أسراب الطيور تقطع آلاف الأميال قاصدة أهوار وبادية محافظات جنوب العراق

خبراء البيئة: الصيد الجائر للطيور المهاجرة يهدد أنواعا نادرة بالانقراض

طيور مهاجرة تم صيدها وتسويقها في البصرة («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد أجواء محافظات جنوب العراق هذه الأيام قدوم أسراب كثيرة من الطيور المهاجرة؛ منها ما يتجه إلى الأهوار وهي التي تسمى الطيور المائية، ومنها ما يقصد براري البادية الجنوبية، حيث يتربص بها الصيد الجائر الذي تقوم به جماعات من الصيادين؛ فريق منهم يعتبره موسما للرزق، وآخر يعد الصيد من التقاليد العربية الأصيلة التي تقترن بالرجولة والفروسية وركوب الخيل. اعتاد سكان محافظات البصرة والعمارة والناصرية على مشاهدة عشرات الأسراب من الطيور المهاجرة وهي تقطع سماء مدنهم؛ منها منتظمة في طيرانها على شكل رأس سهم يقود كل سرب منها أحد الطيور من فصيلتها، وهو من المؤكد تم اختياره بالغريزة لخبرته في الدلالة على مسالك الهجرة ومعرفة محطات الاستراحة الآمنة خلال رحلتها الطويلة.

وقال معنيّون بالبيئة لـ«الشرق الأوسط» إن الصيد الجائر الذي تتعرض له الطيور المهاجرة إلى بيئة العراق الجنوبية بعد أن تقطع آلاف الأميال هربا من تغير المناخ وظروف الطقس القاسية في معظم أرجاء العالم، يعد من أكثر الوسائل خطورة، مما يهدد أنواعا نادرة منها بالانقراض. وأكدوا على أن عدم تفعيل السلطات التنفيذية للقوانين الخاصة بمنع الصيد الجائر وعدم وجود محميات طبيعية أسهم في كثرة الصياديين المحليين وشجع قدوم جماعات من هواة الصيد من دول الخليج العربي من الذين يقضون أياما طويلة داخل مخيمات ينصبونها لإقامتهم في البادية الجنوبية، يستخدمون فيها أسلحة نارية فيما يلجأ صيادو طيور الأهوار إلى استخدام مواد سامة، وهي من أكثر الوسائل فتكا بالطرائد، مما ينذر بمخاطر جمة على البيئة المحلية.

وأوضح طه ياسين مدير بيئة البصرة: «تعتبر الأهوار والبادية الجنوبية التي تعد الحافة الشرقية للجزيرة العربية من أقدم وأهم المآوي الطبيعية في العالم، ولها دور بيئي كبير في إيواء الطيور المستوطنة والمهاجرة والمحافظة على أنواعها، حيث تنشد الدفء فيها للتكاثر، هاربة من صقيع سيبيريا ودول وسواحل شمال أوروبا والمناطق الباردة الأخرى في فصل الشتاء». وأضاف: «يبدأ موسم الصيد الجائر للطيور المهاجرة عند طلوع كوكب في السماء يسمى بالعامية (نجم سهيل) حيث تبدأ عملية التحول في المناخ وتأخذ درجات الحرارة في الانخفاض مع اخضرار النباتات الصحراوية وانخفاض درجات حرارة المياه الجوفية في الآبار، إذ تبدأ طلائع الطيور البرية والبحرية في الظهور بالمنطقة»، مشيرا إلى أن «هناك نوعين من الصيد الجائر؛ أحدهما الصيد العشوائي لكل طير أو مجموعة طيور تظهر في منطقة الصياد، خاصة طيور الحباري وهي الأشد خطورة، فيما يختص آخرون بصيد الصقور ومن أشهرها الحر والشاهين». وكشف راجح المنشد مدير بيئة محافظة الناصرية عن أن «الصيد الجائر يهدد 12 نوعا من الطيور المهاجرة إلى بيئة الأهوار بالانقراض، ومن بينها البط رخامي الذنب، وصقر الأسماك الباليزي، والصقر أبيض الذنب، والصقر الامبريالي المعروف بالصقر العراقي، وطائر الزقزاق الشامي، والبجع العراقي، والقزم وهو طائر يعيش في الأهوار ثم يهاجر شتاء إلى الأنهار، والإوزة الغراء أو الوز أبيض الجبهة وهو نوع يشبه طائر القزم، والبط أبيض الرأس، وطائر الكروان مستدق الرأس».

ويرى سمير عبود مدير بيئة محافظة العمارة أن «أسراب الطيور الواصلة للأهوار تتعرض إلى موجات يمكن تمثيلها بالإبادة نتيجة لتحول معظم صيادي الأسماك العاملين بالمنطقة إلى صيد الطيور باستخدام الحنطة المعفرة بالسموم، وتسويقها في المدن، خاصة البط الذي يفضل المكوث والتكاثر في أماكن ضيقة ومحددة وسط الهور مما يجعل مهمة صيده أسهل». وقال: «إضافة إلى الصيد الجائر، فإن جفاف مساحات كبيرة من الأهوار كان له تأثير بالغ على البيئة مما أثر سلبا على هجرة الطيور، حيث تواجه واقعا صعبا نتيجة تحول مساحات شاسعة من الأهوار إلى مساحات جرداء؛ إذ كانت في مواسم الغمر السابقة تحتوي كل بركة أو مسطح على آلاف الطيور المهاجرة»، داعيا إلى «إقامة المحميات الطبيعية التي من شأنها الحفاظ على مكونات البيئة كما فعل كثير من دول الخليج العربي».