أبواب مفتوحة على التراث لسكان جزيرة جربة التونسية

من خلال متحفها الذي جمع الأدوات التقليدية مدعمة بمجسمات ومشاهد وصور

نماذج من ملابس نساء الجزيرة («الشرق الأوسط»)
TT

يعرض متحف جربة للتراث التقليدي صورة لعادات وخصوصيات أهالي جزيرة جربة التي تداولتها الأساطير والميثولوجيا حول الجزيرة الواقعة على بعد 550 كلم جنوب العاصمة التونسية. المتحف الذي بدأ النشاط فيه يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) من سنة 2008 جمع التحف والأدوات التقليدية التي وزعت حسب محاور متعددة مدعمة بمجسمات ومشاهد وصور كبيرة الحجم تمكن الزائر من مواكبة حياة سكان الجزيرة من خلال هذا العرض الذي يمر بكل أطوار الحياة اليومية من عمل شاق إلى المناسبات والأفراح مرورا بعالم الصناعات اليدوية التقليدية.

وبمناسبة مرور سنة على إحداث متحف جربة للتراث التقليدي، نظمت وكالة إحياء التراث بإشراف وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وبالتعاون مع وزارة السياحة التونسية زيارة إلى ذاك المتحف لإطلاع الزائرين على مميزاته.

الزيارة تمت في جزئها الأول على وقع «طبالة جربة»، حيث قدمت كل من فرقة «ميدون» للفنون الشعبية وفرقة «عبيد غبنطن» ذات الأصول الأفريقية فقرات مميزة من تراث الجزيرة. أما الجزء الثاني فتم من خلاله تقديم معطيات ضافية حول المتحف ومميزات سكان الجزيرة من خلال أنشطتهم اليومية المتعددة.

يقول نجيب السلاوتي، مدير المتحف، إن مختلف مكونات المتحف تروي حكاية الحياة التقليدية لسكان الجزيرة، وهي حياة ثرية جدا، ولكن تم الاكتفاء بمقاطع من مظاهر الحياة هناك.

وقال عبد الحي المزوغي، المدير العام لوكالة إحياء التراث، إن خطة استراتيجية شاملة تخص تنشيط السياحة الثقافية ستنطلق لتغطي مدة السنوات الخمس القادمة، حيث سيتم بعث موقع إلكتروني يعرّف بالمواقع الأثرية التونسية وبالمتاحف ومن بينها متحف جربة. وسيكون هذا الموقع بمثابة دليل أولي للسياح الوافدين إلى تونس.

ومن خلال الاطلاع على محتوى متحف جربة للتراث التقليدي يتضح أن الجزيرة تتميز بكثير من الأنشطة، من بينها صناعة النسيج وهو نوعان أحدهما موسمي والثاني طوال السنة. فالمعروف عن سكان أرياف الجزيرة أنهم يتعاطون الحياكة خلال فصل الشتاء عندما يفرغ النساجون من الأعمال الفلاحية، فيسعون إلى توفير حاجيات العائلة من الملابس. أما بالنسبة للنشاط المتواصل طوال السنة فيمارسه نساجة محترفون توزعوا على مدينة حومة السوق في ورشات تحولت بمرور الوقت إلى مصانع صغيرة تضم من ثلاثة إلى عشرة مناسج. وتعتبر صناعة المنسوجات الصوفية من أعم الأنشطة التقليدية بالجزيرة، سواء منها المستغلة للاستعمال اليومي في اللباس أو الغطاء، أو كذلك الحريرية مثل عباءة «البسكري»، وهي رداء فخم تلبسه النساء في المناسبات الكبرى.

كما تزدهر الأقمشة الحريرية المستعملة أيضا في كساء جدران الغرف أو كستائر للمدخل أو الشبابيك. ويختلف لباس النساء المناسباتي باختلاف مناطق الجزيرة، فالشمال الشرقي وجزء من وسط وجنوب الجزيرة الشرقي تميز خاصة بارتداء لحاف يغطي في آن واحد الرأس والجسم. أما لباس بقية أرجاء الجزيرة فهو يتميز خاصة بالفصل بين غطاء الرأس واللحاف.

وهناك لباس مستوحى مما هو متواتر بالجنوب الشرقي التونسي والذي تميز بارتداء لحاف شد إلى الجسم بمشبكين وحزام. وتميز لباس النساء اليهوديات من ناحيتهن بارتداء غطاء رأس فاخر.

ويحتوي المتحف على الكثير من قطع المصوغ الذي لعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية والاقتصادية للجزيرة. وتتميز حلي الجزيرة عن حلي الجهات الأخرى بدقة فائقة وإتقان كبير في الصنع، وهو من الصناعات التقليدية التي اختصت بها الجالية اليهودية من قديم الزمان. والمصوغ معروض في قاعة تحتوي على زاوية مخصصة للجالية اليهودية من خلال صور عملاقة لداخل «بيعة الغريبة» وعرض للأزياء التقليدية اليهودية والبعض من أدوات الطقوس الدينية.

والى جانب الأنشطة الفلاحية من رعي وعناية بالأشجار المثمرة، يتعاطى سكان الجزيرة نشاط الصيد البحري، ويوفر البحر أنواعا كثيرة من الأسماك والرخويات والقشريات والصدف والإسفنج، واعتبرت الجزيرة لعدة قرون المركز الوحيد لإنتاج الفخار المخروط في الجنوب التونسي. وقد تميزت بإنتاج مجموعة كبيرة من القطع المعدة للاستعمال انطلاقا من المشربة الصغيرة المخصصة للأطفال، وصولا إلى الجرة الكبيرة التي تبلغ سعتها 300 لتر. وتمارس هذه الحرفة إجمالا كنشاط تكميلي إذ غالبا ما يملك صانع الفخار قطعة أرض أو أكثر مغروسة بالأشجار المثمرة أو مخصصة للزراعة، وهو ما يجعله يتفادى البطالة طوال السنة.

ويقبل سكان الجزيرة على استعمال الخشب، إلا أن استعمالاته تبدو محدودة لافتقار الجزيرة للخامات الصالحة للنجارة، ويتكون الأثاث الخشبي للبيوت التقليدية غالبا من الصناديق والرفوف، والخشب الأكثر استعمالا هو خشب الأرز المستورد من شمال أو شرق المتوسط. وقد تم تجميع صناديق خشبية لحفظ الثياب على المسطبتين، والصناديق بعضها مصنوع من الخشب وجميعها مزركشة ومحلاة بمسامير زينة وأشكال من النحاس المقطع. وغالبا ما يقع تثبيت الرفوف المختلفة ذات المرايا على الجدران، وهي من خشب متقن الصنع مزركش بألوان لا تخلو من ثراء رغم بساطة الرسوم المستوحاة من الحياة اليومية، ويقدم هذا الأثاث كهدية من الزوج لزوجته لاستعماله كمنضدة للتجميل أو تعليق الملابس. وهناك كذلك رفان طويلان من الخشب المتقن الصنع والمزركش يستعملان لوضع شتى أنواع التحف. وتجد في منازل سكان الجزيرة «معلاقا» من الخشب المطلي يستعمل لتعليق شتى أنواع أغطية الرأس الرجالية.