أفغانستان: الانتحاري الذي قتل عناصر «سي آي إيه» في خوست عميل أردني «مزدوج»

الأردن: البلوي زودنا بمعلومات في «غاية الخطورة» * طبيب من بلدة أبو مصعب الزرقاوي تحول إلى عميل لاختراق «القاعدة»»

قوات من الجيش الأفغاني تستعرض أسلحة وذخيرة تمت مصادرتها عقب مداهمة مخابئ لعناصر حركة طالبان في قندوز (إ.ب.أ)
TT

ذكر مسؤولون سابقون في الحكومة الأميركية أول من أمس أن الانتحاري الذي قتل سبعة عناصر تابعين لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في أفغانستان الأسبوع الماضي كان عميلا أردنيا تمكن من استدراج ضباط المخابرات بعد أن وعدهم بإمدادهم بمعلومات جديدة حول القيادة العليا في تنظيم القاعدة. وذكر اثنان من كبار المسؤولين السابقين اطلعوا على تحقيق داخلي تجريه الوكالة أن الانتحاري، وهو طبيب من بلدة الزرقا تحول إلى عميل، جرى تجنيده لاختراق دوائر القيادة في تنظيم القاعدة وحاز ثقة المسؤولين عنه من وكالة الاستخبارات الأميركية ومن الأردنيين بتقديمه كثير من المعلومات الاستخباراتية المفيدة. وأضافت المصادر أن السجل الحافل لهذا الانتحاري كعميل مكنه على ما يبدو من الدخول إلى نقطة رئيسية تابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية من دون الخضوع لتفتيش دقيق. وكان منفذ العملية، ويدعى همام خليل البلوي، يقف خارج مبنى تابع للوكالة في القاعدة العسكرية يوم الأربعاء الماضي عندما فجر قنبلة كانت مخبأة تحت ملابسه، مما أسفر عن مصرع سبعة أفراد أميركيين إضافة إلى ضابط أردني تم تكليفه للعمل مع هذا العميل. وأصيب ستة من عناصر وكالة الاستخبارات الأميركية بجروح. ورفضت الوكالة الإفصاح عن أسماء الضحايا، وهم مزيج من الضباط والمقاولين تتنوع الأنشطة التي يمارسونها بين الإشراف على تطبيق القانون والعمل مع القوات العسكرية الخاصة. وتقدم التفاصيل المتوافرة حول هوية منفذ العملية نظرة متضاربة حول الكيفية التي جرى بها اختراق نقطة استخباراتية حيوية في شرق أفغانستان في أسوأ هجوم تتعرض له وكالة الاستخبارات الأميركية منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما. وأشارت تقارير أولية إلى أن الانتحاري كان جنديا أفغانيا أو ربما عميلا محليا أحضر إلى القاعدة العسكرية للاستجواب. وبدلا من ذلك، تشير الأدلة الجديدة إلى عملية خداع خطط لها بعناية من جانب أحد العناصر محل الثقة من دولة تعد حليفا وثيقا للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم القاعدة. وكان مسؤولون أميركيون وأردنيون ينظرون إلى البلوي على أنه محل ثقة، وذلك حسب ما ذكر مسؤولون سابقون، على الرغم من تاريخه الحافل بالتأييد للتطرف الإسلامي، وهي وجهة نظر أيدها في مقابلة مع إحدى الدوريات التابعة لـ«القاعدة» قبل فترة قصيرة من الحادث الأخير.

وقال مسؤول أميركي سابق في مجال محاربة الإرهاب لـ«واشنطن بوست»، معلقا على التحقيق الدائر ورافضا ذكر اسمه: «في الواقع، كان يعمل معنا». وأضاف أن البلوي كان يتبع إدارة مشتركة من وكالات أميركية وأردنية وقدم «معلومات استخباراتية عملية» على مدار عدة أسابيع من العمل السري على الحدود الأفغانية الباكستانية. ورفضت وكالة الاستخبارات الأميركية التعليق على التقارير التي تقول إن البلوي هو منفذ العملية. وقال مسؤول في المخابرات الأميركية إن الوكالة «تدرس عن كثب جميع أوجه» الهجوم على المنشأة التي تعرف باسم «قاعدة تشامبان للعمليات المتقدمة» في مقاطعة خوست بالقرب من الحدود الأفغانية مع باكستان. وأضاف المسؤول أن «الوكالة عازمة على مواصلة عمليات هجومية لمحاربة الإرهاب». وتابع: «سيتم الثأر لهجوم الأسبوع الماضي. بعض الأشخاص السيئين للغاية سيواجهون في النهاية يوما سيئا للغاية». وكانت قناة «الجزيرة» ذكرت أن البلوي، 36 عاما، كان طبيبا من مدينة الزرقا، وهي مدينة تقع شمالي الأردن وكانت مسقط رأس أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق الذي تم قتله. وذكرت المصادر أيضا أن البلوي تم تجنيده للمساعدة في القبض على أيمن الظواهري، الطبيب المصري والرجل الثاني في تنظيم القاعدة، الذي يعتقد المسؤولون في الاستخبارات الأميركية أنه مختبئ في هذه المنطقة الحدودية التي يغيب عنها حكم القانون.

ويحظى البلوي بتاريخ حافل من تأييد قضايا الجهاديين وتم إلقاء القبض عليه في نهاية عام 2007، وفقا لمجموعة «سايت» الاستخباراتية التي ترصد المواقع الإلكترونية للمتطرفين. وذكر المسؤولون السابقون بالحكومة أن وكالة الاستخبارات الأردنية اعتقلت البلوي وسعت إلى تحويله إلى عميل.

وقبل اعتقال البلوي، الذي استخدم كنية «أبو دجانة الخراساني» على المواقع الإلكترونية، كان أحد المساهمين المعروفين في موقع «الحسبة» الذي كان من المنتديات الجهادية البارزة، بحسب مجموعة «سايت». وأصبح في النهاية مديرا لهذا الموقع الإلكتروني.

وذكرت مجموعة «سايت» أنه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أجرت «طليعة خراسان»، وهي مجلة مرتبطة بـ«القاعدة» في أفغانستان، مقابلة مع البلوي. ومن المفترض أن المسؤولين عنه كانوا على علم بالمقابلة لكنه من الممكن أن يكونوا قد اعتبروها جزءا من الغطاء الخاص به. ومع ذلك، تحدث البلوي كثيرا وفي بعض الأحيان كتب عن تفانيه وحبه للجهاد والشهادة.

وبحسب ترجمة مجموعة «سايت»، قال البلوي للمجلة: «كان لدي ميل وحب للجهاد والشهادة منذ أن كنت صغيرا». وتابع: «إذا دخل حب الجهاد قلب الرجل، فلن يتركه حتى إذا أراد هذا الرجل تركه». كما أعرب عن إعجابه بتجرد المجاهدين، الذين حضر معسكرات معهم. وقال البلوي: «إذا ذُكر أمامهم اسم شهيد يعرفونه، تجد كأن الدم قد تجمد في عروقهم على الرغم من أنه كان بمثابة قطرة ندى على زهرة جميلة». وتابع: «تجد أن البكاء في نظراتهم الشاردة أكثر بلاغة من الصراخ».

وتم الاعتراف ضمنا بدور الاستخبارات الأردنية في قاعدة وكالة الاستخبارات الأميركية خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما تم إرسال جثمان ضابط الاستخبارات الأردنية إلى بلاده لإقامة مراسم دفن عسكرية في العاصمة عمان. وذكر المسؤول الأميركي السابق في مجال مكافحة الإرهاب أن الرجل، الذي عُرف في وسائل الإعلام الأردنية على أنه الشريف علي بن زيد، جرى تكليفه بالعمل كمسؤول عن البلوي.

غير أن الناطق باسم الحكومة الأردنية نبيل الشريف قد نفى صحة هذه التقارير، فيما ادعت حركة طالبان باكستان أن منفذ العملية كان أحد أعضائها، بينما قالت مصادر أخرى أن الانتحاري كان ضابطا في الجيش الأفغاني. وتقول وسائل إعلام غربية إن الرجل أردني كان عميلا لثلاث جهات مختلفة. وحسب المصادر الأميركية، فقد جُنّد همام البلوي بعد اعتقاله من قبل الاستخبارات الأردنية للعمل لحسابها، ثم حُوّل للعمل مخبرا لوكالة «سي آي إيه»، بيد أنه يبدو، حسب وسائل الإعلام الأميركية، أنه لم يتخل أبدا عن ولائه لتنظيم القاعدة الذي كان يتلقى منه الأوامر أيضا. وإذا ما تأكد أن البلوي كان فعلا عميلا ثلاثيا، فإن التساؤل يثور حول قدرة «سي آي إيه» على اختراق صفوف أتباع «القاعدة» وتغيير ولائهم أو الطمع في تجنيدهم عملاء لديها. وكان الهجوم الذي نفذه الانتحاري أسوأ هجوم تتعرض له الاستخبارات الأميركية منذ تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983. وتعد الأردن حليفا أساسيا في الحرب الأميركية ضد تنظيم القاعدة، وتم دمج عملاء المخابرات بها في مهمات داخل الشرق الأوسط وما وراءه، حسبما ذكر مسؤولون سابقون وحاليون في المخابرات الأميركية. إلا أنه على الرغم من دور الأردن المهم، فإن مسؤولين من الدولتين أصروا على أن تظل مشاركتها سرية، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى الرغبة في تجنب الإضرار بموقف الأردن بين الدول المسلمة الأخرى في المنطقة. أكد ذلك مسؤولون سابقون في المخابرات. وتم تكريم بن زيد من خلال جنازة عسكرية لدى وصول جثمانه إلى العاصمة. وحضر المراسم الملك الأردني عبد الله الثاني وزوجته رانيا، بيد أن تقارير إخبارية رسمية قالت فقط إن الضابط لقي حتفه فيما كان يؤدي خدمة إنسانية في أفغانستان.

ووصف ضابط سابق بالمخابرات الأردنية بن زيد، الذي تزوج قبل نحو عام، بأنه ضابط معتدل وأنه على قدر عال من الكفاءة ولم يستغل وضعه في الأسرة الملكية باعتباره ابن عم الملك. ومع ذلك جعلته هذه الروابط الأسرية أنسب الأفراد للمهمات الأكثر حساسية. وأضاف الضابط السابق: «كان يحب عمله؛ وكان عمله هو حياته». وعلى الجانب الآخر، حضر مدير وكالة المخابرات الأميركية ليون إي بانيتا ومسؤولون آخرون في الوكالة ومسؤولون في مجال الأمن القومي وأصدقاء وأفراد أسر العناصر السبعة التابعين للوكالة مراسم خاصة يوم الاثنين داخل قاعدة «دوفر» للقوات الجوية، التي أعيدت إليها الجثامين، حسب ما ذكره المتحدث باسم الوكالة جورج ليتل، الذي أضاف: «هؤلاء الوطنيون خدموا بلدهم ببسالة».

وقال الأردن أمس إن الأردني الذي يُشتبه أنه نفذ الهجوم الانتحاري الذي أودى بحياة سبعة عناصر من «سي آي إيه» في أفغانستان الأربعاء الماضي، كان زود الأردن بمعلومات في «غاية الخطورة»، مشيرا إلى عدم وجود معلومات تؤكد أنه الانتحاري.

وقال مسؤول أردني رفيع المستوى فضل عدم الكشف عن اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الأردن حقق مع هذا الشخص (همام خليل البلوي) منذ عام تقريبا، وهو أردني، وكان التحقيق معه حول شبهات حامت حوله في ذلك الوقت لكن التحقيق لم يؤدِّ إلى أي نتائج محددة فتم تركه وشأنه». وأضاف أنه «لم يُعتقل لعدم وجود أدلة, وغادر بعدها إلى باكستان لمواصلة دراسة الطب حيث كان طبيبا درس الطب في تركيا». وأوضح أنه «بعد فترة من وجوده هناك عاود الاتصال بالجهات المعنية الأردنية عن طريق البريد الإلكتروني، وقد أورد معلومات في غاية الخطورة عن وجود خطط لاستهداف أمن الأردن وتنفيذ عمليات إرهابية في البلاد».

وتابع: «لذلك تم التواصل معه عبر البريد الإلكتروني ومحاورته بشكل ودي لكشف ما لديه من معلومات تستهدف أمن الأردن وذلك لاستدراجه والتحقيق معه حماية لأمن المملكة ولإجهاض أي عملية إرهابية على أراضيه». لكن المسؤول أشار إلى غياب أي معلومات تؤكد أن البلوي هو فعلا منفذ الهجوم الانتحاري في خوست في أفغانستان قائلا إنه «لا توجد حتى الآن معلومات أكيدة حول هويته حيث إن طالبان في مواقعهم الإلكترونية يقولون إنه أفغاني». وكانت مواقع مقربة من تنظيم القاعدة أكدت أن البلوي هو منفذ الهجوم الانتحاري على قاعدة أميركية في أفغانستان الأربعاء الماضي وأنه كان قد جُند أصلا من قِبل المخابرات الأردنية عميلا مزدوج.

وبحسب مواقع أصولية مقربة من تنظيم القاعدة فإن همام خليل يُكنى أبا دجانة الخرساني، وله مدونة خاصة على الإنترنت، وكان يمكن الدخول إليها حتى الاثنين إلا أنها أغلقت أمس. وأضاف الموقع أن المخابرات الأردنية «أرادت تجنيد أبو دجانة ليخترق صفوف طالبان باكستان وجماعة قاعدة الجهاد ليصل إلى مكان اختباء أيمن الظواهري» الرجل الثاني في تنظيم القاعدة.