«أسئلة ساخنة» وانتقادات لاذعة تنسف لقاء مجلس بلدي جدة بالأهالي

شبهوا دور المجلس البلدي بمن يعالج السرطان بـ«البنادول»

هدير الآليات لم يتوقف منذ كارثة السيول لاعادة الامور الى نصابها («الشرق الأوسط»)
TT

على غير العادة، شارك الرجال والنساء من سكان أحياء شرق الخط السريع بجدة في حضور لقاء مع مسؤولي المجلس البلدي وأمانة المحافظة، تكلل - بحسب السكان - بـ«الفشل». ودفعت سخونة الأسئلة والفوضى العارمة من السكان في توجيه الشكوى وغياب التنظيم الجيد بعض أعضاء المجلس البلدي إلى إنهاء اللقاء مبكرا دون الوصول إلى أية نتائج تذكر.

اللقاء الذي كان معدا لتبيان تداعيات كارثة جدة والإجراءات الكبيرة المتخذة لخفض منسوب المياه في بحيرة الصرف الصحي والسد الاحترازي لم يجد قبول كبيرا من الحاضرين، إذ تسابق الأهالي في توجيه تهم التقصير إلى الجهات المعنية، بما فيها المجلس البلدي.

وبدا اللقاء الذي انطلقت فعالياته عند السادسة والنصف من مساء أول من أمس (الاثنين) ناجحا، نتيجة الحضور الكبير من الرجال والنساء على حد سواء، والذي ملأ جنبات قاعة الرفيدي للأفراح بقسميها النسائي والرجالي، إلا أنه سرعان ما تحول إلى صخب كبير بسبب تعالي الأصوات، وتداخل شكاوى المواطنين الذين صوبوا التهم في جميع الاتجاهات، بمجرد الإعلان عن عنوان الجلسة المخصصة لشرح العمل القائم لتجفيف بحيرة الصرف، وهو ما علق عليه الحاضرون بالقول: «البحيرة موضوعها منتهٍ بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين وأمير منطقة مكة المكرمة، بصدور قرار تجفيفها خلال عام».

وصاح أحد الحضور في المسؤولين الحاضرين بغضب: «ماذا لديكم؟ نريد حلا لموضوع المياه المتجمعة في الأحياء التي باتت شوارعها بحاجة إلى سدود احترازية تحميها»، وتساءل آخر: «ماذا عن الكسارات ومصنع النفايات الخطرة الموجود في المنطقة؟»، فيما تساءل مواطن آخر عن وضع مداخل ومخارج الحي، إلى جانب دور المجلس البلدي حيال تسربات مياه البحيرات إلى أحياء التوفيق والسامر (3) الواقعة شرق الخط السريع.

وشكت إحدى الحاضرات لسعات البعوض وانتشار الأوبئة في حي المنار، وأكمل بقية الحديث أحد السكان بالقول: «جئتم لتعيدوا علينا كلاما سمعناه كثيرا، إذا لم يكن لديكم ما تقومون به فلا توهمونا».

وهنا تحرك حسن الزهراني، وهو عضو في المجلس البلدي، لتنظيم الوضع، مشيرا إلى المتحدث بالجلوس وأخذ دوره في الحديث، قائلا: «على الجميع معرفة دور المجلس في نقل التصورات والمشكلات للأمانة، ومحاسبتها بعد ذلك». وهو ما أثار حفيظة السائل ليرد على عضو مجلس البلدي بالقول: «استطعتم إنقاذ قطة من ارتفاع 15 مترا، وحركتم آليات الأمانة تجاهها في دقائق، ونشرت الصحف عن ذلك، فلا أظن أنكم غير قادرين على إنقاذنا وتحريك الأمانة، عليكم بالعمل الجاد»، في إشارة إلى قيام أحد أعضاء المجلس بإنقاذ قطة كانت عالقة في إحدى الأشجار على ارتفاع 15 مترا بحي مشرفة الأسبوع الماضي.

وهنا تسابق السكان للحصول على «الميكرفون» وتوجيه اللوم للأمانة والمجلس البلدي، وسط محاولات جادة من المسؤولين والمنظمين بهدف إعادة الأوضاع إلى طبيعتها وتهدئة الغاضبين من سكان الأحياء التسعة الواقعة في شرق جدة.

واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء بعض السكان الحاضرين حول موجة الغضب العارمة ودور المجلس تجاههم، إذ قال عوض الأسمري: «نحن نثق في أعضاء المجلس كأشخاص يسمعون شكاوانا فقط ولكن ليس بأيديهم شيء، لا سيما أن الأمانة لا تستجيب لهم، فهم كـ(البنادول) في مواجهة السرطان، مسكنات لا تسمن ولا تغني من جوع».

وهنا علق جاره محمد الشيخي بقوله: «سئمنا الوعود، ولم نعد نثق في أحد، خصوصا أننا تحدثنا عن مشكلة البحيرة لسنوات، ولم ينصفنا إلا أمير المنطقة الذي أصدر توجيهاته بتجفيفها، أما المسؤولون فيحضرون ويسمعون ويعدون، ولكن لا نرى عملا، فجئنا لنسمع أحاديثهم علّنا نجد شيئا مختلفا هذه المرة».

ومع مرور الوقت أنهى أعضاء المجلس اللقاء ولم يبقَ في المسرح المعد إلا أحد مهندسي الأمانة، والذي وجد نفسه محاصرا بكمّ كبير من الأسئلة وصرخات اللوم، دفعته إلى الاعتذار بلباقة وابتسامة بريئة وبعض المعلومات البسيطة التي لم تقنع الحاضرين.

وفي سياق متصل أوضح الدكتور حسين البار، عضو المجلس البلدي رئيس لجنة البيئة، أن الردود التي قدمها المهندس عادل فقيه أمين جدة على استفسارات المجلس الموجهة إليه تمثلت في تقديم عرض كامل شمل كافة استفسارات المجلس التسعة.

وقال الدكتور البار في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أخبرنا أمين جدة بعدم نشر العرض بناء على طلب لجنة تقصي الحقائق، إلا أنه أكد لنا إمكانية حصول المجلس على معلومات إضافية أو مستندات تثبت صحة ما تم عرضه»، لافتا إلى أن المجلس البلدي بصدد عقد اجتماع في أمانة محافظة جدة للاطلاع على كامل المستندات.

وأشار إلى أن العرض الذي قدمه المهندس عادل فقيه يشمل شرحا مفصلا عن المخططات القائمة في بطون الأودية وتواريخ اعتمادها وتراخيصها وأوضاعها، موضحا أنه تم الوصول إلى جميع الحقائق بوضوح وشفافية.

وأضاف: «يضم العرض لمواقع الكارثة أربعة مخططات واقعة في بطون الأودية، والمتمثلة في مخطط المساعد وأم الخير وبن رافعة والصواعد، غير أن اثنين منها أنشئت عشوائيا باعتداء الناس عليها».

وأفاد بأن مخططي الصواعد وبن رافعة شهدا في السابق عمليات تسوية وتنازلات، لا سيما أن الأمير متعب بن عبد العزيز مالك مخطط الصواعد تنازل عن نحو مليون متر مربع، على أن تخطط وتقسم إلى 847 قطعة، إلى جانب السماح بإصدار صكوك لها.

واستطرد البار في القول: «بالنسبة لمخطط بن رافعة (قويزة الشعبي) الواقع يمين شارع جاك باتجاه الشرق، فإنه شهد تسويات ودعاوى ومحاكم في السابق، إلا أن الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة الراحل، قرر اعتماده كمخطط بعد ذلك».

ولفت الدكتور البار إلى أن المجلس البلدي يعد جهة رقابية أصدرت توصيات عدة، من ضمنها مطالبة وزارة الشؤون البلدية والقروية بعدم اعتماد أي مخطط في بطون الأودية، إلى جانب إيقاف إنشاء المخططات إلا بعد استكمال البنية التحتية لها، بما فيها شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول.

وأضاف: «طالبنا بذلك منذ السابق، إذ أفادت وزارة الشؤون البلدية والقروية آنذاك بأن شروط إنشاء المخططات تقتصر على سفلتة الشوارع وإدخال تمديدات الماء والكهرباء، إلى جانب الرصف فقط، من دون الحاجة إلى شبكات تصريف الأمطار والسيول، غير أنه حان الوقت الآن ليتبين صدق حديث المجلس البلدي».

وأوضح أن منع البناء في بطون الأودية يعد أمرا ساميا، إلى جانب أن كارثة جدة جاءت مناسبة للضغط بشدة للمطالبة بتنفيذ هذا الأمر بجدية، ومن دون تلاعب فيه، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن المجلس البلدي طالب الأمانة بضرورة متابعة قضية إزالة الأضرار عن الأحياء المنكوبة وتكثيف جهود في هذا الجانب.

وحول رد أمين جدة على استفسار المجلس البلدي بخصوص نوعية الأمطار التي هطلت على جدة، ذكر عضو المجلس البلدي في جدة ورئيس لجنة البيئة أن الأمانة صنفت تلك الأمطار بـ«الكثيفة»، وذلك بحسب تقرير منظمة أميركية عالمية أفادت أنها أمطار نادرة الحدوث، إلا أن المجلس لا يعرف مدى مصداقية تلك الجهة، «ما يجعلنا ننتظر نتائج تحقيق لجنة تقصي الحقائق»، بحسب قوله.

وفي ما يتعلق بتعاون المجلس البلدي مع لجنة تقصي الحقائق المشكّلة بأمر ملكي، علّق الدكتور البار قائلا: «لم تطالبنا اللجنة حتى الآن بالإدلاء بشهاداتنا، إلا أننا نمتلك معلومات كثيرة حول هذا الموضوع، الأمر الذي جعلنا نبادر برفع تقرير رسمي مؤخرا، وننتظر ردا عليه».

وفي الشأن نفسه لم يقتصر الاهتمام الإعلامي بكارثة جدة على وسائل الإعلام المحلية فحسب، وإنما كانت تلك الأحداث محل اهتمام عدد من القنوات والصحف العربية والأجنبية، وذلك بحسب ما أكده لـ«الشرق الأوسط» العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالات الطوارئ في جدة.

وأشار العميد القرني إلى أن الدفاع المدني يزود وكالات الأنباء بتقارير يومية عن آخر التطورات، وذلك بتوجيه رسمي من الجهات المعنية، عدا عن اهتمام بعض القنوات الإخبارية الأجنبية، ومن بينها (CNN) وغيرها من القنوات الإخبارية.

ومن المفترض أن تنهي إدارة الدفاع المدني مرحلة إيواء الأسر المتضررة بعد يومين من الآن، إلا أنها ما زالت مستمرة في إسكان المزيد منهم، إذ بلغ عدد الأسر التي تم إيواؤها حتى الآن 8.8 ألف أسرة، بتجاوز عدد أفرادها 30 ألف فرد.

وهنا علّق العميد محمد القرني قائلا: «إن سبب تزايد عدد الأسر حتى الآن عائد إلى احتمالية تعايش أكثر من أسرة في منازل كبيرة داخل الأحياء المتضررة، إلا أن مساحات شقق الإيواء تعد صغيرة، الأمر الذي يحتم فصل كل أسرة بمفردها»، موضحا أن عدد الشقق المفروشة التي استخدمت في عمليات الإيواء بلغ نحو 6 آلاف شقة.

من جانبه كشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور أسامة البار أمين عام العاصمة المقدسة، أن الأمانة رفعت تصورا كاملا إلى الجهات المعنية حول المناطق والأحياء الواقعة في بطون الأودية ومجاري السيول في مكة المكرمة، مؤكدا إمكان تنفيذ مشاريع تطويرية كاملة لتلك المناطق في حال تم اعتمادها.

إلى ذلك، كشفت أمانة محافظة جدة لـ«الشرق الأوسط» عن شروعها لتنفيذ خطة موسعة لتصريف نحو 15 مليون متر مكعب من المياه المتجمعة خلف السد الاحترازي لبحيرة الصرف الصحي.

وذكر المهندس عادل ميمش مدير عام المياه في أمانة جدة، خلال لقائه مع سكان أحياء شرق الخط السريع أول من أمس، أن عمليات تصريف مياه السد الاحترازي ستنتهي خلال شهر ونصف الشهر من الآن، عن طريق تجفيف المياه بالكامل عبر أنبوب ممتد حتى القناة الجنوبية.