالة الإسبانية للتنمية عبر مشاركة خبراء من الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة في إسبانيا، ترتكز محاورها على الأبحاث والمعلومات وتقليص الخطر عبر الوقاية وزيادة الجهوزية وزيادة فعالية الاستجابة لدى حدوث الحرائق وإعادة التأهيل. وانطلاقا من هذه الاستراتيجية وأهدافها التي أشير إليها في البيان الوزاري، لا سيما في ما يتعلق بإيجاد مساحات خضراء في المدن والبلدات وتعزيز المحميات الطبيعية وإعادة زرع مليوني شجرة سنويا في كل المناطق والوقاية من حرائق الغابات والحد من فوضى المقالع والكسارات والمرامل، أنهت جمعية الثروة الحرجية والتنمية العمل على مبادرة شاملة لإعادة تحريج المناطق اللبنانية وهدفها بالدرجة الأولى زيادة المساحات الحرجية من 13 إلى 20 في المائة من مجمل مساحة لبنان خلال 20 سنة. ويقول مدير البرامج في الجمعية جورج متري لـ«الشرق الأوسط» إن «الوصول إلى هذا الهدف يتطلب تضافر الجهود الوطنية من الحكومة والبلديات والجمعيات الأهلية وتحتاج في الوقت عينه إلى لجنة متخصصة تعمل على تنفيذ هذه المشروعات ومراقبتها». ويشير إلى أن الوصول إلى هذا الهدف يحتاج إلى رصد موارد مالية وخبرات تقنية وفنية إضافة إلى دورات تدريبية، والأهم من ذلك إلى جهة رسمية تتابع تنفيذها، ويفترض أن تكون رئاسة مجلس الوزراء التي عليها أولا الموافقة عليها وإقرارها، مما يضمن استدامة نتائجها على المدى البعيد.

أما في ما يتعلق بالخطوات التي نصت عليها الاستراتيجية وبدأ العمل بها، فهي تلك المتعلقة بالدورات التدريبية التي خضع لها عناصر الجيش اللبناني والدفاع المدني وحراس الأحراج والمتطوعون على تقنيات إدارة حرائق الغابات ومكافحتها وإعادة تأهيل غرفة العمليات المشتركة لإدارة الحرائق مع الدفاع المدني، وتدريب قوى الأمن الداخلي على التحقيق في الحرائق. كما تم توقيع اتفاقية مع كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية صارت بموجبها الثروة الحرجية، مادة في حد ذاتها تدرس ضمن البرنامج الدراسي. وفي حين يقول متري إن المعدل السنوي للحرائق في لبنان بين 1200 و1500 هكتار، يلفت إلى أن هذا الرقم وصل إلى أعلى درجاته في عام 2007 حين لامس 3500 هكتار، منها 1500 هكتار في شهر أكتوبر (تشرين الأول) فقط، معظمها في منطقة جبل لبنان. ويضيف: «مع العلم أن إعادة تحريج 20 في المائة من مساحة لبنان تتطلب زرع 36 مليون شجرة على مساحة 70 ألف هكتار، وكل هكتار واحد يحتاج إلى 500 شجرة تكلفتها 5 آلاف دولار أميركي، وبالتالي تبلغ تكلفة زرع 1.8 مليون شجرة سنويا 27 مليون دولار أميركي في سنة واحدة». في حين يلفت متري إلى أن مبادرة إعادة تحريج المناطق اللبنانية، لا يمكن أن تقضي نهائيا على التمدد العمراني ولكنها تهدف إلى تنظيم البناء للمحافظة قدر الإمكان على ما تبقى من الثروة الحرجية، يشير إلى أن عملية تحريج المساحات المتضررة تتطلب أولا إنتاج الشتلات محليا وإعادة تأهيل الأرض لزرعها، مع التركيز على أنواع الأشجار التي تنبت طبيعيا في لبنان مثل الزيتون والصنوبر والخروب.. لا سيما أنه كان في لبنان ما يزيد على 4000 صنف من النباتات بما فيها الأشجار لكن هذا العدد في تراجع مستمر. إطلاق هذه المبادرة لقي ردود فعل إيجابية لدى المؤسسات المعنية كما يشير متري، لكن الأمر يحتاج إلى مساهمات، لا سيما المادية، من القطاع العام والخاص، لكنه يلفت في الوقت عينه إلى أن الجهات المانحة والمنظمات الدولية علمت بالمبادرة وهي تبدي اهتمامها بالموضوع لكنها بالتأكيد لن تقدم أي مساعدة ما لم تلمس اهتماما رسميا ووطنيا وتدرك فعليا أن لبنان قادر على تحمل هذه المسؤولية والنجاح فيها. وعن الفوائد التي يمكن أن تنتج عن تنفيذ هذه المبادرة على الصعيد الوطني، يعتبر متري أنها اجتماعية وثقافية واقتصادية، إذ إنها تسهم في تطوير مشروعات سياحية وإيجاد فرص عمل لمئات الشباب ورفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية، كذلك ستسهم في تخفيض معدل ثاني أكسيد الكربون والآثار الناتجة عن أزمة التغير المناخي كما ترفع نسبة الأمطار المتساقطة.