«المتمردون» في حزب براون يسعون لإطاحته مجددا.. قبل أشهر من الانتخابات

وزيران سابقان يدعوان لاقتراع سري على زعيم «العمال» البريطاني.. ومعارضوهما يتهمونهما بالانتقام لأسباب شخصية

TT

قبل أشهر معدودة من إجراء الانتخابات العامة في بريطانيا، وجه «المتمردون» في حزب العمال ضربة جديدة لزعيمهم، رئيس الوزراء غوردن براون، وأعاد وزيران سابقان طرح علامات استفهام حول ما إذا كان براون الرجل المناسب لقيادة الحزب للانتخابات المقبلة، عبر طرح إجراء اقتراع سري حول زعامة براون.

وبعد محاولة فاشلة قبل نحو ستة أشهر للإطاحة بزعيم الحزب، عاد «المتآمرون» الذين لا يتجاوز عددهم الـ20 شخصا إلى الواجهة، وهذه المرة عبر وزيرين سابقين هما وزير الدفاع السابق جيف هون ووزيرة الصحة السابقة باتريسيا هيويت. وكان عدد من الوزراء في حكومة براون قدموا استقالاتهم في يونيو (حزيران) الماضي في محاولات لدفع براون للاستقالة، إلا أن دعم كبار رجال الحزب له، خاصة وزير التجارة بيتر ماندلسون، وعدم طرح بديل قوي، أفشلا محاولة الإطاحة به.

وأمس، دعا هون وهيويت في بيان مشترك أصدراه إلى «إيجاد حل نهائي» للانقسام الحاصل داخل حزب العمال قبل الانتخابات العامة التي من المتوقع أن تجرى في 6 مايو (أيار) المقبل. وكتب الوزيران السابقان رسالة وجهاها إلى نواب حزب العمال، جاء فيها «مع الاقتراب من الانتخابات العامة، يبقى نواب الحزب منقسمين بشكل حاد حول مسألة القيادة، وقد عبر عدد من الزملاء عن خيبة أملهم للطريقة التي ينعكس بها هذا الخلاف على أدائنا السياسي. ولذلك توصلنا إلى استنتاج، أن الطريقة الوحيدة لحل المسألة هي عبر السماح لكل فرد من النواب بالتعبير عن رأيه عبر المشاركة في اقتراع سري».

إلا أن هذه الدعوة التي أطلقت ظهرا لم تكن قد حصلت على تأييد يذكر حتى مساء أمس، حتى إن بعض النواب الذين لا يعتبرون عموما من المدافعين الشرسين عن براون، خرجوا للدفاع عنه. وبدا أيضا أن الاقتراع السري الذي دعا إليه هون وهيويت لا سند قانونيا له في النظام الداخلي لحزب العمال، ولا شهية لدى اللجنة البرلمانية للحزب لطرحه. وقد أكد ناطق باسم حزب العمال، في بيان، أن هذه الخطوة «غير دستورية وغير مرغوب بها وليس هناك من حاجة لها». وأضاف «ليست هناك بنود في دستور حزب العمال تسمح بإجراء اقتراع على القيادة، وليس هناك أي بند على الإطلاق يسمح بفتح مناقشة القيادة فقط أمام النواب»، في إشارة إلى أن أعضاء حزب العمال هم الذين يقررون مصير زعيمهم وليس فقط النواب.

واتهم بعض نواب حزب العمال من المدافعين عن براون، هون وهيويت، باستغلال حزب العمال لأخذ ثارات شخصية مع رئيس الوزراء. ويعتبر البعض أن كلا الوزيرين السابقين يحملان ضغينة تجاه براون، وأن كليهما كانت لديه طموحات شخصية لم يدعمها رئيس الوزراء، وهذا ما دفعهما للانقلاب ضده.

وقد ترك هون الحكومة العام الماضي بعد أن أمضى أكثر من عقد من الزمن يخدم في حكومة حزب العمال. وكان يتولى منصب وزير الدفاع في حكومة توني بلير، وفي فترة الحرب على العراق. وهو من بين الشهود الأساسيين الذين ستستمع إليهم لجنة التحقيق في الحرب على العراق خلال الأسابيع المقبلة. ولم تربط هون يوما علاقة جيدة ببراون. وقد استقال من منصبه كوزير للنقل في حكومة براون في يونيو (حزيران) الماضي. وبعد استقالته حضر رسالة يطلب فيها من براون الاستقالة، إلا أنه لم ينشرها أملا في أن يحظى بدعم براون للحصول على منصب وزير خارجية أوروبا، المنصب الجديد الذي استحدثته معاهدة لشبونة. إلا أنه فقد الأمل عندما أعلن براون دعمه لكاتي أشتون لتسلم المنصب. ومنذ ذلك الحين، تسري توقعات بأن هون سيقدم على خطوة مماثلة كالتي أقدم عليها أمس، ويدعو براون للاستقالة.

أما هيويت فقد تركت الحكومة عندما تسلم براون رئاسة الوزراء، وهي أيضا أرادت وظيفة في الاتحاد الأوروبي لكنها لم تحظ بدورها بدعم براون. وكانت تعتبر من المقربين لبلير، ولطالما كانت لديها تحفظاتها على قيادة براون، إلا أنها لم تضع نفسها في قلب مجموعة «المتمردين» بشكل علني وواضح حتى الآن.

وقد جاءت دعوة هون وهيويت بعد إشاعات بدأت تنتشر الليلة قبل الماضية في أروقة ويستمنستر، حول احتمال تقديم عدد من الوزراء استقالاتهم لإجبار براون على الاستقالة، مما دفع بوزيرة في حكومة براون تم تداول اسمها، إلى أن تصدر بيانا تنفي فيه أنها ستقدم استقالتها من الحكومة. وقد دعا الوزير ماندلسون، الرجل القوي داخل حزب العمال، أمس، باقي أعضاء الحكومة إلى متابعة عملهم بشكل طبيعي وعدم تعليق أهمية على الرسالة، تماما كما فعل في يونيو الماضي حين نُسب إليه الفضل في إبقاء الحكومة متماسكة بعد استقالة أكثر من 5 وزراء منها، وإنقاذ زعامة براون.

ومن بين النواب الذين دافعوا عن براون، جيرالدين سميث، التي وصفت هون وهيويت بأنهما من «الجبناء»، وقالت إنهما لا يحظيان بدعم يذكر بين نواب الحزب. وقالت «أشعر بالأسف تجاههما لأن هناك الكثيرين منزعجين منهما... هما يحاولان خلق انقسامات غير موجودة».

وفي وقت لاحق، تحدثت هيويت إلى الـ«بي بي سي» لشرح أسباب دعوتها لإجراء اقتراع سري، متوقعة أن يتم التصويت يوم الاثنين المقبل، وقالت «الانقسام يضعفنا.. نريد أن نضع حدا لهذا الانقسام مرة نهائية قبل الانتخابات حتى نتحضر لمواجهة المحافظين».

ولم يحصل في تاريخ حزب العمال الحديث أن أطاح بزعيمه، بينما يعتبر هذا الأمر أكثر شيوعا لدى حزب المحافظين الذي أطاح بمارغريت تاتشر واستبدل بها جون مايجور. ثم عاد وحاول الإطاحة بمايجور أيضا. ويشكك الكثيرون اليوم أنه حتى لو تم تغيير براون، فليس هناك من اسم لامع قد يؤثر بشكل كبير على نتيجة الانتخابات المقبلة، والتي تظهر استطلاعات الرأي منذ أشهر تقدم حزب المحافظين فيها بشكل كبير. وعلى الرغم من أن داونينغ ستريت أمس أكد أن براون «يتابع عمله بشكل معتاد»، فإن هذه الأزمة قد تضع ضغوطا كافية على براون وتدفعه للدعوة إلى انتخابات أسرع مما كان يريد.

وبدا المستفيد الأكبر أمس من الضجة الحاصلة داخل حزب العمال، منافسه الأبرز حزب المحافظين، الذي استغل الفرصة لحث رئيس الوزراء للدعوة للانتخابات بشكل عاجل. وأصدر رئيس الكتلة النيابية في حزب المحافظين إريك بيكلز بيانا قال فيه «كل يوم هناك نائب في حزب العمال ينقلب على زعيمه. من غير المسؤول أن يكون لدينا حزب يدير البلاد وهو ممزق وغير قادر على العمل. الوزراء مهتمون بإنقاذ أجندتهم السياسية أكثر من إنقاذ البلاد من الفوضى الهائلة. لا يمكن الاستمرار بهذه الطريقة، الأمر الوحيد المسؤول الذي يمكن أن تقوم به الحكومة هو أن تدعو لانتخابات عامة».