واشنطن: لن نتفرج بينما يتحدث الإيرانيون أنفسهم عن زيادة إنتاج اليورانيوم المخصب

عسكري أميركي لـ«الشرق الأوسط»: تصريحات بترايوس بشأن إيران لتأكيد استعدادنا للاحتمالات كافة

فني روسي يقوم بالاشراف مع تقني ايراني في محطة بوشهر النووية (رويترز)
TT

يكثف المسؤولون الأميركيون مشاوراتهم مع حلفائهم، حول زيادة الضغط على النظام الإيراني، بعد أشهر من انتظار حلحلة في الموقف الإيراني إزاء الملف النووي، وبينما يواصل المسؤولون الإيرانيون تصريحاتهم العلنية حول مواصلة تطوير البرنامج النووي الإيراني، تزداد الأصوات الأميركية المحذرة من أنه غير ممكن انتظار تقدم إيجابي في الملف الإيراني إلى ما لا نهاية.

وأكدت مصادر أميركية لـ«الشرق الأوسط» أن تصريحات قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، حول وضع خطط لإمكانية ضرب المنشآت النووية الإيرانية، تنصبّ في سياق استعداد الإدارة الأميركية للاحتمالات كافة في التعامل مع الملف الإيراني، وكان بترايوس قد قال في مقابلة مع قناة «سي إن إن»، أول من أمس، إنه «سيكون من غير المسؤول تماما أن لا تفكر القيادة الأميركية الوسطى، المسؤولة عن المنطقة، في سيناريوهات عدة، وأن تضع خططا للرد على مجموعة متنوعة من الأوضاع»، وردا على أسئلة تتعلق بالمنشآت النووية الإيرانية وإمكانية تعزيزها لحمايتها من الهجوم، لفت الجنرال الأميركي إلى أنها «يمكن أن تتعرض للقصف».

وقال ناطق باسم القيادة المركزية الأميركية، اللفتنانت كوماندر بيل سبيكس، لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الخطط جزء من عملنا الروتيني للاستعداد لجملة من التهديدات»، وامتنع الناطق عن الخوض في تفاصيل تلك الخطط، وما إذا كانت الولايات المتحدة تنسق مع حلفائها في المنطقة حول طبيعة هذه الخطط، مكتفيا بالقول: «هذه خطط متعلقة بالأمن القومي. المسألة متعلقة بالإمكانيات والاستعدادات أيضا».

وبعد أن كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن العام الماضي عن عزمه التفاوض مع إيران مباشرة، والعمل على معالجة الملف النووي الإيراني، لم يرد النظام الإيراني على الجهود الأميركية بالإيجابية التي كانت تنتظرها واشنطن، وقالت مسؤولة في وزارة الخارجية الأميركية: «أسلوبنا دائما يتقدم على مسارين (التحاور والضغط)، ونتائج جهودنا للتواصل مع الإيرانيين مباشرة لم تكن مشجعة، وما زلنا محبطين من امتناع إيران عن الرد على المقترح لمنشأة طهران للبحوث»، وكانت الدول الست (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) قد طالبت إيران آخر أكتوبر (تشرين الأول) بإرسال الجزء الأكبر من مخزونها من اليورانيوم دفعة واحدة إلى روسيا، تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للحصول في المقابل على الوقود النووي لتشغيل مفاعل الأبحاث في طهران، لكن إيران رفضت هذا العرض، وحددت في الثاني من يناير (كانون الثاني) مهلة أخيرة للدول الكبرى مدتها شهر للموافقة على تبادل اليورانيوم، وفق شروطها الخاصة، التي من ضمنها التبادل «على دفعات» لكميات قليلة من اليورانيوم الإيراني بوقود نووي، وأضافت المسؤولة الأميركية أن «سياسات إيران تزيد من قلقنا ومن قلق الآخرين في المجتمع الدولي حول نياتها».

ويحرص المسؤولون الأميركيون على التأكيد أن أي تفكير باستهداف إيران عسكريا ما زال منحصرا في إطار التفكير في جميع الخيارات عند إعداد أي سياسة خارجية، وعبر رئيس أركان القوات المشتركة لـ«سي إن إن» الأدميرال مايك مالون عن أهمية منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وإطلاق «سباق تسلح» نووي في المنطقة، لكنه في الوقت نفسه قال: «أعتقد أن هجوما (عسكريا على المنشآت الإيرانية) من قِبلنا أو من قِبل أطراف أخرى، سيزعزع الاستقرار بشكل كبير أيضا».

ويأتي تحذير بترايوس بعد أيام من تأكيد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، أن واشنطن بدأت تتشاور مع حلفائها الأوروبيين وغيرهم، حول فرض عقوبات جديدة على إيران، وهناك جهود أميركية لاستهداف الحرس الثوري، وتقليص قدراته، خصوصا في المجال المالي، وتأتي هذه التحركات بعد أن كانت واشنطن قد نوهت بانتظارها حتى نهاية العام الماضي، للحصول على رد إيراني إيجابي، وشرحت المسؤولة: «لقد اعتمدنا عدم الإشارة إلى مصطلح موعد نهائي، ونحن أوضحنا أن باب الحوار سيبقى مفتوحا»، لكنها أردفت قائلة: «لكننا في الوقت نفسه، أوضحنا أنه من غير الممكن أن نواصل الوقوف، بينما الإيرانيون أنفسهم يتحدثون عن زيادة إنتاجهم اليورانيوم العالي التخصيب، والمزيد من المنشآت للطاقة النووية، التي من الممكن جدا أن تكون في استخدامها ازدواجية»، مشيرة إلى الاستخدام العسكري والمدني، وأوضحت أن المشاورات قد بدأت مع الحلفاء والدول المعنية حول الضغوط والعقوبات على إيران، قائلة: «هدفنا هو الضغط على الحكومة الإيرانية، وبشكل أخص عناصر الحرس الثوري، بينما نقوم قدر المستطاع بالابتعاد عن المساهمة في معاناة الإيرانيين العاديين، الذين يستحقون وضعا أفضل مما هم عليه الآن».

وبينما كانت الإدارة الأميركية حذرة من التطرق إلى الصراع السياسي الداخلي في إيران، منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، وفوز أحمدي نجاد بولاية ثانية الصيف الماضي، فإن المسؤولين الأميركيين زادوا من تصريحاتهم مؤخرا حول التطورات هناك، وقالت المسؤولة من الخارجية الأميركية: «نحن قلقون من الإشارات المتصاعدة إلى الاضطهاد من دون رحمة، الذي تقوم (السلطات الإيرانية) به ضد الذين يجتمعون ويعبرون عن رأي يختلف عن ذلك الذي تريد أن تسمعه القيادة الإيرانية»، مضيفة: «نريد أن نكرر أننا نقف مع هؤلاء الإيرانيين الذين يتظاهرون بسلم»، وتابعت: «ندين سجن وتعذيب واضطهاد الشعب، الذي يبدو أنه يتصاعد، ونحن نأمل أن تكون لإيران فرصة لتعكس هذا المسار، وتبدأ بالتواصل بطريقة إيجابية مع المجتمع الدولي، واحترام حقوق مواطنيهم، ولكننا سنواصل أسلوب المسارين».

وفي طهران، نددت الخارجية الإيرانية بما سمته التصريحات «الطائشة» لقائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ديفيد بترايوس، التي تحدث فيها عن احتمال تعرض منشآت نووية إيرانية للقصف، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست إن «هذه التصريحات طائشة، ومن الأجدى أن تندرج أي تصريحات بهذا الشأن في إطار بنّاء»، وأعاد مهمان باراست التأكيد على استعداد إيران «لإجراء تبادل على دفعات» لليورانيوم المنخفض التخصيب مقابل الحصول على وقود نووي لمفاعل طهران.

لكن مسؤولا إيرانيا رفيعا قال أمس إن إيران سوف تقوم بتخصيب اليورانيوم بدرجة تصل إلى 20% المطلوبة لمفاعل الأبحاث الطبية في طهران، إذا لم تقم الدول الغربية بالخطوة خلال المهلة المحددة بنهاية الشهر الحالي.

ورفض رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب علاء الدين بروجردي، الأنباء التي أشارت إلى أن طهران مستعدة لمقايضة اليورانيوم في بلد ثالث، مثل تركيا، وقال لوكالة الأنباء الإيرانية إن «موقف إيران هو أن تتم المبادلة في الأراضي الإيرانية، وهو موقف لم يتغير، ويتعين على الغرب الاستجابة لهذا المطلب لإيجاد سبيل للخروج من المأزق الحالي بدلا من خلق ضجة».