في الصين: «الكونغ فو».. لعبة شعبية أسرارها مودعة في المعابد

مدربوها من الرهبان حليقي الرؤوس

صن لي (يسار) مع معلمي «الكونغ فو»
TT

تسعون كيلومترا هي المسافة الفاصلة بين مدينة «تشنغشتو» عاصمة مقاطعة «خنان» الصينية، ومعبد «شاولين» على جبل «سونغ شان». وفيه يقف مجموعة من الرهبان، حليقي الرؤوس، يرتدون زيهم الأصفر القاتم، أمام أفواج حضرت إلى المعبد لتعلم لعبة الكونغ فو في مهدها، حيث يحفظ الرهبان أسرار اللعبة المقدسة جيلا بعد جيل داخل المعبد البوذي الذي أقيم سنة 527 قبل الميلاد.

و«الكونغ فو» في الصين، ليس لعبة قتالية تستخدم للدفاع عن النفس فقط، إنما تراث صيني يعمل الصينيون للحفاظ عليه بكل الطرق.

صن لي، واحد من الرهبان داخل معبد «شاولين» قرر والده أن يلحقه به بينما كان لا يزال طفلا في الخامسة من عمره، فلم يخرج منه إلا شابا في العشرين، ليتربع على عرش الصين بطلا في أكثر من مرة قبل أن يتلقى عرضا لتدريب الكونغ فو في ألمانيا، ثم يعود ليفتتح مدرسة لتعليم الفنون القتالية الحرة التي تحمل اسمه.

ولأسباب عديدة بات الالتحاق بمعبد «شاولين» للتدرب لفترات طويلة أمرا غير متاح للكثيرين، وهو ما أدى لانتشار مدارس تعليم فنون الكونغ فو. أما الأسرار الكاملة للعبة فهي ملكية حصرية لخريجي معبد الشاولين فقط. ونظرا للاهتمام الشديد الذي يبديه عدد كبير من الأجانب لتعلم اللعبة وفنونها في الأرض التي ظهرت فيها، افتتح «معهد كونغ فو الشاولين» على مساحة 5000 متر مربع لتعليم الأجانب، ويزوره سنويا أكثر من مليون ونصف المليون سائح.

داخل معبد شاولين، كل شيء يتم بنظام: الأكل، الشرب، النوم، وحتى التنفس. ويبدأ اليوم بالاستيقاظ في الساعة الخامسة صباحا، ومعه تبدأ الفترة التدريبية الأولى التي تستمر حتى الثامنة، ثم تتوقف لتناول طعام الإفطار الذي تليه الدروس التوجيهية حتى الساعة الثانية ظهرا، حيث موعد الغداء، الذي تستأنف بعده التدريبات مرة أخرى حتى الساعة الثامنة مساء.

ولكل راهب في معبد «شاولين» أسلوب يميزه عن غيره، كما يقول «صن لي» الذي أضاف أن «الكونغ فو مدارس، ولكل مدرسة أساليبها، وهناك حوالي 160 أسلوبا، يحاكي فيها الإنسان طرق بعض الحيوانات والطيور والزواحف، وحتى الحشرات، في قتالها، فنجد أسلوب الثعابين مثلا، وأسلوب النمر، وغيرهما من الأساليب».

يقول صن لي لـ«الشرق الأوسط» إن «من يتدربون في معبد شاولين يعيشون كل حياتهم لرياضة الكونغ فو.. وهي تحدد طريقة حياتهم وتنفسهم وتفكيرهم وفلسفتهم في الحياة. ويضيف: «نحن منذ أن دخلنا المعبد حين كان عمرنا لا يتجاوز خمس سنوات، نسينا حياتنا العامة، وأنا بشكل شخصي نسيت هذه الحياة لمدة 15 عاما عشتها داخل المعبد.. عشت للكونغ فو فقط».

واختلاف المدارس داخل معبد «شاولين» يرجع إلى اختلاف المعابد الخمسة التي اندمجت فيما بينها لتكوين هذا الصرح العظيم. فعلى الرغم من تعليم رهبان هذه المعابد لتلاميذهم على نفس الأساليب، فإن طريقة كل معبد تختلف عن الأخرى. وهذه المعابد هي: معبد «خونان»، ومعبد «فاكين»، ومعبد «كوانجتنج»، ومعبد «ووتانج»، ومعبد «شانيون».

ويغير اختلاف الأسلوب أو اختلاف المدرسة أيضا السلاح الذي يستخدمه لاعب الكونغ فو، كما يقول «صن لي» الذي ذكر عددا من الأسلحة التي يتدرب عليها لاعب الكونغ فو، ومن بينها: السيف، والرمح، والعصا، والبلطة، والخنجر، والسلاسل، والحبال.

وعلى الرغم من كل هذه الأسلحة، فإن صن لي يرى أن الكونغ فو «ليس عشوائية ولا همجية، وإنما هو فن وفلسفة تعطي للإنسان صحة، ورشاقة، وروحا قوية، وعقلا قادرا على التفكير الصحيح، بالإضافة إلى الدفاع عن النفس، وليس لقتال الناس أو التهجم عليهم».

صن لي، الذي يبدأ العمل في مدرسته لتعليم الفنون القتالية في تمام الساعة التاسعة صباحا، ويستمر في تدريب تلاميذه وتلقينهم بعضا من أسرار اللعبة حتى التاسعة مساء، باتت لعبة الكونغ فو التي قضى في تعلمها عقدا ونصف عقد من الزمن هي مصدر رزقه الوحيد، حيث يتدرب على يده عدد ليس بقليل من اللاعبين، ليس فقط من الصينيين، وإنما من الأجانب الذين يأتون له من أوروبا وبعض الدول العربية.