«لغة النت» تجتاح الحياة الواقعية بعد انتشارها إلكترونيا

مصطلحاتها «باك - برب - تيت - وِلكم باك»

TT

«باك - برب - لوول - تيت - وِلكم باك» مزيج من مصطلحات ومفردات لغوية خلقها الإنترنت، وبادرت الأجيال الشابة إلى ابتكارها واستخدامها، بحثا عن البساطة والسهولة في الحديث، بما يتناسب مع نمط حياتهم العصرية السريعة.

اللغة الإنترنتية، لغة العصر، لم تعد مقتصرة على الشبكة العنكبوتية بل وصلت إلى الشارع العام والحياة اليومية، فلم يعد الشبان والفتيات يستغنون عنها، بعد أن جعلوا منها بديلا لمصطلحات يرونها صعبة ومعقدة. وأكد الدكتور سعود الكاتب المحاضر المتخصص في الإعلام الجديد والإنترنت بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، أن المجتمعات العربية تواجه مشكلات في التعليم والاختراعات الإلكترونية والتكنولوجيا بشكل عام، ما أثر سلبا على اللغة العربية، باستبدال مصطلحات أجنبية بمصطلحاتها.

وقال المحاضر المتخصص في الإعلام الجديد والإنترنت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تعد اللغة جزءا من ثقافة الشعوب، غير أن المجتمعات العربية تعيش تخلفا في التعليم والتكنولوجيا، الأمر الذي انعكس سلبا على لغتهم الأم». وأشار الدكتور الكاتب إلى أنه من غير الممكن إلقاء اللوم على الجيل الحديث، الذي بات يستخدم مصطلحات غربية في حياته اليومية أيضا، وليس فقط عبر شبكة الإنترنت، إذ لم يجد بديلا عربيا مبسطا يتناسب مع الحياة العصرية التي يعيشها.

وأضاف: «ثمة اختصارات لا توفرها اللغة العربية من ضمنها (برب - لول - باك - تيت)، التي تُكتب بالحروف العربية في أثناء استخدام الدردشة الإلكترونية أو خدمة المسنجر، غير أنها في الأصل مختصرة من مصطلحات أجنبية»، راجعا سبب استخدامها إلى عدم توافر كلمات عربية سهلة ومبسطة.

ولفت إلى وجود محاولات سابقة لتعريب بعض المصطلحات الأجنبية، من ضمنها «التلفزيون» الذي تم تعريبه إلى «الرائي»، و«الراديو» الذي سُمي «المذياع»، إلا أن تلك المفردات لم تلقَ استحسانا من قِبل أفراد المجتمع، مطالبا بضرورة وجود كلمات أسهل في الاستخدام.

وفي الوقت الذي طالب فيه المحاضر المتخصص في الإعلام الجديد والإنترنت بجامعة الملك عبد العزيز في جدة بإيجاد «مجامع لغوية» تتناول مثل هذه المستجدات الطارئة، دعا الدكتور عمار بكار الكتاب والإعلامي السعودي رئيس تحرير صحيفة «العربية نت» الإلكترونية سابقا إلى إنشاء «مجمع إلكتروني للغة العربية».

وقال الدكتور بكار لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الفكرة وجدت صدى وتجاوبا كبيرا من قِبل المثقفين والمهتمين باللغة العربية، إلى جانب رجال الأعمال الذين أبدوا استعدادهم لتمويل المشروع»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التواصل ما زال مستمرا من أجل تنظيم تفاصيل المشروع بشكل أكبر.

وأوضح رئيس تحرير صحيفة «العربية نت» الإلكترونية أن الهدف من ذلك المشروع يتمثل في الاستفادة من الشبكة العنكبوتية في حل مشكلة اللغة العربية، إذ «تعاني هذه اللغة من عدم وجود مفردات جديدة لها»، مؤكدا حاجتها إلى قاموس جديد، على غرار ما يحدث في اللغات الأخرى.

وأضاف: «اقتصر استخدام اللغة العربية الفصحى منذ قرون مضت على القراءة والكتابة دون التحدث بها، الأمر الذي أثر بشكل حاد على نمو مفرداتها الجديدة وكونها لغة علمية»، مؤكدا أن جميع تلك العوامل أدت إلى «الانشقاق» بين متحدثيها نتيجة تعدد اللهجات.

وانتقد الدكتور بكار عدم وجود مجامع للغة العربية نشطة في الوقت الراهن، رغم أنها شهدت نشاطا في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت منذ وقت سابق، إلى جانب الرياض لفترة قصيرة جدا، إلا أنها لم تعد موجودة، عدا كونها مجرد شكليات فقط دون أي قيمة فعلية ملموسة إذا ما وُجدت حاليا.

واستطرد في القول: «أطلق موقع (فيس بوك) الشهير خدمة لترجمة الكلمات الموجودة في الموقع إلى مفردات لغوية مقبولة جدا وقريبة من ذائقة الإنسان العربي، وشهدت تلك الخدمة تحقيق نتيجة باهرة بناء على التصويت العام»، موضحا أن هذه النتائج الإيجابية دليل على إمكان نجاح فكرة «المجمع الإلكتروني للغة العربية» إذا ما تم تطبيقها.

وبالعودة إلى المحاضر المتخصص في الإعلام الجديد والإنترنت بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، فقد شدد على رفضه الرقابة على مصطلحات الإنترنت، خصوصا وأن اللغة العربية إذا ما كانت قوية بما يكفي فإنها ستستطيع المقاومة، لافتا إلى أن قوتها تنبع من اهتمام المجامع اللغوية.

ولا تقتصر حالة الفوضى اللغوية على العربية فقط، وإنما طالت حتى اللغات الأجنبية الأخرى، وذلك بحسب دراسة علمية صادرة عن ديفيد كريستال الخبير اللغوي البريطاني.

وأوضح كريستال في دراسته أن انتشار المدونات وغرف الدردشة بشكل واسع على شبكة الإنترنت «من شأنه أن يقتل الكلمات والمصطلحات اللغوية التي تم اعتمادها وتداولها منذ قرون».

وأضاف البروفسور في جامعة ويلز والحائز على رتبة «الإمبراطورية البريطانية»: «أصبح بإمكان الكتّاب اختيار الكلمات والمصطلحات وكتابتها بالطريقة التي يرونها، غير مراعين لتهجئتها أو تراكيبها، باعتبارها لا تخضع للتدقيق اللغوي قبل نشرها إلى العالم».

وتوقع الكاتب البريطاني أن تحتل المصطلحات والكلمات الجديدة التي يدونها الكتاب على الشبكة المعلوماتية، بعد بضعة عقود من الزمان، مكان الكلمات الأصلية والتراكيب الصحيحة في اللغة، أو تكاد تقتلها إلى الأبد.

وأشار في دراسته إلى وجود «مختصرات لغوية وكلمات وتعابير على الإنترنت مثل كتابة (teh) عوضا عن (the)، أو (2moro) بدلا من (tomorrow)، أو (thx) لتحل محل (thank you)»، معتبرا أنه من شأن هذه المصطلحات إشاعة الفوضى اللغوية، وبخاصة أمام النشء الجديد، موصيا في الوقت نفسه بضرورة الإبقاء على تدريس المفردات الأصلية للغات بالمدارس والجامعات في العالم، حفاظا على اللغة.