خلاف تشهده الساحة الثقافية المغربية في أشهر قليلة

محمد بنيس يتهم خداري ونجمي بالاستيلاء على مؤسسة «بيت الشعر» لاعتبارات حزبية

الشاعر محمد بنيس
TT

تفجر خلاف في مؤسسة «بيت الشعر»، وهو ثاني خلاف تعرفه الساحة الثقافية في المغرب بعد آخر أدى في وقت سابق إلى استقالة عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب. وفي هذا السياق، انتقد الشاعر محمد بنيس الشاعر نجيب خداري رئيس مؤسسة «بيت الشعر» التي تضم شعراء مغاربة، كما وجه انتقادات شديدة اللهجة إلى الرئيس الأسبق للمؤسسة الشاعر حسن نجمي. وقال بنيس إنه تعرض «للإقصاء»، واصفا ما يحدث بأنه «خيانة لبيان وميثاق تأسيس المؤسسة». في حين نفى خداري ممارسته أي إقصاء للشاعر بنيس، وقال إن ردا مفصلا على رسالته التي وزعها على الصحف سيصدر في وقت لاحق.

كان بنيس في رسالته المفتوحة إلى خداري قد قال إنه انتظر سنة منذ رئاسته للمؤسسة من أجل الكتابة إليه، إذ اعتبر أن اختياره رئيسا لبيت الشعر جاء بصفته الحزبية (ينتمي إلى حزب الاستقلال متزعم الائتلاف الحكومي). وأضاف بنيس أنه على الرغم من كونه أحد المعلنين عن تأسيس هذه المنظمة، وترؤسه لها لثلاث ولايات امتدت من عام 1996 حتى 2003، نجح خلالها، بفضل أصدقائه من الأعضاء الذين ظلوا إلى جانبه أوفياء، في إعطاء هذه المؤسسة معنى التأسيس، فإنه شاهد كيف أن الرئيس الجديد وأصدقاءه قد تنكروا لذلك، وكيف أنهم عملوا على محوه من الذاكرة الثقافية.

كما وجه بنيس اتهامات إلى نجمي، وهو رئيس سابق لاتحاد كتاب المغرب، سبق أن حاول، من وجهة نظره، الاستيلاء على مؤسسة بيت الشعر «بمؤازرة أعضاء سياسيين، بعد أن رأى في هذه المؤسسة غنيمة»، على حد تعبير بنيس، الذي قال كذلك إنه عمل مع مجموعة من الأعضاء على أن تصبح هذه المؤسسة، في فترة محدودة من الزمن، منارة دولية للشعر والشعراء المغاربة، معتبرا أن انتخاب رئيس في اجتماع عام لا يحترم تقاليد «بيت الشعر» تكريس لعودة السياسي لإخضاع الشعر والشاعر، بعد أن تحررا من تلك التبعية على مدى سنوات.

وأضاف أن نجمي حقق ما أراد بكل يسر، بعد أن أصر على عدم احترام توفر شروط عقد الاجتماع العام. كما أوضح أن السلطة التي توفر عليها سياسيون في حكومة التناوب والحكومة الحالية، وضعت بين يدي نجمي نفوذا استغله لبلوغ غايته. واعتبر بنيس ما سماه «الاستيلاء على بيت الشعر» خيانة لفكرة «البيت»، باعتبارها فكرة حرة من أعباء لا شأن للشعراء بها، تهدف إلى حفظ كرامة الشعر والشعراء المغاربة، بعد أن كان اليتم مصير كل منهما، حسب ما أكده كل من «بيان التأسيس» و«الميثاق». كما أوضح بنيس تمثل خيانة الفكرة في «بث روح العداء بين الأعضاء، بدلا من روح الصداقة والأخوة»، وتحويل «البيت» إلى «مكان مغلق على المكيدة والإلغاء، بعد أن كان مكانا للقاء والتضامن، مفتوحا من دون أبواب على علاقة السلام من الإنسان إلى الإنسان». وأشار بنيس إلى أن «من واجب الشاعر أن يفكر في الألم الجماعي، ويحتضن الفكرة، ويربط بينها وبين مسلكه في الكتابة والحياة والمقاومة»، مشيرا إلى أن «بيت الشعر»، ومعنى الشعر والشاعر، يقوم على «التعدد والاختلاف»، موضحا أنه لا توجد مشكلة مع السياسي مطلقا، «بل مع من يفرضون الرقابة على حقيقة السياسي، فيجعلونها لا تقبل التعدد والاختلاف، ومن يحصرون السياسي في استحواذهم على الحق في التقاسم، ويستغلون السياسي لصالح هيمنتهم واستبدادهم».

كما أوضح أن النتيجة الفورية لما سماه «الخوف من المعنى» هي «تنفيذ الإعدام المدني في حقه، بمباركة من الرئيس الأسبق (حسن نجمي)، وأعضاء كانوا، كغيرهم، من أقرب الناس إلى نفسه»، ولكنهم، حسب رأيه، نفذوا الأمر بعد بيع حريتهم، مقابل مناصب وعطايا أصبح بعضهم يتمتع بها وبعضهم ينتظرها، إذ شطبوا على اسمه في أنشطة وخطابات ومنشورات «بيت الشعر»، ووضعوا كل ما قام به، وما أنجزه، في ما سماه «المزبلة»، وأحرقوه حتى لا يبقى له أثر. كما أنهم في محافلهم اختاروا الكذب، في كل مرة، على كل من يسأل عنه. ورجع بنيس هذا الإقصاء والغبن لإبداء رأيه، كعادته، بحرية وصراحة، في أثناء اجتماع للهيئة تحفظ فيه على التسرع في اختيار نجمي مرشحا لرئاسة «بيت الشعر»، لأنه، كما يقول بنيس، يبحث دائما عن عمل، ولا يعرف أين سيستقر به العمل الجديد، في حين أن إعادة الحيوية إلى «البيت» كانت تتطلب اقتراح اسم يضمنون إقامته قريبا من المقر، بين الدار البيضاء والرباط.

وأشار إلى أن جميع الأعضاء الحاضرين أيدوه ظاهريا، لكنه أوضح أنه في الاجتماع القانوني تغير كل شيء، ولم يعد هناك مكان للرأي والاختيار، إذ إن مجرد إبداء رأيه وتحفظه في اجتماع لم يحضره نجمي، مثلما لم يحضر اجتماعات سابقة، كان كافيا لأن يعثر فيه على الذريعة المباشرة الكافية لإصدار ما سماه «حكم الإعدام المدني عليه» من دون محاكمة، تجسيدا للخوف من المعنى. وأضاف بنيس أن تنبيهه للجميع هو ما حصل، إذ أصبح نجمي، حسب رأيه، بعد أشهر قليلة، موظفا يتحمل مسؤولية (مدير الاكتتاب في وزارة الثقافة) اعترف للهيئة في أثناء توليه لها، في اجتماع عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، بعجزه عن تسيير شؤون «بيت الشعر في المغرب». كما أن هذا الأخير، حسب بنيس، دائما ما يتصرف كأن «البيت» إقطاع، وكأنه سيد هذا الإقطاع. واستفسر بنيس من خداري عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ خطوات الإقصاء، والاستمرار في التشطيب على اسمه وأعماله من أنشطة وخطابات ومنشورات «بيت الشعر»، معتبرا هذا التشطيب تأييدا للحكم عليه بالإعدام المدني، الذي أصدره في حقه نجمي. واعتبر بنيس في الختام أن رسالته موجهة إلى خداري، بصفته رئيس «بيت الشعر»، أي: شخصا ملزما باحترام «بيان التأسيس» و«الميثاق»، وبتطبيق القانون الذي في ضوئه تمارَس مسؤولية الرئاسة، ويُحمى الأعضاء وأهداف وتقاليد المؤسسة من أي عبث أو استغلال نفوذ، في حين لم يتسنَّ الحصول على تعليق من نجمي حول الاتهامات التي كالها له الشاعر بنيس.