ذكرى عاشوراء في بيروت تضمنت شعائر ومسيرات وإعلان مواقف سياسية من «أمل» و«حزب الله»

الأجواء الكربلائية تعايشت وزينة الأعياد المسيحية ببيروت

TT

ارتبطت التصريحات السياسية لغالبية المسؤولين في «حزب الله» وحركة «أمل» مع إحياء ذكرى كربلاء التي بدأت في الأول من شهر المحرّم وانتهت أمس الأحد، في العاشر منه بشعائر تتضمن مسيرات وتلاوة لسيرة الإمام الحسين ورفاقه في واقعة كربلاء. وبالتالي لم تستطع عطلة الأعياد في لبنان أن تخفف من حدة المواقف التي تكثفت هذه الأيام، والتي وجدت من المجالس الحسينية منبرا لتوضيح المواقف والرد على بعض «الاستفزازات»، لتدل متابعة هذه التصريحات على حجم التداخل السياسي على خط الذكرى، بحيث لم يغب القرار 1559 والعلاقات المميزة مع سورية والطعن بالبند السادس من البيان الوزاري للحكومة اللبنانية والمتعلق بسلاح «حزب الله» الذي أعلن عنه الرئيس السابق ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل عن أي مجلس حسيني استضاف وزيرا أو نائبا أو مسؤولا من «حزب الله» وحركة «أمل». وبمعزل عن السياسة، برز هذا العام في الشارع البيروتي مشهدان متناقضان نتيجة تزامن ذكرى عاشوراء مع فترة الأعياد، وتداخل المناطق التي تهتم كل منها بمناسبتها على طريقتها، ففي الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية ارتفعت الزينة التي صنفت من بين الأجمل عالميا، وأغرقت المكان بأنوارها المتلألئة على الأبنية والأشجار المزدانة بكل ما يبهر، في حين أعدت عدة الحزن في الشوارع المتفرعة من الوسط للجهة الغربية من بيروت، امتدادا من منطقة البسطة، مرورا بزقاق البلاط ووصولا إلى برج أبو حيدر وحي اللجا ومشارف شارع مار إلياس. تلك المناطق، بالإضافة إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، تعيش أجواءها الكربلائية لمناسبة ذكرى عاشوراء التي تصل إلى ذروتها اليوم الأحد مع العاشر من محرم. هذا التناقض بين الفرح والعزاء تبدأ مظاهره مع الإعلام السود المنتشرة على أعمدة الكهرباء، لا سيما بالقرب من الحسينيات. حيث ترتفع لافتة على مدخل إحداها كُتب عليها «قمر بني هاشم»، إلى جانب أخرى تحتلها عبارة «عاشوراء: إحقاق الحق» أو «عاشوراء: انتصار ثورة الحق». وبين هذه وتلك مئات اللافتات الصغيرة وعبارات «السيدة زينب» أو «الإمام الحسين» أو «هيهات منا الذلة» و«يا ثارات الحسين» و«كل يوم عاشوراء.. كل أرض كربلاء».. و«حسين مني وأنا من حسين».

لكن الجديد في عاشوراء هذا العام ازدياد عدد الخيام السود الصغيرة التي لا تتسع سوى لثلاثة أو أربعة كراسي على الأرصفة في الشوارع البيروتية في حين لا وجود لها في أحياء الضاحية. والتي تقتصر مهمتها على بث سيرة الإمام الحسين وموقعة كربلاء عبر مكبرات الصوت على امتداد ساعات النهار والمساء. وحتى يكتمل المشهد غالبا ما يترافق صداها مع صدى «الندبيات» التي تتصاعد من سيارات الشباب الذين يجوبون الشوارع. ويغلب على هذه «الندبيات» الشعر باللهجة اللبنانية المحكية على خط المناسبة. ولا نسمع السيرة الحسينية المألوفة بقراءة تغلب عليها اللهجة العراقية أو البحرينية أو حتى العربية المطعمة باللهجة الإيرانية، إنما بعض مواويل العتابا والميجانا بعد تغيير كلماتها لتتوافق مع مناسبة ذكرى الإمام الحسين لتبرز اللهجة البعلبكية والجنوبية في الحداء والندبيات. كذلك بدأ يشتهر بعض الشعراء المتخصصين في «الندبيات»، ومنهم الشاعر محمد علوش، الذي نظم قصيدة «مرسوم اسمك بسواد العين.. حسين يا رمز الشهامة». وفيها يسترجع موقعة كربلاء بكلمات تقول: «مرسوم اسمك بسواد العين.. موشوم رسمك في الخافقين.. بصدق الوفا مجبول.. بلون المجد مغزول.. خلقنا واول نفس بنقول.. يا لثارات الحسين.. طهر العمامة عم يفوح... خيل الغدر داس الصدر.. ودمك عطر عنبر بالمدى بيبوح.. يا لثارات الحسين».. ليصف بعد ذلك «الرايات التي لا تركع.. تحت جناحك يا حسين (...) كربلا الحرة عرينك.. الكرامة سيف بيمينك...»، ليختم: «حسين يا رمز الشهامة.. اسم عنوان الكرامة.. شيعتك ليوم القيامة بتمشي على دربك يا حسين». والقصائد المشابهة كثيرة وكلها حماسية وإن كانت حزينة. هذه السلوكيات التي تعتمد مكبرات الصوت طوال الوقت اعتبرها البعض استفزازية. لكن أحدا لم يشر إليها منعا للاحتكاك، لا سيما أن الأجواء التوافقية هي الغالبة. في حين رأى فيها البعض الآخر «شهرا بالانتصار لفريق على آخر وبالتالي لا لزوم للتعليق».

إلا أن الشباب الملتزمين «حزبيا» يعترضون على هذه الأساليب، فهم يرفضون إحياء الذكرى بهذه الطريقة، ويعتبرونه غير لائق. وقد أكد أحدهم أن «هناك تحريما لها». وأضاف أن: «عاشوراء مناسبة للعودة إلى الإسلام الحق وإلى بذل النفس في سبيل المبادئ الإسلامية». وأشار إلى أن «إحياء الذكرى لا يهدف إلى التباهي وإنما إلى التآخي والالتفاف حول مفهوم المقاومة». وأضاف: «نحن نحرص على إظهار هذه المفاهيم من خلال تحضير ما يلزم ليشعر الجميع أن هذه الذكرى عامل موحد لا تقسيمي».

اللون الأسود يغلب على لباس المشاركين في مجالس عاشوراء، ليس فقط عندما يأتون إلى الخيام أو الحسينيات للاستماع، إنما طوال الأيام العشرة. والأسود للنساء والرجال على حد سواء، بحيث يبدو من يخالف هذه القاعدة نافرا وسط المجموعة.

أما قراءة السيرة، فهي تختلف بين منطقة وأخرى، أو بدقة أكثر بين خيام «حزب الله» وخيام «أمل». ففي الأولى التنظيم ملحوظ أكثر وكذلك «الضيافة عن روح أبا عبد الله الحسين» التي تتنوع أكثر مع اهتمام الفريق النسائي بتحضير بعض أنواع الحلويات إضافة إلى راحة الحلقوم والبسكويت. في حين يبقى التنظيم أقل ضبطا في خيام الحركة لتقتصر الضيافة على البسكويت وراحة الحلقوم.

وغالبا ما تبدأ السيرة الحسينية مع الضيف السياسي الذي يتكلم في موضوعات الساعة بما يتفق مع موقف حزبه. بعد ذلك يعتلي المنبرَ شيخ أو قارئ بصوت جهوري وبنبرة فيها الكثير من الشجن ليقدم بعض الإرشادات الدينية من سيرة «النبي محمد وأهل بيته الطاهرين»، ثم يباشر في رواية وقائع كربلاء، كل يوم بيومه على امتداد الأيام العشرة. وما إن يدخل إلى هذه الشعائر حتى تخفت الأضواء وتتركز على وجه القارئ في حين ينخرط الجالسون في البكاء الذي يصل أحيانا إلى النشيج. وتختلف أسعار القارئين بحسب مكانتهم ورخامة صوتهم وبراعتهم في رواية السيرة. ويشير الشباب إلى أن أحد هؤلاء يتقاضى ألف دولار عن كل مجلس، في حين يكتفي البعض بمبلغ إجمالي يتقاضاه نهاية الأيام العشرة. وهناك من ينذر أحياء الذكرى بلا مقابل.