«الأرصاد وحماية البيئة» تحذر من رياح مثيرة للأتربة والغبار على مناطق سعودية

فيما لا تزال الجهود مستمرة لرفع أضرار كارثة جدة

بحث وتنقيب واصلاحات تجرى على مدار اليوم في جدة لاصلاح اضرار السيول («الشرق الأوسط»)
TT

مضى على كارثة جدة أمس 43 يوما، وقد أصدرت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أمس تحذيراتها من موجة غبار على مناطق غرب السعودية وجازان وحتى أجزاء من منطقة تبوك شمالا مرورا بمنطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بما فيها السواحل.

وأشارت الأرصاد في بيانها الرسمي إلى تأثر تلك المناطق برياح شرقية نشطة تستمر حتى يوم غد الجمعة وتتراوح سرعتها بين 40 و50 كيلومترا/ساعة، والتي من شأنها أن تثير الأتربة والغبار خصوصا على المناطق المفتوحة والطرق السريعة، لافتة إلى أن الرياح الشمالية ستنشط على سواحل المنطقة الشرقية أيضا.

ولأن كارثة جدة أصبحت هاجسا لدى الكثير من مناطق السعودية، حذرت أمانة العاصمة المقدسة من «إشاعات» باتت تطال مخططات سكنية في العاصمة المقدسة، مفادها أن تلك المخططات تقع في مجاري السيول، الأمر الذي دفع الأمانة إلى سحب تراخيص البناء فيها وفقا لمواقعها.

ونفى الدكتور أسامة البار أمين العاصمة المقدسة وقف إصدار أي تصاريح بناء في المخططات السكنية التابعة لحي الشرائع، مؤكدا على أنه تم الأخذ بعين الاعتبار تصريف السيول بها منذ السابق.

وتسببت تلك الإشاعات في وضع أصحاب أراضي مخطط 4 التابع لمنطقة الشرائع في حيرة من أمرهم، بالإضافة إلى تخوفهم من تبعات قرار وقف إصدار تصاريح البناء كونه يسهم في انخفاض قيمة أراضيهم المادية، إلى جانب توقعاتهم لتكرار ما حدث في كارثة جدة إذا ما تم التثبت من صحة هذه المعلومات. وأوضح خالد الحساني، أحد العقاريين بمكة المكرمة، أن مخطط الشرائع والمقسم إلى 13 قسما، يعد سببا في خوف المواطنين منه جراء وقوعه بأحد الأودية الذي يعد مركزا خطرا بحسب ما يراه معظم أهالي تلك المخططات.

وطالب مجموعة من أهالي منطقة الشرائع في مكة المكرمة بضرورة تنبه أمانة العاصمة المقدسة إلى وضع مخططات المنطقة، خصوصا أنها تنذر بكارثة حقيقية باعتبارها واقعة في مصبات السيول، إلى جانب احتياج تلك المخططات لجهات متعددة من التصريف كي يمر السيل بعيدا عن المساكن والأماكن المأهولة.

من جهته أفاد بشيت المطرفي نائب رئيس المجلس البلدي بالعاصمة المقدسة، في حديث إعلامي سابق بأنه تم مناقشة أوضاع المخططات والأحياء المحاطة بالأودية في مكة المكرمة، وذلك ضمن اجتماعات المجلس مؤخرا.

وأشار إلى أن أمانة العاصمة المقدسة أنشأت سد وادي البرود لدرء أخطار السيول عنه وغيره من مخططات الشرائع، غير أن مشكلات بعض الأهالي وأصحاب المزارع كانت عائقا لإكماله، لافتا إلى أن تلك المشكلات في طريقها للحل. وأبان رئيس المجلس البلدي في العاصمة المقدسة بأن هذا المشروع سيعمل على نقل سيل وادي البرود إلى وادي عرنة، الأمر الذي من شأنه أن يحمي المخطط من أي خطورة قادمة.

وأضاف أن «المجلس البلدي يراقب سير هذا المشروع، إضافة إلى محاسبة المقصر في حال تعطيل غير مبرر وذلك من منطلق سلطة المجلس الرقابية على المشروعات البلدية». يأتي ذلك في وقت ما زالت الجهات الحكومية تبذل فيه جهودها في إزالة الأضرار الناجمة عن الأمطار الغزيرة التي هطلت على مدينة جدة وأسفرت عن مقتل 122 شخصا و37 مفقودا.

من جانبه أكد لـ«الشرق الأوسط» العميد عبد الله الجداوي مدير إدارة الدفاع المدني بجدة على استعداد وجاهزية خطط الطوارئ، لافتا في الوقت ذاته إلى أن تلك الخطط لن تشهد أي تعديلات في حال تعرض المنطقة لموجة الغبار.

وقال الجداوي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة تنسيق بين الجهات المعنية، إلا أن التركيز الأكبر منصب على مدى احتمالية هطول أمطار غزيرة وأخذ الاحتياطات حيال ذلك خصوصا بالنسبة إلى وضع بحيرة الصرف الصحي ومنسوبها المائي».

ولفت إلى وجود فرق الإنذار المبكر التي تم توزيعها مسبقا على رؤوس الأودية شرق الخط السريع، لا سيما أن جزءا من السيول التي أصابت جدة تسرب ناحية منطقة السد الاحترازي لبحيرة الصرف الصحي، فيما اتجه الجزء الآخر على المناطق السكنية الواقعة في بطون الأودية، مؤكدا أن الرياح التي من المتوقع هبوبها على معظم مناطق السعودية لن تؤثر أو تعطل شيئا من خطط الدفاع المدني وسير عمله. بينما أوضح العميد محمد القرني مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالات الطوارئ بجدة أن أكثر الحوادث شيوعا في حالات هبوب رياح شديدة تتضمن سقوط اللوحات الإعلانية والدعائية الخاصة بالمحلات، إلى جانب اللوحات الموجودة في الطرقات.

وقال القرني لـ«الشرق الأوسط»: «لن تكون الرياح التي حذرت منها الأرصاد مؤثرة بشكل كبير على العمل القائم، إلا أن هناك خطة للطوارئ تتمثل في الاستعداد للإنقاذ والتوجيه وصفارات الإنذار»، مشيرا إلى أن هذه الخطة لن تختلف عن خطط الطوارئ التي تم وضعها للأمطار.

وذكر أن المنازل المعرضة للأخطار جرّاء الرياح في المناطق المتضررة لا تشكل أي خطورة لكونها مخلاة منذ السابق، غير أنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة ابتعاد الناس عن الأماكن المكشوفة والوقوف بالقرب من اللوحات الموجودة في الشوارع تفاديا للإصابة بأي ضرر نتيجة سقوطها.

إلى ذلك، كشفت لـ«الشرق الأوسط» إدارة الدفاع المدني بجدة عن رفع نتائج فحوصات الحمض النووي التي تقدم لها 32 أسرة من ذوي المفقودين عن طريق الأدلة الجنائية إلى الجهات المختصة في محافظة جدة وذلك تمهيدا للإعلان عنها خلال الأيام المقبلة. وبالعودة إلى مدير المركز الإعلامي لمواجهة حالات الطوارئ بجدة الذي أفاد بأنه تم رفع نتائج الفحوصات منذ يومين إلى محافظة جدة، فإن الجهات الأمنية ما زالت تنتظر الرد، مؤكدا على أنه لم يتم الإعلان عنها حتى لأسر ذوي المفقودين، بحسب قوله.

وكانت الأدلة الجنائية استقبلت ما يقارب 32 أسرة من ذوي المفقودين لإجراء فحص الحمض النووي DNA في ظل وجود 25 جثة مجهولة لم يتم التعرف عليها حتى الآن، بينما تبقى خمس أسر لم يتقدموا للفحص بعد.

من جهته أكد لـ«الشرق الأوسط» الدكتور طارق فدعق عضو مجلس الشورى والمجلس البلدي ورئيسه السابق أن المجلس يسعى لوضع خطة طوارئ تشمل جميع الكوارث، مشيرا إلى أنه سيتم الاستفادة من خبرات وتجارب الدول الأخرى للارتقاء بخطة طوارئ جدة إلى أن تصبح الأفضل على مستوى الشرق الأوسط، بحسب قوله.

وفي إطار الأعمال اليومية، يواصل الدفاع المدني عملية البحث عن المفقودين بمشاركة 47 ضابطا و424 فردا و109 معدات وآليات، وذلك بعد أن تم تقسيم المناطق المحددة للبحث إلى 11 مربعا، غير أنه لا يزال عدد المفقودين 37.

وأعلنت إدارة الدفاع المدني عن بلوغ عدد المساكن التي تم الوقوف عليها من قبل اللجنة الفنية في مرحلتها الثالثة 433 مسكنا من بينها 312 صالحة للسكن و121 متضررة بالكامل. كما وصل عدد العقارات التي تم تقديرها من قِبل لجان تقدير الأضرار 4564 عقارا، وذلك بعد أن انتهت اللجان من تقدير 257 عقارا أمس، بالإضافة إلى بلوغ عدد الأسر التي تم صرف بدل الإعاشة لها 8822 أسرة.

وفي ما يخص الأعمال التطوعية، نفى مازن بترجي رئيس مجلس إدارة جمعية البر حول ما تردد عن عشوائية الأعمال الاغاثية وعدم وصولها للجهات المستحقة، لافتا إلى أنه لا يمكن وصف تلك الأعمال بالعشوائية.

ولكنه استدرك: «هول الكارثة وعظم المصاب دفع أفراد المجتمع للإسراع في نجدة المتضررين، بالإضافة إلى قلة الخبرة في إدارة الأزمات والكوارث كانت سببا في ذلك»، موضحا أن الأعمال الإغاثية كانت عشوائية في بداية الكارثة. وأشار إلى أن الأعمال الإغاثية الآن أصبحت تؤدَّى بشكل منظم ومحترف نتيجة تضافر الجهود وتشكيل لجنة أهالي جدة التي أُسّست بمبادرة بين جمعية البر وغرفة جدة.

واستطرد: «إن إشراف الجمعية على صيانة الطرق وإزالة المخلفات والنفايات والمياه عمل يتوجب القيام به نظرا إلى ما ستخلفه من أضرار بيئية وصحية، وذلك بالتنسيق للأعمال كافة من خلال الاجتماعات التي تعقد من خلال لجنة العمل الاجتماعي».

فيما قدمت شركة اتحاد اتصالات «موبايلي» تعويضات لنحو 51 موظفا لديها من المتضررين جراء سيول جدة، منهم 45 موظفا رسميا و6 متعاقدين، وذلك بحسب ما أوضحه المهندس خالد الكاف الرئيس التنفيذي لـ«موبايلي»، مشيرا إلى أن التعويضات شملت جميع الأضرار والممتلكات الشخصية للموظفين المتضررين سواء كانت منازل أو سيارات.