مشخص وتاريخنا الرياضي

محمود تراوري

TT

يمكن اعتبار (عبد الحميد مشخص) رحمه الله أحد الرموز التاريخية لنشأة الكرة في السعودية، تماما مثلما يمكن عده ضمن قائمة المنسيين الذين غابوا في قعر الأيام، ولم نحفل بهم، ليطفو اسمه على السطح الأسبوع الماضي بعد أن التهمه الموت، فيعود للإعلام كخبر ونعي عابر وخجول.

ليس في الأمر ما يدعو للاستغراب، فنحن هكذا، بسيطون جدا، لم تتأسس لدينا تقاليد الاعتناء بالذاكرة التاريخية، وتفعيل تراكم التجربة الإنسانية في البناء. وأتصور أن مجتمعنا السعودي في مرحلة انتقاله من النمطين الرعوي والزراعي طبقا لمنظور علم الاجتماع، لم يكن معنيا بدرجة عميقة وكافية بالبعد الثقافي لهذه الانتقالة، وظل بسيطا، غير معني إلا بما هو روحي، أو منصرفا نحو النزعة الاستهلاكية، التي بدورها أفضت إلى تنمية مادية، عمرانية، وإغفال شبه كلي للمأسسة، كإطار اجتماعي يحقق تنمية على مستوى أنماط التفكير وطرائق الإبداع.

(العم عبد الحميد) ما هو إلا (عود من حزمة) كلما تقلصت خضرتها لا نحرص أبدا على إبقائها نضرة. هناك عشرات الأسماء لكوكبة نثرت بذور البدايات في الحقل الرياضي، ولم تتصل كذاكرة في أذهان الأجيال.

قلة هم الذين يعرفون أو يتذكرون عينة من طراز (محمد طرابلسي، عباس حداوي، طاهر سعد، الصايغ، يعقوب، إمام برناوي وعطائه البهيج في النادي العسكري بالطائف) وسرب طويل لأسماء جميلة تمتد في مفازات البلد من البحر إلى البحر.

انصراف الرموز ورواد التأسيس يفضي بالضرورة إلى تكريس الانقطاع ما بين تجارب الأجيال، ويجعل المجتمعات دائما ما إن تنطلق في مسيرتها حتى تعود للمربع الأول أو تبقى دائما أسيرة منطق (مكانك سر) أو التقدم ببطء ودون تراكم نوعي في أحسن الأحوال تفاؤلا.

أتذكر الآن محاولة خجولة لتسجيل سيرة (العم عبد الحميد) قمت بها عام 2002، التقيته بمنزله بحضور أبنائه، ومنهم الدكتور محمد مشخص، والزميل طارق مشخص الذي تزاملت معه في الشركة السعودية للأبحاث والتسويق إبان عمله في جريدة «عرب نيوز»، يومها أصغيت له، وهو يغوص في أيام قديمة، يروي بصوت واهن كيف انتقل للرياض مشرفا على سنترال قصر الملك المؤسس طيب الله ثراه، وكيف كانت الحياة تسير في العاصمة، وكيف تجمع هو ونفر من أصدقائه لتأسيس نادي الشباب.

كان يطل من شرفات التسعينات من عمره، وهنت ذاكرته، لم يقو على السرد كثيرا لعلة صحية. فطويت أوراقي وأنا أغادره متحسرا على كثير من تاريخنا الذي لم يدون من أفواه صانعيه.

لست أدري من وكم تبقى الآن من صناع تاريخنا الرياضي، كي نلحق بهم، ونقطف ما تبقى في ذاكرتهم قبل أن يأتي يوم يُكتب فيه التاريخ تبعا للهوى والاجتهادات من كثيرين يفتقدون كفاءة البحث العلمي لكتابة تاريخ حقيقي.