وزير الداخلية اللبناني زياد بارود.. «رجل العام» للسنة الثانية على التوالي

لأنه نقيض النظام السياسي المتعثر بامتياز وقريب من الناس

TT

ماذا يميز وزير الداخلية اللبناني زياد بارود عن غيره من أهل السياسة؟

سؤال لا بد من طرحه عندما يصبح للمرة الثانية على التوالي «رجل العام»، هذا الآتي من بوابة المجتمع المدني إلى المعترك السياسي اللبناني بكل تناقضاته وفوضاه و«زواريبه وخزعبلاته». «البطل الجبار» صفة كان قد نفاها بارود عن نفسه، وتحديدا خلال أزمة من الأزمات المستعصية التي تشهدها شوارع بيروت ومداخلها، لا سيما في موسم الأعياد خلال الأسبوع الأخير من العام الفائت، عندما نزل من سيارته التي كان محتجزا داخلها لمدة ساعتين واشتغل شرطيا ليفتح الطريق. وقال في حينه إن «حل هذه الأزمة يتطلب تضافر الجهود وهو ليس سوبرمان لينهي الأزمة بمفرده». بعد ذلك بأيام عاد بارود إلى الطريق يراقب ميدانيا عمل الأجهزة المختصة وسلوك السائقين. ويستوقف البعض منهم ليطلب منه وضع حزام الأمان. في الأمر ما يشير إلى تفصيل حيوي؛ فوزير الداخلية العالم أن يده وحده لا تصفق، لم يسترح ويرفع راية الاستسلام، لأنه ليس «سوبرمان»، إنما تابع القيام بكل ما في وسعه ليخفف من معاناة المواطنين. ربما يكمن في هذا التفصيل مفتاح الكاريزما «البارودية» التي تتفاعل مع هؤلاء المسؤولين تحديدا. تقول الطالبة ليلى، التي تحلم بلقاء «الوزير النجم»: «أهمية بارود أنه يشعر بشعبه. ويريد أن يشتغل، في حين أن غيره من المسؤولين لا يريدون أن يشتغلوا.. إنهم يكتفون فقط بمؤتمرات صحافية يعددون خلالها إنجازات لم نتحقق من وجودها في حياتنا. صحيح أنه يقوم بواجبه كوزير. وقد يكون ما يقوم به عاديا في الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها. لكن في لبنان أداؤه البعيد عن الصراخ السياسي عملة نادرة. فهو لا يهاجم أحدا ليثير الغرائزية. وهو أيضا لا يتباهى مع أن غيره يصنف نفسه ويصنفه فريقه ناجحا وعظيما ونحن نعرف عكس ما يقولون». سائق تاكسي لا يهتم كثيرا بالتصريحات السياسية لدى سؤاله عنه، تمنى «لو أن في لبنان عشرة وزراء من قماشة بارود. فهو يحب الناس». لكن يبقى السؤال: ماذا يميز الوزير الشاب عن غيره من أهل السياسة؟ هل يكفي أنه يقول الأمور كما هي؟ أم لأنه ليس وريثا أو محظيا سياسيا؟ أم أن السبب دخوله نادي الوزراء من باب المجتمع المدني ومن خلال عضويته المميزة في هيئة فؤاد بطرس لقانون الانتخاب، ومن دون أن يكون محسوبا على اصطفافي 8 أو 14 آذار؟ يرى البعض أن السبب يعود إلى ملامحه الطفولية التي توحي بالصدق. البعض الآخر يذكر موضوعيته في طرح أكثر الملفات غموضا وقبضته القوية عندما يصافح، ما يوحي بالثقة. وكأنه يؤكد أن قدراته تفوق بكثير ما ينتظره المواطن منه لكن من دون بطولات وهمية في بلد يتحكم فيه سقف سياسي يضع للجميع حدودهم. من يعرفه قبل توليه حقيبة الداخلية يقول: «نشاطات بارود لم تكن يوما مخملية، فالمحامي الشاب حصر اهتمامه بهموم الناس التي تحتاج إصلاحا في مؤسسات الدولة لحلها. يعرفه من عانى من الإخفاء القسري لأفراد عائلته. كما يعرفه من يسعى إلى النزاهة والديمقراطية في الانتخابات. وهو نال جائزة عالمية في هذا الإطار قبل توزيره. كما شارك في مؤتمر سان كلو في فرنسا بدعوة من الخارجية الفرنسية كأحد ممثلي المجتمع المدني». وربما تلخص مجلة «مونوكل» (Monocle) البريطانية أسباب احتلاله المرتبة الأولى في قائمة تضم 20 شخصية عبر العالم اختارتها، في عددها لشهري ديسمبر (كانون الأول) 2009 ويناير (كانون الثاني) 2010 بقولها في مقالة عنوانها: «هل هو سوبرمان؟» إن زياد بارود «نقيض النظام السياسي اللبناني المتعثر بامتياز». وفي إشارتها إلى أن هذا المحامي البالغ 39 عاما عين وزيرا لداخلية لبنان في يوليو (تموز) 2008 «تبعا لاتفاق الدوحة الذي ساعد في تشكيل حكومة جديدة بعد أشهر من الفراغ في الحكم».

وبارود هو أحد المدافعين الشرسين عن حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» التي تطالب بمنح الأبناء جنسية أمهاتهم. إلا أن هناك من يرى «أنه لم يخض هذه المعركة كما يجب عندما فتح أحد القضاة المجال لها بمنحه أبناء لبنانية متزوجة من مصري الجنسية اللبنانية، لتعود السياسة وتسلبهم إياها وسعى جاهدا إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، ليكتفي بإرسال مشروع قانون إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يرمي إلى تمكين المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي من إعطاء جنسيتها اللبنانية إلى أولادها منه».

ومع ذلك تبقى «كاريزما» زياد بارود بخير. تكشفها مواقع الإنترنت و«فيس بوك». فصفحته تضم 30576 معجبا. كما أن أحدهم انتحل شخصيته على «فيس بوك» وحصل على ألوف المعجبين، فما كان من الوزير إلا أن قاضاه وألغى الصفحة. التعليقات والتعليقات حول مواقفه تكشف اهتمام الناس بشخصيته، منها تعليق جاء فيه: «غريب هذا الأمر.. هل من المعقول أن زياد لديه أمل، احبسوه حتى لا يهرب الأمل»، و«لأنه غير متعصب وغير عنصري أحبه الناس». ولا تقتصر التعليقات على اللبنانيين، فالمشاركة العربية كثيفة كما يشير تعليق من إحدى الدول العربية جاء فيه: «شاهدته خلال ظهوره على التلفاز فرأيت إنسانا عمليا من الدرجة الأولى». و«إن شاء الله يصبح رئيس الجمهورية.. يستاهل»، ليعلق البعض الآخر أنه «دونكيشوت يحارب طواحين الهواء»، أو «نبقى عربا ولن نتغير». الانتخابات النيابية في يونيو (حزيران) 2009 كرست «جدارة» بارود. بعض الناس عبروا عن شعبيته، فوضعوا اسمه في بعض صناديق الاقتراع. الاسم ألغي ولم يحتسب أما الشعبية فلم تتراجع. وفي القراءة العميقة لا يمكن تجاهل عمله في صلب ما يفيد لبنان، فبصماته واضحة في حملة «أخضر دائم» وتأمين طوافات لإخماد الحرائق في لبنان، وفي تعزيز المواطنة وحقوق الإنسان لدى إصداره قرارات قيد الأطفال مجهولي الأب والأم، القاضية باستبدال عبارة «لقيط» التي كانت ترد سابقا، بعبارة «قيد مولود حديث الولادة في سجلات النفوس اللبنانية»، كذلك عمله على شطب «المذهب» من قيود النفوس للراغبين بإنجاز خطوة على طريق إلغاء الطائفية الفعلية، وليس السياسية، من القيود الرسمية.

حتى الهجوم على بارود له حدوده، فعندما طالب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» بوزارة الداخلية بـ«تنظيفها وإعادة تأهيلها على طريقته»، لم يستطع تسجيل مآخذ على أداء بارود، ليكتفي بالإشارة إلى أن «هم الوزارة أكبر من الوزير». لماذا هو وليس غيره.. وبعض هذا الغير شباب أو أكاديميون بعيدون عن فساد السياسة ومداخيلها السرية التي تظهر ملامحها ثراءً لا مبرر له في لبنان؟ هذه الأسئلة تعيدنا إلى قراءة موضوعية أعمق. فالمعروف أن مواهب بارود برزت في ملف السير، لكن الملفات الساخنة الملقاة على عاتقه لا تزال تنتظر همته، ولعل أهمها ملف السجون الذي يشكل فجوة عميقة في جدار النظام وحقوق الإنسان. قضايا الأمن أيضا لا تزال بعيدة عن المثالية، والملفات الحساسة منها لا تتم إلا بالتراضي. قضايا الأحوال الشخصية أيضا وأيضا وكثير غيرها من ملفات الفساد ومافياته التي تعشعش في وزارة الداخلية. لكن رغم ذلك زياد بارود هو أكثر الشخصيات جماهيرية وشعبية في لبنان. وفي الأمر ما يشير إلى أن اللبنانيين قرفوا من السياسة ويهمهم من يحكي عنهم وليس من ينظّر عليهم. والرجل حكى معهم وعنهم قدر المستطاع.