مقتل 139 في صراع قبلي بجنوب السودان.. و10 منظمات إغاثة تحذر من عودة الحرب

الناطق باسم الحركة الشعبية لـ «الشرق الأوسط»: الجنوب آمن.. ولا توجد صراعات.. والأحداث تم تضخيمها

رزم من الأحذية تمثل ضحايا حرب السودان الأهلية أمام بوابة جراندنبرغ في برلين خلال مظاهرة نظمتها منظمة العفو الدولية (ا ف ب)
TT

عزا مسؤول في الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة في الجنوب وقوع اشتباكات قبلية في جنوب السودان أسفرت عن مقتل نحو 140 وإصابة العشرات، ونهب 4000 رأس من الماشية، إلى صراعات حول الموارد بين السكان المحليين من قبائل الجنوب، فيما رأى الناطق باسم الحركة الشعبية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الصراعات القبلية، التي تقع في الجنوب يتم تناولها بـ«تضخيم»، وقال إن الجنوب الآن «آمن». في وقت حذرت فيه 10 منظمات إغاثة دولية، شهيرة، من إمكانية اندلاع حرب أهلية في السودان.

وتزامنت الاشتباكات مع تحضيرات مكثفة تجري في جنوب السودان للاحتفال بالذكرى الخامسة لتوقيع اتفاق السلام بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، التي أوقفت الحرب الطويلة بين الشمال والجنوب، ويقام الاحتفال، لأول مرة، هذا العام، في مدينة يامبيو، في أقصى الجنوب، على الحدود مع دولة أوغندا.

وقال معتمد مقاطعة تونج الشمالية دينق أيينق أليو، في تصريحات، إن مجموعة مسلحة من ولاية الوحدة الجنوبية المتاخمة للشمال هاجمت معسكرات الماشية في مقاطعة شرق التونج بولاية واراب منذ 5 أيام، وأسفر الهجوم أيضا عن نهب أكثر من 4000 رأس من الماشية من السكان المحليين. وقال اليو في تصريحات صحافية إنه ليست هناك مستشفيات في شرق التونج، وتم نقل الجرحى لمستشفى في شمال التونج. وقال المسؤول في حكومة جنوب السودان إن حكومته أرسلت بعض الأدوية والمعدات لأن هناك نقصا في الخدمات الطبية، مناشدا الحكومة والمنظمات الإنسانية لمساعدة هؤلاء الناس. هذا ويطالب معتمدو مقاطعات تونج الكبرى حاكم ولاية واراب بمقابلة نظيره في ولاية الوحدة لحل المشكلة وإرجاع الماشية المنهوبة.

وفي تصريحات صحافية، قال الدكتور لوكا بيونق وزير شؤون رئاسة حكومة جنوب السودان إن حكومته تعمل كل ما بوسعها لإنهاء النزاعات القبلية في جنوب السودان. وعزا بيونق تجدد النزاعات في بعض المناطق مؤخرا إلى التنازع حول الموارد. من جانبه، قلل الناطق باسم الحركة الشعبية ماثيو ين، من الأحداث القبلية التي تقع في جنوب البلاد، وقال إنه لا يؤمن أن هناك صراعات قبلية في الجنوب، وأضاف أن الأحداث التي تقع في الجنوب يتم تناولها بـ«تضخيم»، وقال في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «الآن نحن في مدينة بانتيو عاصمة ولاية الوحدة ولا نرى أي شيء مخل بالأمن، وأن الأوضاع آمنة».

ويتشكك حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير في قدرة الحركة الشعبية على بسط الأمن القبلي في الجنوب، ويتوقع الحزب الحاكم أن يتحول الجنوب في حال حدوث الانفصال إلى بؤرة صراعات قبلية.

في غضون ذلك، حذرت منظمات إغاثة دولية من إمكانية اندلاع حرب أهلية في السودان مجددا، «ما لم يتحرك المجتمع الدولي لإنقاذ اتفاق السلام الموقع بين الشمال والجنوب». وأضاف التقرير الذي أعدته عشر منظمات، أن اتفاقية السلام ربما تنهار بسبب تزايد العنف والفقر المزمن والتوتر السياسي. وأشار التقرير إلى عدد من النقاط التي اعتبرها أكثر عرضة للانفجار، من بينها الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل (نيسان) المقبل والاستفتاء بشأن مستقبل جنوب السودان المقرر عام 2011.

وقال التقرير، الذي جاء تحت عنوان «إنقاذ السلام في جنوب السودان» إن السودان في وضع قلق لأن النزاعات لا تزال مستمرة حول الموارد، والتوتر لا يزال قائما حول الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل، والاستفتاء على مصير جنوب السودان المقرر عام 2011. والمنظمات العشرة التي اشتركت في إعداد التقرير هي «أوكسفام»،و«كرستيان أيد»، و«كورديد»، و«هانديكاب الدولية»، و«لجنة الإنقاذ الدولية»، و«أنقذوا الأطفال»، و«كاريتاس»، و«تيرفوند»، و«ورلد فيشن» و«إيكو».

ونسب إلى المحلل السياسي حيدر إبراهيم قوله «إن النتائج التي خلص إليها التقرير صحيحة بنسبة 100% وأن نذر الحرب موجودة فعلا ما لم يتم تداركها».

وتنفي الحركة الشعبية بشدة احتمالات تجدد الحرب في الجنوب مرة أخرى. وفي السياق نفسه، قال جيمس واني ايقا نائب رئيس الحركة الشعبية في احتفال أقامه الاتحاد العام للطلاب السودانيين في عاصمة الجنوب مدينة جوبا، إن الحرب لن تعود مرة أخرى بين الشمال والجنوب، وأضاف أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني حريصان على السلام في السودان. من جهته، وصف نائب رئيس المجلس الوطني (البرلمان) القيادي في الحركة الشعبية اتيم قرنق لـ«الشرق الأوسط» تقرير منظمات المساعدات الإنسانية بأنه فاقد للمصداقية في التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي في السودان، وقال: «الذين صاغوا التقرير تنقصهم الخبرة إذ إن أغلبهم لم يتعد عمله سوى بضعة أشهر واعتمدوا على المعلومات السماعية والإعلامية»، وأضاف: «كتابة مثل هذه التقارير أصبحت وسيلة لكسب العيش»، وتابع: «من كتبوا التقارير في تلك المنظمات يسعون إلى جمع الأموال من الدول الكبرى وتصوير وقائع غير موجودة إلا في خيالهم هم فقط، لأن مثل هذه التقارير أصبحت رابحة»، وقال إن اتفاقية السلام لم يأت في أي من بنودها تغيير المناخ وإيقاف الفيضانات والتي تحدث في أماكن كثيرة في العالم، معتبرا أن اتفاقية السلام رغم الصعوبات التي تواجهها لكنها لن تؤدي إلى عودة السودانيين إلى مربع الحرب مرة أخرى، وقال إن الاتفاقية خلقت مفوضية للتقويم والتقييم حول تنفيذها ويرأسها بريطاني وهي المفوضية المؤهلة لتنفيذ الاتفاقية من عدمها إلى جانب شريكي الاتفاقية.

وقال قرنق إن ما لا يقل عن مليوني نازح عادوا إلى مناطقهم في جنوب السودان بعد توقيع اتفاقية السلام، ومع اعترافه بوجود مشكلات قبلية في الجنوب فقد قال إنها مضخمة في الإعلام ولن تقود إلى عودة الحرب بين السودانيين وأن لا علاقة لها بتنفيذ اتفاقية السلام، وأضاف: «المشاكل القبلية في الجنوب ومناطق أخرى في السودان موجودة منذ العهد الاستعماري كما أن الفقر موجود منذ ذلك العهد ونحن نحاول محاربة الفقر ولا نملك عصا موسى لتحويل واقعنا بين ليلة وضحاها وإنما نحاول»، وقال إن الحرب في دارفور لم تتوقف لكنها لن توقف تنفيذ اتفاقية السلام وأن الأطراف يحاولون حلها سلميا.

واعتبر اتيم أن المؤتمر الوطني شريك حزبه في حكم السودان فيه ثلاثة تيارات، وأن «التيار الأول هو الرسمي ويقوده البشير ونائبه علي عثمان ويعمل على تنفيذ الاتفاقية ويمنع عودة البلاد إلى مربع الحرب، وأن التيار الثاني هو الحركة الإسلامية ويقوده دكتور غازي صلاح الدين وهو وجه يرفض التعددية والتنوع في السودان ويعتبر اتفاقية السلام كارثة على المسلمين والعرب»، وأضاف: «هذا التيار يعمل ضد اتفاقية السلام»، وقال: «إن التيار الثالث يتم استخدامه حسب الظروف والمناخ العام ويعمل على إدارة الصراع السياسي بوجه قبلي مثل ما يحدث مع المسيرية في ابيي التي تلوح بالعودة إلى الحرب»، وعقب: «مع أن الدستور يحاكم كل من يروج بعودة الحرب».

وتجري تحضيرات مكثفة في جنوب السودان للاحتفال بالذكرى الخامسة لتوقيع اتفاق السلام بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الذي جرى توقيعه في العاشر من يناير (كانون الثاني) عام 2005، وأدى إلى وقف الحرب الطويلة بين الشمال والجنوب، ويقام الاحتفال، لأول مرة، هذا العام، في مدينة يامبيو، في أقصى الجنوب، على الحدود مع دولة أوغندا. ونسب إلى نائب حاكم ولاية غرب الاستوائية جوزيف نيقر أن معظم الاستعدادات للاحتفالات اكتملت. وقالت مصادر في حكومة الجنوب إن الاحتفال رصد له مبلغ 6 ملايين جنيه سوداني. ويذكر أن حكومة الجنوب كانت قد خصصت ستين مليون جنيه سوداني لتنظيم الاحتفال في يامبيو بولاية غرب الاستوائية.