الشركات الإعلامية ومحاولة تكرار تجربة التلفزيون عالي التعريف مع تكنولوجيا «ثلاثية الأبعاد»

«ديسكفري» و«أي ماكس» و«سوني» أعلنوا عن شراكة لتقديم قناة جديدة العام المقبل

أطفال يرتدون نظارات خاصة لمشاهدة برنامج على تلفزيون ثلاثي الأبعاد من صنع شركة هيونداي كورب (أ. ف. ب)
TT

أخيرا يستطيع رالف كرامدن شراء جهاز تلفزيون. كان ذلك قبل أكثر من نصف قرن في مسلسل «هانيمونرز» في 1955، عندما أخبر السائق كرامدن - الذي يلعب دوره جاكي غليسون - زوجته أليس بأنه لم يشترِ تلفزيونا حتى الآن لأنه بانتظار إنتاج الشاشات ثلاثية الأبعاد.

وأخيرا فإن انتظار كرامدن أوشك على الانتهاء، حيث يجري في الوقت الراهن سباق محموم في الولايات المتحدة على التلفزيونات ثلاثية الأبعاد، بعدما أعلن المصنعون عن إنتاج أجهزة جديدة ثلاثية الأبعاد، وهو الإعلان الذي أعقبه إعلان شركات إنتاج البرامج عن إنشاء قنوات خاصة تلائم تلك الأجهزة.

وهناك من يشكك في إمكانية أن يستبدل المستهلكون أجهزة «إل سي دي» والبلازما المعلقة على جدرانهم بعد تلك الفترة القصيرة من شرائها. وقد تم طرح تلك الأجهزة الجديدة في الأسواق بسعر يصل إلى 2000 دولار، وهو ما يفوق بكثير سعر الشاشات المسطحة، كما يجب على المشترين شراء نظارات خاصة لكي يتمكنوا من مشاهدة العروض ثلاثية الأبعاد.

ولكنّ منتجي البرامج وشركات التكنولوجيا يراهنون على انبهار المستهلكين بذلك التلفزيون ثلاثي الأبعاد، وقد يرجع ذلك في جانب منه إلى تأثير أفلام مثل «أفاتار»، حيث أصبحت الأفلام ثلاثية الأبعاد تحقق مكاسب هائلة في قائمة شباك التذاكر الأميركية - تجاوز فيلم جيمس كاميرون «أفاتار» مليار دولار خلال الأسبوع الماضي - وبالتالي فإن شركات كثيرة تعتزم نقل تلك التجربة المميزة إلى غرفة المعيشة.

وفي إطار مواكبتها لتلك الموجة الجديدة، أعلنت «إي إس بي إن» يوم الثلاثاء عن عرضها مباريات كأس العالم لكرة القدم ومباريات «إن بي إيه» في عرض ثلاثي الأبعاد على شبكتها الجديدة، بدءا من يونيو (حزيران)، بالإضافة إلى أن شركات «ديسكفري» و«آي ماكس» و«سوني» قد أعلنوا عن إقامة شراكة بينهم لتقديم قناة للعروض ثلاثية الأبعاد خلال العام المقبل.

ومن المتوقع أن يقدم القمر الاصطناعي «DirecTV» قنواته ثلاثية الأبعاد في معرض إلكترونيات المستهلك الدولي في لاس فيغاس، الذي سيعلن خلاله مصنعو أجهزة التلفزيون الكبار عن إنتاج أجهزة التلفزيون ثلاثية الأبعاد، بالإضافة إلى مشغلات «دي في دي بلو راي». فمن جهته يقول جون تايلور نائب رئيس «إل جي» الأميركية للإلكترونيات: «إن عام 2010 سوف يشهد إنتاج التلفزيونات ثلاثية الأبعاد. ما زالت هذه التكنولوجيا في مهدها ولكن عندما يتوافر قدر كافٍ من المحتوى - يعمل الكثير من الأشخاص حاليا على ذلك - سيمثل ذلك نقطة تحول بالنسبة للمستهلك».

والسؤال هو: هل يرغب المستهلكون - الكثير منهم لم يحدّث جهاز التلفزيون لديه بآخر عالي التعريف سوى مؤخرا - في الحصول على التلفزيونات ثلاثية الأبعاد إلى الدرجة التي تجعلهم يدفعون إلى الحصول على تلك الخدمة؟ يقول ريدي باتل المحلل بشركة «آي سابلي» للأبحاث: «أعتقد أن 90 في المائة من الرجال في بلادنا يتوقون إلى مشاهدة مباريات كرة القدم الأميركية في عرض ثلاثي الأبعاد لكي يتماهوا معها».

ولكن هل يمكن نقل تلك الخبرة إلى البرامج الترفيهية الأخرى؟ يقول باتل: «لا أعتقد أن مشاهدي برامج مثل (الرؤية) يرغبون في مشاهدة السيدات وهن يلتففن حولهم».

بالنسبة لمعظم المستهلكين، ما زالت فكرة التلفزيونات ثلاثية الأبعاد فكرة بعيدة عن أذهانهم. ولكن الشركات الإعلامية تحاول بعد الإعلان الذي صدر خلال الأسبوع الجاري أن تتصدر تلك التكنولوجيا الجديدة كما فعلوا تماما في ما يتعلق بالتلفزيونات عالية التعريف قبل عقد مضى.

فقد احتاج التلفزيون عالي التعريف إلى ما يقارب العقد لكي يواكب السوق، إلى الحد الذي جعله في الوقت الراهن جزءا من التيار الرئيسي للترفيه، وذلك بعدما تم إنتاج قدر كافٍ من البرامج عالية التعريف، كما أصبحت تلك الأجهزة حاليا رخيصة للدرجة التي تجعلها في متناول أبناء الطبقة الوسطى. ويتوقع الخبراء أن تسير أجهزة التلفزيون ثلاثية الأبعاد في نفس المسار، ففي البداية سوف تجذب القادرين على تحمل تلك الكلفة العالية، ثم تنتقل بعد ذلك إلى الطبقة الوسطى، مما يجعلها أكثر رخصا ويرفع نسبة البرامج المنتجة بما يتواءم مع تلك التقنية الجديدة. أو ربما - بالطبع - تتعرض تلك التكنولوجيا لحالة من التذبذب.

فلعدة عقود كانت العروض ثلاثية الأبعاد تقتصر على أفلام الإثارة قليلة التكلفة، أو على عروض التلفزيون (باستخدام جودة سيئة ونظارات ورقية هشة) في بعض الأحيان. ولكن هذه التقنية الجديدة أزاحت إلى حد كبير تلك الذكريات. فيقول بيتر فانون نائب رئيس «باناسونيك» عن الأجهزة الجديدة: «إنها مختلفة تماما عن التي كان يمتلكها بعضنا خلال الأعوام العشرين أو الثلاثين الماضية».

ويجد مصنعو أجهزة التلفزيون في الأجهزة ثلاثية الأبعاد فرصة لإقناع المستهلكين الذين كانوا قد اشتروا بالفعل أجهزة عالية التعريف بالعودة إلى سوق التكنولوجيا مرة أخرى. وعلى الرغم من أن مبيعات التلفزيون قفزت بنسبة 17 في المائة في عام 2009، فما زالت هذه الصناعة بحاجة إلى ابتكارات جديدة للاستمرار في تحصيل الأرباح. فيقول فان بيكر المحلل بـ«غارتنر» للأبحاث: «تعد تلك التقنية الجديدة ضمن الجهود التي تبذلها تلك الصناعة لكي تأتي بشيء جديد يمكنه تحفيز المستهلكين ودفعهم مرة أخرى إلى السوق».

من جهة أخرى، يقول جيفري كاتزنبرغ رئيس شركة «دريموركس» إن المنتجين يستعدون لـ«قفزة هائلة في المحتوي ثلاثي الأبعاد من خلال تقديم صور جميلة على تلك الشاشات الجديدة».

وفي إطار تلك الصيحة الجديدة أعلنت شبكة «إي إس بي إن» الرياضية عن أنها سوف تبث نحو 85 حدثا على الهواء مباشرة بثا ثلاثي الأبعاد بدءا من يونيو (حزيران). فيقول شين براتشيس نائب الرئيس التنفيذي بـ«إي إس بي إن»: «قد يكون المجال الرياضي من أفضل المجالات التي يمكن عرضها من خلال تلك التكنولوجيا الجديدة». وقد عقدت الشركة مباحثات أولية مع كومكاست وغيرها من الشركات حول حق التوزيع، حتى يمكن تقديم القنوات ثلاثية الأبعاد بإضافة رسوم إضافية على المشتركين. وسوف يتم إغلاق تلك القنوات خلال الفترات التي لا يتم فيها نقل برامج على الهواء مباشرة.

وسوف تقدم الشركة المشتركة الجديدة بين «ديسكفري»، و«سوني» و«آي ماكس» خدمة على مدار الساعة تعرض خلالها برامج التاريخ الطبيعي، والأفلام، والرياضة، والموسيقى، وغيرها من البرامج.

وعلى غرار قاعات العرض ثلاثية الأبعاد، تعمل التلفزيونات ثلاثية الأبعاد من خلال تقسيم الصور إلى قسمين، يذهب كل قسم منهما إلى إحدى العينين. ويجب على المشاهد ارتداء نظارات خاصة، حتى تتمكن كل عين من التقاط صورة مختلفة مما يمنح المشاهد ذلك الإحساس بالعمق. ويستلزم تصوير الأفلام استخدام كاميرتين متصلتين، إحداهما تقوم بالتقاط الصور للعين اليسرى بينما تخصص الأخرى للعين اليمنى.

وقد عملت الشركات المصنعة على تطوير نوعين من التكنولوجيا للكاميرات ثلاثية الأبعاد في المنازل. الأولى هي ما يعرف باسم النظارات الموجهة والتي تتكلف أقل من دولار، حيث تقوم كل عدسة بالتقاط مجموعة من الصور التي يتم تحويلها إلى نوع محدد من الضوء، بينما تعد الأخرى، النظارات «النشطة»، أكثر ملاءمة لشاشات الـ«إل سي دي»، حيث إنها مضاف إليها «مغلق العدسة» الذي يعمل من خلال البطاريات والذي يفتح ويغلق بسرعة حتى تتمكن كل عين من رؤية بُعد مختلف لكل إطار «فريم». وتتكلف هذه النظارة نحو 100 دولار، ولكن من المقرر أن يضيف مصنعو التلفزيونات الجديدة زوجين لكل شاشة.

وقد يتمكن المشاهدون في المستقبل من مشاهدة العروض ثلاثية الأبعاد دون تلك النظارات، وهو الأمر الذي قد ينضوي على بعض القيود مثل ضرورة أن يجلس المشاهدون على مسافة محددة من الشاشة.

من جهة أخرى، يقول مايك فورهاوس المدير الإداري لشركة الاستشارات الإعلامية «فرانك ماجد»: «إن تقنية البث ثلاثي الأبعاد ما زالت بعيدة عن الانتشار، ولكنها أصبحت من الأشياء الجاذبة للمستهلكين الذين لديهم بالفعل الكثير من المغريات».

وبالفعل، ما زالت هناك بعض العقبات مثل الافتقار إلى معدات الإنتاج ووضع معايير للبث ثلاثي الأبعاد. ولكن مؤيدي البث الثلاثي مثل دايفيد كاسلاف الرئيس التنفيذي لـ«ديسكفري» يؤكدون أن تلك التقنية سوف تجذب الانتباه إليها لأن المستهلكين والمنتجين على حد سواء يتوقون إلى ما يجعل الصورة «مقاربة إلى حد كبير من الحياة الواقعية».

* خدمة «نيويورك تايمز»