2009 نهاية عقد : الكويت: 4 نساء في البرلمان.. واستمرار مسلسل الاستجوابات

انتقال الشيعة إلى الموالاة والإخوان المسلمين للمعارضة

النائبة الكويتية أسيل العوضي تحلف اليمين في 31 مايو الماضي (أ.ف.ب)
TT

تطبق الكويت عين العام الحالي وهي ممتلئة بالتجارب والمنعطفات السياسية التي أثرت ديمقراطيتها على مدى سنة كاملة.

العلامتان الأبرز في 2009، دخول أربع نساء البرلمان محمولات على صناديق الاقتراع، بعد أن وقفن طويلا في تجربتهن الثالثة بخوض الانتخابات، على المحطة الأخيرة لطريق طويل من نضال المرأة لنيل حقوقها السياسية منذ عام 1971، ثم صعود رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد منصة الاستجواب لاتهامات تعلقت بوجود مخالفات في مصروفات مكتبه وكذلك تقديمه أموالا لنواب، لكنه دخل جلسة سرية نوقش فيها الاستجواب فحصل على ثقة البرلمان بعد أن أسقطت الأغلبية طلبا للمعارضة بعدم إمكان التعاون معه.

وعلى الرغم من أن المرأة استطاعت دخول البرلمان، فإن موضوع الحجاب والزي الشرعي أخذ نصيبا من الجدل، بانعكاس لثنائية العلاقة بين التيارين الأوسع الليبرالي والإسلامي، كون الحكومة تضم وزيرة ليبرالية غير محجبة، وتجلس بين النواب نائبتان ليبراليتان لا ترتديان الحجاب، ما دفع بالنواب الإسلاميين إلى التوجه لإدارة الإفتاء لتفسير مصطلح الزي الشرعي الذي ورد في قانون الانتخابات، حيث نص على إشراك المرأة في العمل السياسي على أن تلتزم بالزي الشرعي، إلا أن المحكمة الدستورية وهي أعلى درجة في القضاء الكويتي، فصلت في ذلك، وأكدت أحقية النائبتين والوزيرة بممارسة العمل السياسي من دون اشتراط ارتدائهن للحجاب.

سياسيا، تشكلت خلال العام الحالي 3 حكومات، مقابل برلمانين، وأفضت حصيلة العلاقة بينهما إلى 8 طلبات استجواب، 4 منها بحق رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، والأربعة المتبقية توزعت على اثنين بحق وزير الداخلية، واستجواب بحق النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ومثله لوزير الأشغال العامة.

دأبت الكويت على أن تكون دائما في قلب الحدث، إن لم تكن هي الحدث، فقد بدأت عامها على وقع تشكيل حكومي هدف لاحتواء فراغ سياسي خلفه تصعيد نيابي، إثر إقرار الحكومة مشروعا لإنشاء مصفاة جديدة لتكرير النفط، ما دفع نوابا إلى مساءلة رئيس الوزراء، لتنسحب الحكومة من البرلمان خالقة فراغا سياسيا دام شهرين، لتقدم بعدها استقالتها احتجاجا على مغالاة البرلمان في علاقته معها، ليعيد أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد تشكيل الحكومة في بداية يناير (كانون الأول) من العام الحالي، إلا أنها لم تدم طويلا، إذ سرعان ما عادت واستقالت في مارس (آذار) للدواعي نفسها، ما حدا بأمير البلاد إلى حل البرلمان قبل أن يتم عاما من عمره، والدعوة لانتخابات مبكرة.

وبعد الانتخابات التي أجريت في مايو (أيار)، عاد الشيخ أحمد الفهد بالتشكيل الحكومي الجديد، ودخل مجددا دائرة الضوء بعد ابتعاد دام ثلاثة أعوام حاملا حقيبتي الإسكان والتخطيط، ما جعله نائبا لرئيس مجلس الوزراء لشؤون التنمية، ليعطي ذلك انطباعا بأن الحكومة عازمة على مواجهة البرلمان، نظرا لاحتراف الشيخ أحمد في التعامل مع البرلمان، وكونه أحد أبرز اللاعبين من أبناء الأسرة الحاكمة على الصعيد السياسي، وهو ما انعكس لاحقا في مواجهة الحكومة خمسة طلبات استجواب أحدها بحق رئيسها الشيخ ناصر المحمد، وخروجها من جميع المواجهات مع المعارضة النيابية منتصرة، ومن دون أن تخسر شيئا، ما أكد قناعة أن الشيخ أحمد هو صمام الأمان ومنظم العلاقة بين الحكومة والبرلمان.

ويدور حديث مستمر في الكويت حول تأثير الإعلام على السياسة، إذ يتهم عدد من نواب البرلمان صحفا وقنوات فضائية محلية بالانحياز ضدهم، وتأليب الشارع عليهم من خلال التركيز على السلبيات وإظهار ما يقومون به على أنه شخصي وموجه ضد أشخاص، فيما هو في الأصل عمل مؤسسي وعلاقة بين السلطتين.

وتنطلق القنوات الفضائية والصحف الموالية للسلطة في موقفها من استياء أبداه أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في أكثر من مناسبة من الممارسات التي يقوم بها نواب من تعطيل للمشروعات الحكومية، وتصعيدات غير مبررة، ما أدى إلى تعطل البلد ودخولها في حالة شلل دام أكثر من ثلاث سنوات.

وتوترت العلاقة بين السلطتين أكثر من مرة طوال العام الحالي، ما أدى إلى رواج أنباء في مارس (آذار) الماضي سبقت حل البرلمان عن وجود توجه لتعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان لمدة ثلاث سنوات حتى يتسنى للحكومة العمل منفردة وبهدوء على إنجاز عدد من المشروعات التنموية.

وقد دعا أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في أكثر من مرة النواب والوزراء إلى العمل معا بهدف الإنجاز وتبديد مشاعر القلق والإحباط لدى المواطنين وبث الأمل والتفاؤل، وأيضا شدد على أنه سيراقب بنفسه أداء البرلمان والحكومة من منطلق مسؤوليته.

لكن بعد عبور رئيس الوزراء جلسة الثقة في البرلمان منتصف الأسبوع الماضي، بات من الواضح أن الحكومة تمتلك أغلبية مريحة بين النواب، فقد صوت لمصلحته 35 نائبا من أصل 50 نائبا، وهو ما يعني أن الحكومة فعليا تستطيع تمرير أي مشروع تريد بأغلبية ثلثي المجلس، متى ما احتسبنا أصوات الوزراء أيضا.

وسيتحتم على الشيخ ناصر المحمد التعامل مع البرلمان وفقا للأدوات الدستورية التي يملكها كلا الطرفين، فالنواب بيدهم الأسئلة والمقترحات وإصدار القوانين، بينما بإمكان الحكومة رد القوانين التي لا تقتنع بها، وكذلك إحالة ما ترى أنه غير دستوري للمحكمة الدستورية قبل أن تتعامل معه، سواء كان سؤالا أو استجوابا أو حتى قانونا.

وقد أدت جميع محالات تدجين المعارضة السابقة إلى عودتها بقوة، إذ تمكن 29 نائبا من استعادة مقاعدهم بعد الانتخابات الأخيرة، وبعضهم عاد بمراكز متقدمة، ما أدى إلى ضرورة التماشي مع متطلبات البرلمان، وبالتالي صعود رئيس الحكومة منصة الاستجواب لأول مرة في تاريخ الكويت الدستوري العائد إلى عام 1962.

ويعد الشيخ ناصر المحمد خامس رئيس للحكومة في تاريخ الكويت، حيث سبقه في منصبه أمراء الكويت الراحلون الشيخ صباح السالم، والشيخ جابر الأحمد، والشيخ سعد العبد الله، والأمير الحالي للبلاد الشيخ صباح الأحمد.

وتغير في الكويت ميزان القوى وأطراف المعادلة، فقد كانت قوى المعارضة عادة ما تتشكل من نواب التجار وممثلي الدوائر الانتخابية الحضرية، وأصبحت اليوم تتشكل من نواب إسلاميين وقبليين، وهو ما أدى إلى تغير نمط التصعيد والتعامل مع الملفات الحكومية، وكذلك الأولويات، كما أدى هذا بدوره إلى انتقال النواب الشيعة إلى الموالاة بعد أن قضوا سنوات طويلة في صفوف المعارضة، وتزامن ذلك مع تحول حركة الإخوان المسلمين إلى قوى المعارضة منهية 30 عاما من تمثيلها في السلطة.

وبحسب الاستجوابات المقدمة، فقد وجه نواب الإخوان المسلمين في البرلمان السابق استجوابا بحق رئيس مجلس الوزراء، حملوه فيه مسؤولية تراجع البلاد وفقدان هيبة الحكم والإدارة، واستشراء الفساد، وهو ما اعتبر إعلانا بإنهاء العلاقة التي ربطتهم بالسلطة، كما انحسرت لاحقا شعبيتهم، وأصبحوا ممثلين بنائب واحد بعدما كانوا ثلاثة في الدورة السابقة، فيما ارتفع عدد النواب الشيعة في البرلمان من 5 في الدورة السابقة العام الماضي إلى 9 في الدورة الحالية.

وبصعود رئيس الحكومة منصة الاستجواب، خلال العام الحالي، وتغير موازين القوى، وما تلاه من إبطال لـ«فزاعة» الاستجوابات، باعتلاء ثلاثة وزراء ورئيسهم المنصة، وكذلك وجود أغلبية مريحة للحكومة داخل البرلمان، ووجود الشيخ أحمد الفهد في الصف الأمامي للبرلمان، حيث يجلس الوزراء، سيبقى التحدي أمام الحكومة هو إنجاز مشروعات تعزز من وجودها وتعطيها ثقة شعبية، خاصة بعد أن تعطلت الكويت قرابة الثلاثة أعوام بسبب التجاذبات السياسية بين الحكومة والبرلمان.