«حرب الحمّص الثانية» تشتعل بين لبنان وإسرائيل

«الشيف رمزي» يحذر من خسارة المعركة ووزير السياحة يتحدى

صحن الحمص اللبناني
TT

لن يستسلم لبنان لهزيمته أمام إسرائيل في حرب صحن الحمص. ووزير السياحة اللبناني فادي عبود، يهدد بصحن جديد للحمص، أكبر من الذي أعدته إسرائيل، ودخلت به «غينيس» منذ يومين، ويزن أربعة أطنان، واعدا اللبنانيين بصحن يطيح به بالضربة القاضية في الربيع المقبل، سيتم إعداده عند «بوابة فاطمة» الشهيرة على الحدود مع إسرائيل، وبمعنى آخر على مرأى ومسمع من الإسرائيليين، الذين سيتمكنون من متابعة الحدث، لو أحبوا، من وراء الأسوار الحدودية.

كانت المعركة قد بدأت يوم دخلت إسرائيل «موسوعة غينيس العالمية» بصحن حمص زنته 600 كيلوغرام، مدعية إسرائيلية هذا الطبق، واعتباره جزءا من التراث الإسرائيلي. وعلى الفور، بادرت «جمعية الصناعيين اللبنانيين»، قبل أقل من أربعة أشهر، بتحضير صحن عملاق وصل وزنه إلى طنين، أطاح بالصحن الإسرائيلي، وتربع لبنان على عرش «أكبر صحن حمص». لكن هزيمة لبنان منذ يومين بصحن إسرائيلي ثان بزنة أربعة أطنان، أثارت غضب فادي عبود، رئيس «جمعية الصناعيين»، الذي بات وزيرا للسياحة، وكذلك بعض المسؤولين الذين اعتبروا أن لبنان لن يخرج من الحلبة مهزوما.

لكن الطباخ اللبناني الشهير «الشيف رمزي» - رمزي شويري - الذي كان المسؤول التنفيذي عن إعداد أكبر صحن حمص دخل من خلاله لبنان «موسوعة غينيس»، قال لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس: «نحن قادرون على كسر الرقم الإسرائيلي بكل يسر، فحين أعددنا طبقنا كنا نعرف سلفا أن الرقم قابل للكسر، لكننا توافقنا على طنين». وإذ أكد الشيف رمزي أن صحنا عملاقا جديدا سيتم إعداده، فإنه قال إن وزنه سيظل سرا استراتيجيا لن يفصح عنه، إلا أنه تساءل عن نهاية هذه المعركة وقال: «ما النتيجة؟ وهل سنبقى نتنازع معهم على كسر الأرقام؟ ليست هذه هي المعركة الأساسية. أنا كتنفيذي أستطيع أن أحضر طبقا من ثمانية أطنان مثلا، لكن هذا لن يقدم ولن يؤخر. ما نعيشه الآن معركة إعلامية ومعنوية. صحيح أن كسر المعنويات مهم، لكن الأهم بكثير هو تسجيل الطبق لدى الهيئات الدولية كطبق لبناني يعترف به عالميا بهذه الصفة، ولست مسؤولا عن هذا الموضوع، فمهمتي تنفيذ عملية، لا غير».

ويتابع الشيف رمزي: «ما نعرفه حتى الآن أن إسرائيل تقوم بمسعى جدي لتسجيل الحمص دوليا كأحد المأكولات التي تعود إلى التراث الإسرائيلي، وأنها اقتربت من أن تنجح في مهمتها، وهذا يحتاج إلى دراسات وإثباتات لا يبدو أننا أنجزنا منها الكثير، أو قدمناه إلى الجهات الدولية المعنية. هذا أمر يُسأل عنه المسؤولون اللبنانيون، كل في وزارته، ووفقا لمهامه، مثل (جمعية الصناعيين اللبنانيين)». ويكمل الشيف رمزي: «مطبخيا.. أنا جاهز، لكني أشدد على أن المسألة الجوهرية ليست هنا، وإنما في مكان آخر».

طرحت «الشرق الأوسط» بعض الأسئلة على فادي عبود، وزير السياحة اللبناني، وهو صناعي كبير، كان قد قام بمبادرة الإعداد لصحن الحمص العملاق الذي دخل به لبنان «غينيس»، فقال: «تسجيل الحمص كمأكول ذي أصول لبنانية أو غير لبنانية، يحتاج بشكل أساسي إلى إثباتات. وشخصيا، لا أرى في مقدور إسرائيل، التي لم تكن موجودة قبل عام 1948، أن تثبت إسرائيلية هذا الطبق. اليوم لجأت إلى فلسطيني هو جودت إبراهيم، لتحطم الرقم اللبناني، وأنا سعيد بذلك، لأن ذلك يدل على كذبهم، وعجزهم عن إثبات أحقيتهم في الحمص». ونسأل الوزير عبود: ما فائدة أن يكون جودت إبراهيم فلسطينيا فيما هو إسرائيلي الجنسية ويدخل «غينيس» بهذه الصفة؟ فيقول: «هذا صحيح، لكنه (شيف) فلسطيني وهذا معروف للجميع، بمعنى أنهم يستخدمون الفلسطينيين الموجودين عندهم، وهو دليل فاضح على كذبهم؛ إذ ما معنى أن يحضر لبناني مهاجر إلى أميركا طبقا لبنانيا هناك وتنسبه أميركا إلى نفسها؟ هذا تزوير فاضح وبيّن. ونحن لا مشكلة عندنا أن تكون أصول الحمص فلسطينية، لكن لا نقبل به إسرائيليا». وعن الخطوات العملية التي اتخذتها السلطات اللبنانية لتسجيل «لبنانية» صحن الحمص في المحافل الدولية، قال عبود: «التسجيل ليس من صلاحية القطاع الخاص، ورسميا هو ليس من صلاحية وزارة السياحة. وأود أن أوضح أن التسجيل لا علاقة له بدخول (موسوعة غينيس). هذان أمران منفصلان ومختلفان عن بعضهما بعض».

وإذ يؤكد عبود أنه لن يترك جهدا إلا وسيبذله في حدود صلاحياته لعمل ما يلزم في هذا المجال، فإنه يقول: «المسؤولية تقع على وزارة الاقتصاد، التي يجب أن تتحرك بفعالية. والمشكلة أن كل وزير يتعامل مع صلاحياته كما يتعامل مع شرف ابنته». ويوضح أن «وزارة الاقتصاد تلقت مساعدة تتراوح بين 350 ألف فرنك سويسري و500 ألف فرنك كدعم للبنان لكي يقوم بأبحاث، لتسجيل مناطقه الجغرافية ومأكولاتها، ولا نعلم أن شيئا من هذا قد بدأ إنجازه، أو الخطوات التي اتخذت في هذا المجال، على أهميتها. في الحقيقة نحن نسأل، لكن الجواب يأتينا بأن هذه صلاحيات وزارة الاقتصاد. وهاهو كل لبنان ينتظر وزارة الاقتصاد، والوزير محمد الصفدي لنرى ما الذي سيفعله، وأرجو ألا يكون (لا شيء)». الحقيقة أن معركة صحن الحمص هي غيض من فيض المعارك الكثيرة بين لبنان وإسرائيل على مستوى المطبخ. ويعتبر الوزير عبود أن المعضلات كثيرة، والمعركة مفتوحة على أكثر من جبهة، «فالمأكولات التي يدعون أنها إسرائيلية، كلها لبنانية وعربية، فهم يسوّقون الآن القهوة البيضاء مع ماء الزهر، وكذلك المجدّرة والبابا غنوج ودبس الرمان والتبولة». ويضيف عبود: «منذ أيام كان ثمة معرض للمأكولات الحلال في ولاية نيوجيرسي الأميركية، وجرى اختيار الفلافل الإسرائيلية كأفضل فلافل في العالم، بمعنى أنهم هم أهل الفلافل اليوم. فماذا يصنع العرب في مواجهة ذلك؟ وأتساءل: إذا كنا نتعامل مع إسرائيل في المطبخ كما نتعامل معها في الحرب، فكيف ستكون النتيجة؟».

ويشرح وزير السياحة اللبناني أن مشكلة لبنان لا تتوقف هنا، «فهناك استعمال لأسماء لبنانية من قبل إسرائيل وغير إسرائيل»، متابعا «لقد اكتشفنا أن هناك طحينة إسرائيلية تسوق باسم (طحينة الأرز) مما يوحي بأنها لبنانية من دون أن يقف أي أحد في وجههم. ونعرف أيضا، وهذا معلوم للجميع، أن هناك ماركة سورية للأطعمة تحمل اسم شتورا، وهو اسم بلدة لبنانية شهيرة. هذه كلها أمور تجدر متابعتها، وهي من مهام وزارة الاقتصاد».

من جانبه، يحمل الشيف رمزي مخاوف كثيرة، يعبر عنها بالقول: «أخشى أن نتلهى بالكلام، وأن نركز على الحماس والحملات الإعلامية، بينما العمل الجاد والحقيقي في مكان آخر. هناك الكثير من الثرثرة، في حين أن التراث بغالبيته متروك، وليس ثمة من يعنى به. لقد أوكل إلي كسر الرقم الإسرائيلي لصحن الحمص وقمت به بنجاح. وإذا أوكل إلي الأمر مرة أخرى، فسوف أفعل بنجاح أيضا. لكن، ماذا بعد؟ هذا هو السؤال المطروح على المسؤولين».