جبل قاسيون.. من ارتفاع 200 متر تشاهد دمشق كراحة الكف

على قمته بنى المأمون مرصده الفلكي وفي إحدى مغاراته قتل قابيل هابيل

جبل قاسيون.. برج دمشق الطبيعي («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كانت العاصمة السورية دمشق تفتقر إلى برج معماري، كحال عدد من كبريات مدن العالم، يوفر للزائر مشاهدة معالم المدينة بكل أحيائها وأسواقها ومسطحاتها الخضراء وحتى غوطتها الشهيرة، فقد وهبها الخالق ما هو أجمل من كل الأبراج التي شيدها الإنسان.

وهبها جبل قاسيون، الذي يتربع بوقار وعنفوان في الجهة الغربية من المدينة مع امتدادات طبيعية باتجاهي الجنوب والشمال، على ارتفاع نحو 1140 مترا عن سطح البحر وحوالي 200 متر عن وسط المدينة. ومن قمة قاسيون تتاح للزائر مشاهدة دمشق بمنظر بانورامي رائع وجميل، خاصة في المساء حين تتلألأ أضواء المدينة بمختلف الألوان. ولأن الإطلالة من الجبل تحتاج إلى نزهة وجلوس قد يمتد لساعات وساعات، فقد انتشرت على قمته العديد من الاستراحات الترفيهية الشعبية والسياحية التي تمتع روادها بمشاهدة دمشق من عل مع أخذ «نفس آركيلة (شيشة)» واحتساء القهوة والشاي والمرطبات الباردة وغيرها. ولقد عملت الجهات المعنية في دمشق على وضع الخطط لتنظيم هذه الاستراحات وتحديد أماكنها وخدماتها بما يتيح للزائر المحلي والسائح الأجنبي تحقيق الاستفادة القصوى من ارتيادها. وفي حوار مع «الشرق الأوسط» قال مدير سياحة دمشق المهندس فيصل نجاتي عن مشروع تنظيم الاستراحات في جبل قاسيون الذي تنفذه مديريته: «يتميز الجبل بخاصية فريدة يقدمها لدمشق، وهي غير موجودة إلا في مدن قليلة. فعندما يفد الزائر إلى دمشق تراه يتجول في قلبها.. ثم خلال ربع ساعة من الزمن يمكنه الوصول إلى منطقة يشاهد منها كل المدينة كراحة الكف. والمنظر في النهار جميل جدا.. وفي الليل جميل جدا أيضا». وأضاف نجاتي أن «جبل قاسيون يقصده السياح من كل دول العالم بمجموعات أو بشكل فردي، كما يزوره الدمشقيون بشكل دائم لأنهم يعتبرونه متنفسا طبيعيا لهم، ولا سيما في فصل الصيف. ولقد عملنا في الفترة الأخيرة على مشروع تنظيم الاستراحات والمطاعم في الجبل، ويبلغ عددها حاليا تسع استراحات بشكل رئيسي، منتشرة على الشريط المرتفع في الجبل، الذي يطل على دمشق بشكل مباشر. بينما هناك شريط يطل على منطقة دمر وعلى الجهة الخلفية من الجبل». ثم شرح «وجرى تنظيم الاستراحات من خلال ضبط الأسعار التي تتقاضاها من الزوار، خاصة وأن هذه الاستراحات ملك لمحافظة دمشق، وأعطيت لمستثمريها من القطاع الخاص بموجب عقود استثمار، وتم حل مشكلة إشغال الأرصفة ما بين المطاعم والاستراحات في أعلى الجبل التي كانت تسبب إرباكا للزائر بالتنسيق بين محافظة دمشق ووزارة السياحة من خلال تشكيل لجنة مشتركة، ووضعت عناصر شرطة بشكل دائم لمنع إشغال الأرصفة. كذلك جرى تكثيف جولات الرقابة السياحية لضبط الأسعار التي تتقاضاها هذه الاستراحات والمطاعم مع إلزامها بوضع لائحة بأسعار ما تقدمه في واجهة المطعم، ونحن نعالج أي شكوى تردنا بهذا الخصوص». على صعيد آخر، لا تنتهي المتعة مع قاسيون بمشاهدة دمشق «بانوراميا»، بل هناك عناصر جذب أخرى لهذا الجبل. فالمجال مفتوح لمشاهدة كثير من الكهوف والأماكن التاريخية والطبيعية والاستماع للأساطير والحكايات التي تروى عن الجبل «القاسي»، ومن هنا جاءت تسميته، لقساوة صخوره، وكانت هذه القساوة سببا في تعذر سكناه على الدمشقيين، مع أنه احتضنهم في البداية. ذلك أنهم مع بداية نشوء العمارة والبيوت السكنية انحدروا وأخذوا يبنون في سفوحه الخصبة. ومما يروى عن جبل قاسيون أن على قمته بنى الخليفة العباسي المأمون مرصده الفلكي لرصد الكواكب والنجوم، وكذلك تقول الروايات إن فيه الكهف حيث قتل قابيل (أو قايين) أخاه هابيل. وحسب المهندس نجاتي، هيأت محافظة دمشق طريقا درجيا للوصول إليه، وقد أنير ليلا، وهو يزار بشكل دائم من قبل المهتمين بالآثار والمواطنين العاديين. وفي أعلى الجبل أيضا توجد حسب الروايات مغارة أو كهف (مقام أهل الكهف)، وهو من طابقين، ويزوره كثير من الناس، حيث يكتبون على جدرانه أسماءهم وكلمات للذكرى، ولكن هنا تكمن المشكلة بالوصول إليه، إذ إنه يقع وسط أبنية سكنية، ويحتاج الزائر لدخول بناء سكني قبل الوصول إليه، وهو حاليا غير مؤهل بشكل جيد للزيارة، لكن ثمة مشروعا لاستملاك المكان تعترضه بعض الصعوبات، لأنه تابع لوزارة الأوقاف. وهناك منطقة مهمة ترتبط بالجبل، وتقع في سفحه، تسمى «حي المدارس» أو «حي الشيخ محيي الدين» بمنطقة الصالحية. وهذه المنطقة، كما يقول نجاتي، «من المناطق المهمة جدا من الناحية الأثرية، ولتطوير هذا الحي التاريخي شكلت أخيرا لجنة علمية من المحافظة والآثار والسياحة والأوقاف، وقامت اللجنة بتوثيق هذه المنطقة. وكان من نتائج عملها توثيق 70 موقعا أثريا، ووضعت اللجنة استمارة لكل موقع من هذه المواقع تتضمن الجهة المالكة والوضع الإنشائي والمعماري له وأهميته التاريخية وما يلزم من أعمال للمحافظة عليه، وبعد انتهاء مرحلة التوثيق ستنطلق قريبا مرحلة تأهيل هذه المنطقة وتنظيمها بشكل معماري وخدماتي وتهيئة الأرصفة حتى تصبح مؤهلة بشكل أكبر لزيارات سياح دمشق». وكما يحظى قاسيون بمشروع لتنميته سياحيا فإنه يحظى، ومنذ أكثر من أربعين سنة بمشروع لتشجيره بمختلف أنواع الأشجار الحرجية والمثمرة كالزيتون والنخيل والصنوبريات وغيرها، وهذا رغم تضاريسه الصعبة وصخوره القاسية. وللعلم، تقول بعض المصادر التاريخية إنه كان في الجبل 12 ألف نخلة قطعها تيمورلنك عندما غزا دمشق. وتعمل مديرية زراعة دمشق راهنا على تنفيذ مشروع تشجير الجبل حسب الإمكانات الطبيعية المتاحة وفي الأماكن التي يمكن تشجيرها منه، ولا سيما ما يسمى بـ«الحزام الأخضر» في جهته الشمالية. وعن مراحل التشجير الحالية قال المهندس علي سعادات، مدير زراعة دمشق، لـ«الشرق الأوسط»: جار تنفيذ أعمال التشجير في السفوح الشمالية. وأنجز في بداية المشروع، وبسبب صخور قاسيون القاسية ونقص التربة الكافية الصالحة لنمو الأشجار، نقلت أنقاض من مدينة دمشق، وصنعت منها المدرجات بعد تغطيتها بطبقة من التربة الزراعية، وقد بلغت المساحة المشجرة من الجبل حتى عام 2007 حوالي 1140 هكتارا زرعت بأكثر من 600 ألف غرسة من الصنوبر والسرو والكازورينا والبطم الأطلسي والدفلة والزيتون والآكاسيا بأنواعها والفلفل الكاذب والغلاديشيا، كما زرعت أنواع ثانوية، منها الكينا والنخيل بأنواعه والصبارة ولسان الطير والخرنوب وغيرها. وتعيش بين هذه الأشجار أنواع الحيوانات البرية، منها الأرانب البرية والحجل والثعالب وطيور مختلفة.