التفجير الانتحاري يعطل أهم محطات وكالة الاستخبارات في أفغانستان

قاعدة خوست المتقدمة لـ«سي آي إيه» التي تعرضت للهجوم كانت تحت إمرة أستاذة جامعية

TT

في خريف عام 2001 وبينما الأمة المكلومة تحاول التعامل مع تبعات هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) شرعت إليزابيث هانسون الأستاذة الجامعية في كتابة أطروحتها البارزة في كلية «كولبي كولدج» في ماين، التي تناولت قضيتها الرئيسية كيفية تطبيق شرائع الأديان الثلاثة الرئيسية في العالم للمبادئ الاقتصادية.

حملت أطروحة هانسون «الوثنيون غير المتدينين: الاقتصادات الدينية في اليهودية والمسيحية والإسلام» عنوانا أكثر استفزازا من محتواها. لكن ربما تكون قد قدمت بذلك إشارة إلى عملها القادم كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية متخصصة في اصطياد المتطرفين الإسلاميين. لكن مسيرة هانسون المهنية انتهت الأسبوع الماضي، فقد كانت من الأميركيين السبعة الذين قضوا في التفجير الانتحاري في قاعدة الاستخبارات المركزية الأميركية في جبال أفغانستان النائية. خلال الأيام التي تلت الهجمات بدأت التفاصيل الخاصة بالضحايا (خمس رجال وسيدتان من بينهم متعاقدان مع وكالة الاستخبارات من الشركة التي كانت تعرف في السابق باسم «بلاك ووتر»)، في التقاطر على الرغم من الطبيعة السرية لعملهم. وما ظهر إلى الآن هو مجرد لمحات عامة من ذلك المجتمع المغلق وإطلالة على جزء من وكالة التجسس بعد عملها أكثر من 8 سنوات بعد أن تم الدفع بها إلى الخطوط الأمامية في الحرب على الإرهاب. كان مقتل الضباط السبعة ضربة قاصمة للوكالة، عطلت عمل الفريق المسؤول عن جمع المعلومات حول شبكات المقاتلين في أفغانستان وباكستان وتشكيل فرق لقتل قادة تلك الشبكات. وفي إشارة إلى تغير هيمنة الذكور على المراكز القيادية في وكالة الاستخبارات في السنوات الأخيرة، كشف التفجير الأخير أن قاعدة «تشابمان» للعمليات الأمامية في إقليم خوست التي تعرضت للهجوم كانت تحت إمرة سيدة.

على الجانب الآخر، أصدر يوم الأربعاء الماضي، زعيم ميداني بارز في «القاعدة» في أفغانستان بيانا امتدح فيه عمل المفجر الانتحاري همام خليل البلوي وقال إن تفجير خوست الذي قتل فيه أيضا عميل في الاستخبارات الأردنية كان عملا انتقاميا لمقتل عدد من كبار قادة المقاتلين في هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار. تم انتقاء أعضاء وكالة الاستخبارات الذين قتلوا في هجوم خوست من جميع أنحاء الولايات المتحدة لكنهم تجمعوا معا في واحدة من أخطر مناطق العالم. كان كثير من القتلى يمتلك خلفية عسكرية، فكان سكوت روبيرسون، أحد العملاء القتلى، ضابط أمن، عمل متخفيا كضابط تحري مخدرات في شرطة أتلانتا كما عمل لبعض الوقت في كوسوفو لصالح الأمم المتحدة. وكذلك هارولد براون الذي كان احتياطيا سابقا في الجيش، وأبا لثلاثة أبناء، الذي سافر إلى موطنه من أفغانستان لفترة وجيزة في شهر يوليو (تموز) لمساعدة عائلته في الانتقال إلى منزل جديد في ضواحي فيرجينيا الشمالية. وقالت، اربرا، والدة براون في مقابلة معها عن ابنها - الذي كانت تظن أنه يعمل في وزارة الخارجية - إنه كان ينوي قضاء عام في أفغانستان والعودة إلى الوطن في أبريل (نيسان) وإنه لم يستمتع بعمله وإنه يتحدث قليلا بشأن ذلك. واسترجعت والدته ما كان يرويه لها عن أفغانستان وأن كثيرا من مناطقها لا يزال بدائيا: «الناس هناك يرغبون في أن يعودوا إلى حياتهم فهم أناس طبيعيون».

قائدة القاعدة العسكرية الأميركية خبيرة سابقة بوكالة الاستخبارات سافرت إلى أفغانستان العام الماضي كجزء من جهود الوكالة لتدعيم صفوفها في مناطق القتال. وبعد مشاورات مع وكالة الاستخبارات امتنعت «نيويورك تايمز» عن نشر بعض المعلومات التفصيلية حول السيدة. كما رفضت الوكالة الحديث عن هويات أي من موظفيها. وقالت إن أسماءهم كشفت لعائلاتهم، وكان اسم هانسون قد نشر للمرة الأولى في مجلة «ديلي بيست» التي تصدر على الإنترنت. وفي مقابلة هاتفية مع والدها دوني هانسون، قال إن مسؤولا بالوكالة اتصل به قبل بضعة أيام وأعلمه أن ابنته التي ستبلغ عامها الحادي والثلاثين الشهر المقبل قتلت، وإنه لم يعلم عن عملها سوى أنها كانت في أفغانستان. وقال: «رجوتها ألا تسافر، وقلت لها: ألا تعلمين كم المخاطر الموجودة هناك؟ إنها للجنود فقط». المرأة الأخرى التي قتلت في التفجير الانتحاري، قائدة قاعدة خوست، كانت قبل 11 سبتمبر (أيلول) واحدة من أعضاء وحدة صغيرة من ضباط مكافحة الإرهاب تراقب نمو «القاعدة» وتضطلع بمهمة العثور على أسامة بن لادن. وكانت هذه المجموعة، المعروفة باسم «أليك ستيشن»، التي تعمل من مكتب صغير بالقرب من مقر وكالة الاستخبارات المركزية، قد عبرت عن قلقها الكبير في صيف 2001 من احتمال وقوع هجوم ضخم على الولايات المتحدة. ويتذكر أحد الضباط السابقين أن المرأة كانت على معرفة موسوعية بقادة «القاعدة». وكانت على دراية فائقة بالتغيرات المختلفة لأسماء القادة، مما يمكنها من الحصول على معلومة استخباراتية لتستشف منها احتمالية وقوع عملية لـ«القاعدة». وقال ضابط سابق، رفض ذكر اسمه كغالبية من التقتهم الصحيفة لأن اسم الضحية لا يزال أمرا سريا: «كانت واحدة من أبرز الشخصيات في الوكالة القادرة على التعامل مع تنظيم القاعدة بصورة جادة». لم تكن الخبيرة الوحيدة في شؤون «القاعدة» التي قضت في الهجوم، فيشير مسؤول بارز متقاعد في الوكالة إلى أن أحد أولئك الضحايا، الذي لم يكشف عن اسمه أيضا، واحد من أبرز محللي وكالة الاستخبارات المركزية المعروفين والمتخصص في الشبكات الإرهابية. من بين القتلى اثنان هما جيريمي وايز الذي يبلغ من العمر 35 عاما العضو السابق في مشاة البحرية الأميركية من فيرجينيا بيتش، ودان كلارك باريزي البالغ من العمر 46 عاما من ديوبونت بولاية واشنطن، اللذين عملا كضباطي أمن لشركة «إكسي للخدمات» التي كانت تعرف من قبل باسم «بلاك ووتر». وقد رفضت الشركة طلب التعليق بشأن الوفيات لكن الصحف المحلية غطت الموضوع بشكل موسع. وقد شارك في نعي جيريمي وايز على «فيس بوك» 3.189 شخصا يوم الثلاثاء، وشاركوا في استرجاع ذكريات طفولته كابن لطبيب في أركنساس وأن والديه يعيشان الآن في مدينة هوب مسقط رأس بيل كلينتون.وكتب أحدهم: «جيريمي وايز بطل أميركي».

* خدمة «نيويورك تايمز»