حميد الهايس.. من الحرب على «القاعدة» إلى شريك في ائتلاف الحكيم

القيادي البارز بالأنبار يؤمن بـ«هوية وطنية».. لكن البعض يصفه بأنه أصبح «ألعوبة» بيد إيران

حميد الهايس يتحدث بهاتفه الجوال في معقله بمحافظة الأنبار (نيويورك تايمز)
TT

لا يوجد أحد، فيما يبدو، مستعد للصفح عن حميد الهايس في المناطق الساخنة غرب محافظة الأنبار العراقية التي كانت في السابق مسرحا لأعمال التمرد وتعد حاليا مسرحا فوضويا للفساد والصراع المتصاعد والحملات الانتخابية الحماسية. ويظهر لقب «الشيخ» الذي يطلق على الهايس نسبه الأصيل. ولكن يعد ذلك اللقب كلمة بسيطة حين يستخدم لوصف أكثر الشخصيات تعقيدا داخل عراق اليوم. فهو أيضا محارب قديم شارك في حرب دعمتها أميركا ضد المتمردين، وشخصية سياسية سنية، وأخيرا حليف غير محتمل للائتلاف العراقي الموحد، وهو كيان شيعي، خلال الانتخابات المزمع عقدها في مارس (آذار) من أجل تشكيل برلمان جديد. إنها محاولة لتحقيق الوحدة الوطنية، هكذا يصف الهايس سعيه داخل العراق الذي تتنازعه الخلافات الطائفية. ولكن، لا ينظر الكثير من جيرانه إليه بهذه الطريقة. بل يرون أنه خائن لطائفته وألعوبة في يد الحكومة الإيرانية وانتهازي يسعى من أجل الفوز بمكانة. وفي سعيه من أجل الحصول على منصب، يعد الهايس عنصرا ثانويا في دراما أكبر تتعلق بانتخابات 7 مارس (آذار)، التي يأمل مسؤولون أميركيون أن تساعد على سد هوة الخلافات داخل البلاد في الوقت الذي يقوم فيه الجيش بسحب قواته المقاتلة بحلول أغسطس (آب). ولكن في الرحلة الوهمية التي يقوم بها الهايس، ثمة تحذير من أن تعمق هذه الانتخابات الخلافات القبلية والعرقية والطائفية التي لا تزال تمثل تهديدا لاستقرار العراق بعد مرور نحو سبعة أعوام على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. ولا يوجد مكان آخر يباري الأنبار في التأكيد على ذلك، آخذين في الاعتبار أن الأنبار كانت نموذجا للنجاح الأميركي في وأد أعمال التمرد. ولكنها الآن عبارة عن منطقة مضطربة تعاني وتُحدق بها هجمات إرهابية وتفجيرات وعمليات اغتيال جعلت قياديا سنيا يقول إن العمل في السياسة هنا يعني أنك تعمل في الوظيفة الأكثر خطورة داخل العراق. «دائما ما أمتطي الطريق الذي تكون به العقبات الأشد»، هكذا قال الهايس، مستهزئا بالمخاطر بينما كان يقود سيارته الرياضية وينعطف إلى حواري خلفية بمنطقة ريفية ينظر إليها على أنها منطقته. وأضاف: «دائما ما أذهب إلى الأماكن التي لا يجرؤ على الذهاب إليها أحد».

وذكر قبسا من أغنية لسيدة الغناء أم كلثوم يقول: «واثق الخطى يمشي ملكا». وبدا الهايس مهيبا، بيديه المبسوطتين وقامته العالية التي يظهرها حزاما يلتف حول خاصرته، بينما كان يجوب في إطار حملته الانتخابية المزارع المروية وبساتين أشجار النخيل خارج مدينة الرمادي، حيث تعيش فيها عائلات تنتمي إلى قبيلته البو ذياب. ويقول «لا يمكن أن أقول إن جميعهم سيقوم بذلك، ولكن أشعر أنهم سوف يتبعونني».

ويتحدث الهايس، 42 عاما، عن أيام شبابه، ويصف نفسه آنذاك بأنه كان شخصا غير مسؤول. وداخل سياراته، أدار موسيقى بوب عربية بصوت مرتفع ومال مازحا تجاه جار يركب على دراجة. (عبس الجار) يمشي الهايس خلال حملته الانتخابية ومعه مسدس برتا عيار 9 مللي. وتنتهي معظم جمله بعلامات تعجب. ولكن فيما وراء ذلك، قناعة بهوية عراقية تتجاوز الطائفية وتسمح لرجل مثل الهايس، وهو شيخ داخل منطقة سنية، كي يتحالف مع أطراف أخرى يتزعمها رجال دين شيعة. ويقول: «في الواقع نعمل بصورة عملية ضد الطائفية، لا نكتفي بالكلام الجميل في خطاباتنا. ويتعين القيام بذلك من أجل تحقيق مصالح بلادنا».

وحتى الآن، يعد كلامه وأفعاله سببا في حالة من الغضب بدلا من أن يدفع إلى إعادة النظر في المواقف. ولا يزال الكثيرون داخل الأنبار يشعرون بالغضب بسبب رحلة استغرقت أسبوعا قام بها الهايس خلال يونيو (حزيران) إلى إيران، التي يعتقد الكثير من السنة أنها تسيطر على الحكومة الحالية وتطرح تهديدات للمصالح العراقية أكثر من الولايات المتحدة. ومنذ هذه الرحلة، أخذ بعض الجيران يصفون الفيلا التي يعيش فيها الهايس على امتداد نهر الفرات بأنها «المنزل الإيراني» أو «منزل الخميني». ويقول ضاري الهادي، وهو مستشار لمحافظ الأنبار ونائب أحمد أبو ريشة، الشخصية القبلية البارزة في المحافظة: «إنه ينفِّذ قطعا أجندة إيرانية، لا شك في ذلك. لا يوجد شخص في الأنبار يجرؤ على الذهاب إلى إيران».

ويحير الهايس حلفاءه الشيعة في بعض الأوقات، فهم يحترمون ما قام به من حرب ضد المتمردين ويشعرون بالثقة في أنه يمكن أن يحوز مقدارا كافيا من قبيلته للفوز بمقعد أو مقعدين. ولكنهم يفاجأون من تعليقاته الصريحة خلال اجتماعات الائتلاف. ففي الكثير من المواقف، يتعهد بافتتاح حانات في الرمادي ومنع النساء المحجبات من دخول جامعة الأنبار وكسر أقدام المرشحين المنافسين واقتفاء أثر البعثيين داخل الأندية الليلية بسورية. «مجنون»، هكذا وصفه زميل شيعي شريطة عدم ذكر اسمه حيث إنه يخشى استثارته. «ولكنك، إذا وصفت شخصا بأنه مجنون داخل الأنبار فإنهم ينظرون إلى هذه على أنها مجاملة». ومن جانبه، يرى الهايس أن زملاءه الجدد يلتزمون الصمت بصورة مبالغ فيها. ويقول متبرما: «دائما ما يجرون حساباتهم قبل أن يتفوهوا بكلمة واحدة». وأخيرا بدا أن الهايس يحير زملاءه السنة أيضا. في يوم شتاء بارد خلال الأسبوع الماضي، شق الهايس طريقه تجاه مدرسة نينوى الابتدائية للبنات داخل إحدى المناطق بمدينة الرمادي. وأطلق المدرسون هناك وابلا من الشكاوى: الشوارع التي تملؤها القمامة ونقص الأموال المخصصة للمدارس ومياه الشرب التي تخالطها مياه الصرف وفي بعض الأحيان الدماء التي تصرف من محلات الجزارة. أنصت الهايس إليهم، وفي خلسة أعطى المدير مظروفا فيه 1000 دولار، ثم حث المدرسين بعد ذلك على تنظيم مظاهرات وقال لهم: «بيدكم تغيير هذا الواقع».

وبعد ذلك تحدث ضابط سابق في الجيش، قائلا: «أريد التحدث صراحة، نأمل ألا تترك محافظتك وتنضم للائتلاف». وعبّر آخرون عن موافقتهم على ذلك بإيماءة من رؤوسهم. وصرخت امرأة: «لا نريد أن يأتي الشيعة إلى الرمادي. لا نريد دور عبادة للشيعة هنا». وتبع ذلك المزيد من الانتقادات. وصاحت امرأة قائلة: «نريد شخصا مثل صدام حسين». فتساءل الهايس: «شخص يأخذكم إلى حرب ويرمِّلكم جميعا؟» فردت المرأة: «على الأقل نقاتل الإيرانيين وندافع عن بلادنا».

وبعد ساعة، انتهى الاجتماع بصورة غير مريحة. وقال الهايس موضحا: «لقد أصابهم الضعف». ولكن بدا أن حالة الغضب تستشري ويصعب احتواؤها. وقالت معلمة: «إنه ابن الرمادي، ونحن نحترمه بهذه الطريقة». وأضافت: «ولكنه أخطأ».

* خدمة «نيويورك تايمز»