«الموت الأبيض» يودي بحياة 27 متزلجا على الألب سنويا

وسائد هوائية تعمل بالريموت كنترول لإنقاذ المتزلجين من الانهيارات الثلجية

الوسائد الهوائية البديلة يقدمها معهد «فراونهوفر» الألماني للتقنية، وهي أكياس هوائية تنطلق بسرعة خارقة من كيس يحمله المتزلج على الظهر («الشرق الأوسط»)
TT

تسجل كتب التاريخ القديم أن أقدم وأعظم انهيار جليدي جرى في فترة تسبق ميلاد المسيح، وحصل على جبال الألب. وكان الضحية جيش «هانيبال»، الذي قرر اختراق جبال الألب في شتاء 218 ق.م، وأودت الانهيارات الجليدية بنصف جيشه، 20 ألف ضحية، إضافة إلى عدد غير معروف من الخيول والفيلة.

تعيش أوروبا اليوم أكثر موجات البرد قسوة منذ سنوات، وعزل الثلج مدنا أوروبية كبيرة عن العالم. ومع زيادة تراكم الثلوج على الجبال، ينتعش موسم رياضات التزلج على الجليد وتسلق الجبال، خصوصا في جبال الألب الأوروبية.

ومن الطبيعي، مع زحف الجليد على السفوح، أن تنتعش الأحلام بقضاء أيام جميلة من التزلج على الجليد وبين الوديان العميقة، لكن هذا الحلم قد يتحول إلى كابوس إذا ما فاجأت الانهيارات الثلجية فرق المتزلجين، وغطتهم بلحافها الأبيض. فالثابت أن التحولات المناخية الجارية، بفعل ظاهرة الاحتباس الحراري وذوبان الجليد في القطبين، أدت إلى ذوبان القشرة الجليدية، التي تغطي قمم جبال الألب، وزادت من احتمالات الانهيارات الجليدية.

ومن الثابت أيضا أن عدد الأشخاص الذين داهمتهم الانهيارات الجليدية - تسمى أيضا «الموت الأبيض» - قد زاد في العقود الأخيرة، لكن عدد الضحايا انخفض، كما انخفض معها عدد حالات الكسور والرضوض التي تسببها الانهيارات الجليدية للناس. ويعود الفضل في تحسن فرص النجاة من الانهيارات الجليدية إلى ارتفاع دقة التوقعات المناخية، وزيادة وعي المتزلجين ومتسلقي الجبال بالمخاطر، وتحسن التقنيات الحديثة الكفيلة بحماية المتزلجين من تراكم الجليد فوقهم، والموت اختناقا.

ومن هذه التقنيات الجديدة استخدام أسطوانة هوائية تعلق في الحزام، تمتص الهواء الموجود بين الثلج المحيط بالمتزلج المغمور به، وتعيده إليه بالتدريج إلى حين وصول فرق الإنقاذ. إن استخدام «أنبوب النجاة» الذي يمرر من الخارج إلى المكان المتوقع الذي يمكن أن يكون المتزلج مغمورا فيه، يهدف إلى إيصال الهواء إليه والاتصال به، واستخدام تقنية تشخيص مكان الانغمار باستخدام الأقمار الاصطناعية وانتشار تقنية أجهزة الهاتف الجوال التي تعمل كمرسل أيضا. ودخلت الوسادات الهوائية إلى كيس ظهر المتزلج منذ عشرين سنة كأفضل طريقة لإبقائه فوق الثلوج، فهي تجعله يطفو فوق الثلج كما يطفو فوق الماء، كما أنها توفر له كمية كافية من الهواء تعينه على اختراق الثلج إلى الأعلى. إلا أنها بقيت تعمل بشكل يدوي، ولا تنطلق إلا بسحب فتيل إطلاق الوسائد من قبل المتزلج، وهذا أحد عيوبها.

الوسائد الهوائية البديلة يقدمها معهد «فراونهوفر» الألماني للتقنية من مدينة فرايبورغ الألمانية في الجنوب، وهي أكياس هوائية تنطلق بسرعة خارقة من كيس يحمله المتزلج على الظهر، ويمكن للمتزلج، أو معلمه، أو مرافقه التحكم بها عن بعد، والتدخل لإنقاذ الشخص المهدد. وتم طرح الأكياس في السوق مع بدء عام 2010، بعد أن تم التأكد من فاعليتها وأمنها.

ويمكن لعامل الوقت أن يلعب دورا أساسيا في حياة المتزلج الذي تداهمه الثلوج المنهارة، ولا تضمن وسائد الهواء التقليدية للمتزلج حياته إلا إذا لاحظ الانهيار قبل فترة زمنية، ولهذا فإن تقنية «فراونهوفر» ستقلل وقت انطلاق الوسائد إلى ربع الوقت الذي تستغرقه الوسائد التقليدية؛ فالوسائد الأخيرة تستخدم هواء مضغوطا في أسطوانة ينطلق بالضغط بعد إشعال الفتيل من قبل المتزلج، الذي يسحب حبلا يرتبط بالفتيل. لكن وسائد «فراونهوفر» الحديثة، العاملة بالريموت كنترول، تستخدم مادة حرارية لإشعال الفتيل، وبالتالي تقلل وقت انطلاق الوسادة، وتستخدم الموجات الصوتية لإيصال إيعاز الاشتعال إلى الفتيل.

ويقول المخترع بيرنهارد بوداكر، من معهد «فراونهوفر»، إن الجيل الأول من وسائد المتزلجين عبارة عن وسادتين متوازيتين يحملهما المتزلج في كيس على الظهر، لا يزيد وزنه على 650 غراما، في حين أن وزن حقيبة الوسائد التقليدية يبلغ 1200 غرام، ويرفضه الكثيرون باعتباره وزنا زائدا يقلل قدرتهم على الحركة. وتبقي الوسادتان المتزلج دائما فوق سيل الثلوج الزاحف، مع توفير الهواء في حالة انغمار رأسه لفترة دقائق في انتظار وصول فريق الإنقاذ.

وعند تجربة الوسائد الهوائية في أجواء انهيارات جليدية تمت في المختبر، وفي أخرى حقيقية أجريت كتجارب فوق جبال الألب السويسرية، ثبت أنها أنقذت حياة المتزلجين بنسبة 98 في المائة، كما قللت تعرضهم للأضرار الجسدية بنسبة 90 في المائة. وتعمل تقنية إشعال فتيل غاز الوسادة على موجات تردد تتراوح بين 868 و915 ميغاهيرتز، ويجري التحكم بها من قبل المتزلج نفسه، أو من قبل رئيس فريق التزلج.

وإذا غفل المتزلج عن حصول انهيار ثلجي قد يطمره، فإن في إمكان رئيس الفريق، الذي يلاحظ الانهيار، أن يطلق الوسائد الهوائية للمتزلج باستخدام جهاز الريموت كنترول عن بعد 350 - 500 متر. ويمكن للمدى أن يرتفع أكثر إذا جرى بث الإشارة بين أعضاء الفريق بالتسلسل، من الأول إلى الأخير، ليصل إلى عدة كيلومترات. ويمكن فقط لرئيس الفريق إطلاق الوسائد الهوائية للآخرين، ولا يستطيع عمل ذلك كل عضو في الفريق، لكن تقنية «فراونهوفر» تتيح تناقل الإشارة بين أعضاء الفريق، في حالة حصول انهيار ثلجي كبير، بما يضمن انطلاق الوسائد معا. ويمكن لوسائد عدة، لدى متزلجين عدة، أن تشكل وحدة هوائية تعمل كالبالون الكبير، وتكون كفيلة بانتشال الجميع من الثلج، وتوفير فقاعة هوائية كبيرة لهم للتنفس.

المهم أيضا، حسب تصريح بوداكر، أن نظام انطلاق الوسائد الجديد يمكن تركيبه على الوسائد الهوائية التقليدية من دون مشكلات. وهذا يعني أن الرياضي الذي ينال هذه التقنية، يمكن أن يقتصد في التكلفة والوزن، وأن يضاعف فرص نجاته من الانهيارات الثلجية مرات أكثر. وتتيح سرعة عمل النظام الفرصة للمتزلج الأول في الفريق، أن يعود إلى المتزلج الأخير، الذي يتعرض للانهيار الثلجي، وتقديم المساعدة اللازمة له.

وكان المعهد السويسري لأبحاث الانهيارات الجليدية قد أجرى دراسة حول الانهيارات الجليدية في الألب خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وطرحها أمام معهد «فراونوهوفر» الألماني. وشملت الدراسة تحليل معطيات 1619 انهيارا جليديا كبيرا حدثت بين 1977 - 2006، وغطت 3434 شخصا، مات 703 منهم تأثرا بالاختناق أو بالإصابات الجسدية. وثبت من الدراسة أن عدد الضحايا قد انخفض بشكل ظاهر منذ سبعينات القرن الماضي، وكذلك انخفض عدد القتلى. وعموما، كانت ثلوج جبال الألب تقتل حوالي 27 شخصا سنويا، حسب إحصائية المعهد السويسري، يحدث 20 منها في فصل الشتاء كما هو متوقع.

وفي الوقت الذي كان يموت 6 من كل 10 أشخاص تغمرهم سيول الثلج الجارفة في نهاية السبعينات من القرن العشرين، يموت اليوم 4 من كل 10 أشخاص تغطيهم هذه الجبال الجليدية. وذكرت كريستينا بيلماير، من معدي الدراسة، أن فرص النجاة تحسنت أساسا بفضل التقنيات الجديدة، وطرق التحذير المبكرة من الانهيارات الجليدية. وترتفع فرصة المتزلج في النجاة من الموت إلى نسبة 80 في المائة، إذا تم انتشاله في الدقائق الـ15 الأولى التي تلي الانهيار، لكن الفرص تتضاءل مع مرور الوقت.