الجيش الأميركي يتعلم من البث التلفزيوني للمباريات الرياضية في إدارة معاركه بأفغانستان والعراق

الطائرات دون طيار تترك الجيش تائها في زخم أشرطة الفيديو الاستخبارية

طائرة بدون طيار أميركية تحلق في سماء قندهار لاستكشاف مواقع المسلحين (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي يسعى فيه الجيش الأميركي إلى الدفع بالمزيد من الطائرات دون طيار، للقيام بأعمال التجسس فوق أفغانستان، تقدم الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد كمّا ضخما من أشرطة الفيديو الاستخبارية، التي يجد المحللون صعوبة كبيرة في القدرة على متابعتها جميعا.

وكانت الطائرات من دون طيار قد جمعت معلومات استخبارية من العراق وأفغانستان خلال العام الماضي وحده، بما يوازي 3 أضعاف ما جمعته خلال عام 2007، وهو ما قد يتطلب 24 عاما من المشاهدة المتواصلة، وتفيد المؤشرات بإمكانية تضاعف هذا العدد الضخم من المعلومات خلال الأعوام القليلة القادمة، حيث يضاف المزيد من الطائرات إلى الأسراب، واستخدام بعض الأنواع القادرة على استخدام أنواع متعددة من الكاميرات للتصوير في جميع الاتجاهات.

ويقوم على مشاهدة محتويات هذه الأشرطة التي تلتقطها الطائرات، مجموعة من المحللين الشباب، الذين يشاهدون كل ثانية في الشريط، حيث تبث هنا في قاعدة لانغلي الجوية والمراكز الاستخبارية الأخرى، ولتحذير القوات في الميدان بشأن الكمائن التي أعدها المتمردون أو القنابل المزروعة على جانب الطريق.

لكن المسؤولين العسكريين يرون فائدة أكبر في استخدام أرشيف أشرطة الفيديو التي جمعتها تلك الطائرات، بالنسبة لمحللين آخرين، كالبحث عن أنماط لنشاطات المتمردين عبر الزمن، لكن حتى الآن لم يتم استعادة سوى جزء بسيط من هذه الأشرطة المحفوظة لهذه الأغراض الاستخبارية.

ولا تزال الوكالات الحكومية الأميركية تعاني من مشكلة تنسيق هذا الطوفان من المعلومات، التي جمعوها للأغراض الاستخبارية، وهي النقطة التي أكدت عليها «لجنة 11 سبتمبر»، وكذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما، بعد المحاولة الفاشلة لتفجير الطائرة عشية أعياد الميلاد.

ويحاول المدركون لهذه الأخطاء، في القوات الجوية والوحدات العسكرية الأخرى، منع الإفراط في التقاط صور الفيديو التي تجمعها تلك الطائرات، ويحاولون التوجه صوب عمل البث التلفزيوني لتعلم كيفية مشاركة مقاطع الفيديو، وعرض مزيج من المعلومات بطرق تجعل عمل المحللين أسرع وأسهل، حتى إنهم يجربون بعض برامج البث التي تستخدمها القنوات التلفزيونية، مثل تقنية «تليستراتور» التي نشرها جون مادن في تحليل مباريات كرة القدم الأميركية، والتي يمكن أن تستخدم لتحذير القوات الأميركية بشأن السيارات التي تشكل تهديدا، أو لمحاصرة مبنى ستهاجمه الطائرات من دون طيار.

وقال لوشيوس ستون، المسؤول التنفيذي في مؤسسة «هاريس برودكاست كوميونيكاشن»، مزودة التكنولوجيا التجارية، والتي تعمل مع الجيش الأميركي: «تخيل أنك تشاهد كرة القدم من دون كل تلك الرسوم التوضيحية، من المؤكد أنك لن تتمكن من معرفة كيفية تنفيذ التمريرة أو كيفية حدوث الإعاقة، إنه سيكون مجرد فيديو خام، وتلك هي الصورة التي يستخدمها المحللون في الجيش الآن».

وقد تزايد الطلب على طائرات «بريداتور» و«رابير» منذ الهجمات الإرهابية عام 2001، لتصبح الآن أحد أهم الأسلحة لاصطياد قادة المتمردين وحماية القوات الحليفة.

ويعتمد الجيش على هذه الأشرطة؛ لاصطياد المتمردين الذين يزرعون القنابل على جانب الطريق، أو لإيجاد منازلهم أو مخابئ الأسلحة، هذا الأمر جعل غالبية القادة، الآن، يترددون في إرسال قافلة إلى الطريق بلا حراسة من طائرة من دون طيار.

ويقوم الجيش وقوات البحرية الأميركية والقوات الخاصة بنشر مئات من الطائرات من دون طيار، الأصغر حجما المخصصة لأعمال المراقبة، كما تستخدم وكالة الاستخبارات المركزية الطائرات من دون طيار لشن هجمات صاروخية ضد قادة «القاعدة» في باكستان.

ويقول مسؤولو القوات الجوية الذين يضطلعون بمسؤولية تحليل أشرطة الفيديو المصورة في العراق وأفغانستان، إنهم نجحوا في التعامل مع غالبية المهام العاجلة، وكان من الواضح، من خلال الزيارة التي قمنا بها لمركز التحليل هنا في القاعدة، والمقام في مهجع قديم، قدرتهم على ربط بيانات الفيديو بالأدلة الموجودة في الصور الملتقطة والمحادثات الهاتفية المعترضة لبناء صورة أكثر شمولية للتهديدات الأضخم.

ومع إرسال الرئيس أوباما المزيد من القوات إلى أفغانستان، ستصبح مهمة مراقبة الفيديو أمرا أكثر تحديا، وبدلا من حمل كاميرا واحدة ستتمكن طائرات «رابير» من دون طيار، والتي تعد أحدث وأضخم من طائرات «بريداتور»، من تصوير 10 اتجاهات في وقت واحد، وبحلول عام 2011 ستزيد إلى 30 اتجاها مع خطط بالوصول بها إلى 65 اتجاها فيما بعد، حتى إن بعض كبار مسؤولي الاستخبارات في القوات الجوية، مثل الجنرال ديفيد ديبتولا، يشيرون إلى أنها قد تصبح عما قريب سباحة في أجهزة الاستشعار وغرقا في المعلومات.

وقال إن القوات الجوية ستتمكن من تقديم هذه المعلومات بصورة مباشرة إلى القوات الأرضية، حتى لا تثقل على مراكزها الاستخبارية، وأضاف أن القوات الجوية كانت تعمل عن قرب مع القادة الميدانيين لتحديد أهم الأهداف، وأنها استعانت بـ2500 محلل للمساعدة في هذا الكم الكبير من المعلومات.

ومع أنظمة الكومبيوتر الجديدة التي يتم تركيبها الآن، والتي تكلفت 500 مليون دولار، ستتمكن القوات الجوية من البدء في استخدام بعض التقنيات التلفزيونية، وإرسال إشارات تحذير أوتوماتيكية عندما ترد معلومات مهمة لتنتهي بمقاطع هامة، بل وبنصوص ورسوم توضيحية.

وقال الجنرال نورمان شوارتز، رئيس أركان القوات الجوية: «إذا كان بمقدور العمل الأوتوماتيكي مساعدة محللينا على الاستفادة بصورة أفضل بالنسبة للوقت فسيفيدنا ذلك بكل تأكيد».

ويعترف المسؤولون بأن الجيش لا يزال في مرحلة البدء في استخدام بعض المميزات التي يتعامل معها مستخدمو «يوتيوب» و«غوغل» منذ أمد بعيد.

لكن مارك بريغهام، المسؤول التنفيذي في شركة «رايثيون» التي صممت نظام الكومبيوتر الجديد، أشار إلى أن القوات الجوية تحركت أسرع من الوكالات الاستخبارية الأخرى، لتكوين شبكات عمل أشبه بشبكة الإنترنت، التي يمكنها مشاركة المعلومات بسهولة تامة، فقد نقلت أشرطة الفيديو التي صورتها الطائرات إلى الولايات المتحدة وأوروبا للمحللين، على مدار أكثر من عقد، هذه العمليات، التي يشترك فيها الآن 4 آلاف فرد من القوات الجوية، متمركزون في هذه القاعدة، حيث يشاهد 3 محللين البث الحي من الطائرات، لا يحيد بصر أحدهم على الإطلاق عن شاشة الكومبيوتر الموجودة أمامه، وعندما يسترعي انتباهه أمر ما ينقل التحذيرات في الحال إلى شركائه الذين يمررون هذه التحذيرات إلى الميدان، عبر غرف الدردشة، مصحوبة بلقطات لأهم الصور.

وقال الكولونيل دانييل جونسون، الذي يدير المراكز الاستخبارية: «الأمر يتم غالبا عبر غرف الدردشة على الإنترنت، تلك هي الطريقة التي نحارب بها اليوم»، وأشار إلى أن المحللين الآخرين (غالبهم من الرجال والنساء التابعين للقوات الجوية في العشرينات من عمرهم)، يدرسون مئات الصور والمكالمات الهاتفية التي يتم اعتراضها كل يوم عبر طائرات «يو 2» والطائرات الأخرى، ويبعثون بتقارير تتضمن كل المعلومات.

كما يوضح بريغهام المسؤول التنفيذي في «رايثيون» أن النظام الجديد سيساعد على إسراع هذه العملية، وقال إنه سيساعد في استخلاص المعلومات الأساسية مثل الإحداثيات الجغرافية، ومناقشات غرف الدردشة، وتقديمها إلى المسؤولين في الجيش، الراغبين في مشاهدة الفيديو لمزيد من الدراسة.

لكن على الرغم من أن التوفير الأكبر في الوقت سيأتي عبر المسح الأوتوماتيكي للشاحنات والمسلحين، فإن هذا البرنامج لا يمكن التعويل عليه حتى الآن، وقد واجه الجيش مشكلة مماثلة كتلك التي تواجهها شركات البث التلفزيوني في محاولة متابعة لاعب كرة قدم بعينه لدى تدافع عدد كبير من اللاعبين.

ومن ثم فإن القائد جوزيف سميث، مسؤول البحرية الذي يعمل في وكالة الاستخبارات الوطنية للتصوير والمسح الجغرافي، التي تضع معايير لاستخبارات الفيديو، والمسؤولين الآخرين تسلقوا إلى شاحنات البث التلفزيوني خارج ملعب كرة القدم لتعلم كيفية عمل الشبكات وتقنيات البث.

* خدمة «نيويورك تايمز»